الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/04/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: سَجْدةُ التِّلَاْوَةِ(5)

*قوله: (ولا يشترط الطهارة)*

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى: *(الأظهر أنَّ الطَّهارة غير شرط في هذا السُّجود -إلى أن قال: - وابن الجنيد ظاهره اعتبار الطَّهارة...).*

*أقول:* من المعلوم عند الأعلام أنَّه لا يشترط في هذا السُّجود الطَّهارة من الخبث والحدث الأصغر والأكبر.

*وقد يستدل* لذلك بأربعة أدلَّة:

*الأوَّل:* التسالم بينهم، وعدم قَدْح المخالف.

*الثاني:* الأصل، إذ لا يوجد ما يدلّ على اعتبار الطّهارة فيه -عدا حدث الحيض، حيث وقع الكلام فيه-.

*الثالث:* إطلاقات النصوص، إذ لم يقيَّد فيها كون القارئ أو المستمع طاهراً.

*الرابع:* الرّوايات الخاصّة:

*منها:* موثّقة أبي بصير المتقدّمة عن أبي عبد الله (عليه السَّلام)، حيث ورد في ذيلها: *(والحائض تسجد إذا سمعت السّجدة)([1] ).*

*ومنها:* روايته الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) المتقدّمة أيضاً *(قال: قال: إذا قرئ بشيء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء، وإن كنت جنباً، وإن كانت المرأة لا تصلّي وسائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت وإن شئت لم تسجد)([2] )،* وهي ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة، وبعدم وثاقة القاسم بن محمّد الجوهري.

*ومنها:* صحيحة أبي عبيدة الحذّاء المتقدّمة *(قال: سألتُ أبا جعفر (عليه السَّلام) عن الطامث تسمع السّجدة، قال: إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها)([3] ).*

*ويمكن الاستدلال* بهذه الرّوايات أيضاً لعدم اعتبار الطّهارة من الخبث، لكونه لازماً عاديّاً للحائض، كما لا يخفى.

*ومنها:* رواية الوليد بن صبيح، في مستطرفات السّرائر، نقلاً من كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) *(قال: من قرأ السّجدة وعنده رجل على غير وضوء، قال: يسجد)([4] ).*

وعنه أيضاً في الكتاب المزبور عن الحلبي *(قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السَّلام): يقرأ الرّجل السّجدة وهو على غير وضوء؟ قال: يسجد إذا كانت من العزائم)([5] )،* ولكنَّهما ضعيفتان بالإرسال، لأنَّ ابن إدريس (رحمه الله) لم يذكر طريقه إلى نوادر البزنطي.

*ومنها:* مرسلة دعائم الإسلام، حيث ورد فيها : *(ويسجد وإن كان على غير وضوء)([6] )،* وهي ضعيفة بالإرسال.

__________

(6) المستدرك باب35 من أبواب قراءة القرآن ح2.

 

وأمَّا ما في ظاهر بعض هذه الرّوايات، كموثّقة أبي بصير، وصحيحة أبي عبيدة الحذّاء، من وجوب السّجود على الحائض بمجرد السّماع من دون الإنصات، فقد أجبنا عنه سابقاً بحمل الأمر بالنسبة إلى السُّماع على الاستحباب، مع إبقاء الأمر على ظاهره فيما عداه -أي المستمع- من غير أن يستلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنًى، فراجع ما ذكرناه في الأمر الرابع في المسألة المتقدّمة.

ثمَّ إنّه قد يعارض هذه الرّوايات المتقدّمة روايتان:

*الأُولى:* صحيحة عبد الرّحمان بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) *(قال: سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن، وتسجد سجدة إذا سمعت السّجدة؟ قال (لا تقرأ) ولا تسجد)(1)،* هكذا في نسخة الاستبصار.

وأمَّا في نسخة التهذيب فهكذا (قال: تقرأ ولا تسجد)، ولا يهمّنا إجمال القراءة، مع وضوح محلّ الشاهد، وهو السجود.

الثانية: معتبرة غياث عن جعفر عن أبيه عن عليّ (عليه السَّلام) *(قال: لا تقضي الحائض الصَّلاة، ولا تسجد، إذا سمعت السّجدة)(2).*

والرّواية معتبرة، لأنَّ ابن إدريس (رحمه الله) نقلها من كتاب محمّد بن عليّ بن محبوب، وقد ذكر ابن إدريس (رحمه الله) أنَّ هذا الكتاب وصل إليه بخطّ الشَّيخ الطوسي (رحمه الله)، وهو يعرف خطّه، والشّيخ (رحمه الله) له طريق صحيح إليه.

وهناك بعض المحاولات للجمع بين الرّوايات المتقدّمة وبين صحيحة عبد الرّحمان:

*المحاولة الأولى:* ما حُكي عن الشَّيخ (رحمه الله) في الاستبصار من حمل صحيحة عبد الرّحمان على جواز الترك، والأمر بالسّجود في الرّوايات المتقدّمة محمول على الاستحباب.

والحاصل: أنَّ النَّهي الوارد في صحيحة عبد الرّحمان -لأجل وقوعه موقع توهم الإيجاب- لا يدلّ إلَّا على جواز الترك، فيكون ذلك قرينةً على حمل الأمر في الرّوايات السّابقة على الاستحباب.

*وفيه:* أنَّ النهي عن السّجود وإن ورد في مقام توهُّم الوجوب إلَّا أنَّه لاقتران القراءة بالسّجود يمنع عن توهّم الوجوب، إذ لا مقتضٍ لتوهُّم الوجوب في القراءة.

*وعليه،* فانضمام القراءة إلى السّجود يجعل السّؤال حينئذٍ عن الجواز لا محالة، فلا موجب حينئذٍ بصرف النهي في الصّحيحة عن ظاهره في التحريم، وحمله على عدم الوجوب.

*والخلاصة:* أنَّ هذه المحاولة ليست تامّةً.

*المحاولة الثانية:* حمل صحيحة عبد الرّحمان على الاستفهام الانكاري، قال صاحب الحدائق: (وحمله على الاستفهام الإنكاري غير بعيد، بمعنى أنَّه يجوز لها قراءة القرآن الذي من جملته العزائم، ولا يجب عليها السّجود، بل تسجد كما أنَّها تقرأ...).

*وفيه أوَّلاً:* أنَّ الإنكار إنَّما يحسن إن كان جواز القراءة مفروغاً عنه ومسلماً عند السّائل، مع أنَّ السُّؤال وقع عنه أوَّلاً، فكيف يصحّ الإنكار قبل أن يعرف حكم القراءة.

*وثانياً:* أنَّه لا وجه للحمل على الاستفهام الإنكاري، إذ لا استبعاد في أن يكون لها قراءة القرآن في الجملة، ولا يجوز لها السّجدة، التي قد يظنّ كونها مثل الصَّلاة محرّمة عليها، وأين البعد في ذلك؟!

*والخلاصة:* أنَّ هذه المحاولة الثانية ليست تامَّةً أيضاً.

وهناك محاولة ثالثة للجمع بين الأخبار لسنا بحاجة لبيانها لكونها أضعف من المحاولتين السَّابقتين.

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج2، ص343، أبواب القراءه الصلاه، باب38، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص240، أبواب قراءه القرآن، باب6، ح240، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج2، ص340، أبواب الحیض، باب36، ح1، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص241، أبواب قراءه القرآن، باب42، ح5، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص241، أبواب قراءه القرآن، باب42، ح6، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص392، أبواب قراءه القرآن، باب9، ح5، ط آل البيت.