الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مستحبّات الصلاة(2)

 

قال العلَّامة في المنتهى: (يُكره التثاؤب في الصَّلاة، لأنَّه استرخاء في الصّلاة، ومغيِّر لهيئتها المشروعة، وكذا يكره التمطِّي أيضاً لهذه العلَّة...).

أقول: التثاؤب معروف، وهو على قسمين: اختياري واضطراري، والتثاؤب المكروه هو الاختياري منه.

وأمَّا الاضطراري فهو من الشَّيطان، كما يشير إلى ذلك حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السَّلام)-في حديث-: *(قال : سألتُه عن الرَّجل يتثأّب في الصَّلاة ويتمطَّى، قال: هو من الشَّيطان، ولن يملكه)([1] ).*

ويشير إليه أيضاً صحيحة البزنطي *(قال: سمعت الرِّضا (عليه السَّلام) يقول: التثاؤب من الشَّيطان، والعطسة من الله عزوجل)([2] ).*

ثمَّ إنَّه قد يقال: الاضطراري منه مرجعه إلى الاختياري، وذلك لأنَّ مقدماته اختياريّة، لأنَّه إنَّما يكون من ثِقْل البدن وامتلائه واسترخائه، ومَيْله إلى الكسل والنوم.

وإضافته إلى الشيطان لأنَّه الذي يدعو إلى إعطاء النفس شهوتها، فيرجع حينئذٍ إلى التحذير من السَّبب الذي يتولَّد منه، وهو التوسُّع في الشبع، بحيث يثقل عن الطَّاعات ويكسل عن الخيرات.

وأمَّا التمطي: فهو معروف، وقيل: أصله من التمطُّط، وهو التمدُّد، وأمَّا التكفير فسيأتي الكلام عنه -إن شاء الله تعالى- في مبحث القواطع.

وأمَّا الاحتفاز: فعن النهاية الحثّ والإعجال.

ومنها: صحيحة أبي بصير *(قال: قال أبو عبد الله (عليه السَّلام): إذا قمتَ إلى الصَّلاة فاعلم أنَّك بين يدي الله، فإنْ كنتَ لا تراه فاعلم أنَّه يراك، فأقبل قبل صلاتك، ولا تمتخط، ولا تبزق، ولا تنقض أصابعك، ولا تورّك، فإنَّ قوماً قد عذِّبوا بنقض الأصابع، والتورُّك في الصَّلاة...)([3] ).*

ونقض الأصابع -بالقاف بعد النون ثمَّ الضّاد المعجمة- قال في مجمع البحرين : (وإنقاض الأصابع تصويتها وفرقعته، وأنقض أصابعه ضرب بها لتصوّت؛ ومنه الحديث: لا ينقض الرَّجل أصابعه في الصَّلاة).

_______

والمراد بالتورّك المنهي عنه غير التورّك المستحبّ الذي تقدّم في مبحث السُّجود والتشهُّد.

والمراد به هنا على ما فسَّره جماعة من الأعلام أن يضع يديه على وِرْكيه في الصَّلاة وهو قائم.

قال الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في الفقيه : (ولا تتورّك، فإنَّ الله عزَّوجل قد عذَّب قوم من ملالة الصَّلاة...).

وقال العلّامة (رحمه الله) في المنتهى: (يكره التورُّك في الصَّلاة، وهو أن يعتمد بيديه على وِرْكيه وهو التخصُّر، روى الجمهور عن أبي هريرة أنَّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله) نهى عن التخصُّر في الصَّلاة، ومن طريق الخاصّة ما رواه أبو بصير، ثمَّ ساق الصّحيحة المتقدّمة).

وفسَّر المصنِّف (رحمه الله) في النفليَّة التورُّك بالاعتماد على إحدى الرجلين تارةً، وعلى الأخرى أخرى، والتخصّر بقبض خصره بيده، وحكم بكراهتهما معاً.

وأمَّا كراهة العبث في الصَّلاة مطلقاً، فيدلّ عليه جملة من الأخبار المستفيضة:

منها: مرسلة الفقيه *(قال: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنَّ الله كره العبث في الصَّلاة...)([4] )،* وهي ضعيفة بالإرسال.

ومنها: مرسلته الأخرى *(قال: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنَّ الله كره لي ستَّ خصال، وكرهتهنّ للاوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي: العبث في الصَّلاة...)([5] ).*

ورواه في المجلس مسنداً عن الصَّادق (عليه السَّلام) عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثله، ولكن السَّند ضعيف بجهالة الحسين بن موسى.

ومنها: ما رواه في الفقيه بإسناده عن حمَّاد بن عمرو وأنس بن محمَّد عن أبيه عن جعفر بن محمَّد عن آبائه (عليه السَّلام) في وصية النّبيّ (صلى الله عليه وآله) لعلّي (عليه السَّلام) *(قال: يا علي! إنَّ الله كره لأمتي العبث في الصَّلاة...)([6] )،* وهي ضعيفة جدّاً، لأنَّ في إسناد الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) إلى حمَّاد بن عَمْرو وأنس بن محمَّد عدَّة من المجاهيل.

أضف إلى ذلك: جهالة حمَّاد بن عمرو وأنس وأبيه.

ومنها: حسنة زرارة في حديث عن أبي جعفر (عليه السَّلام) *(قال: عليك بالإقبال على صلاتك، ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا بلحيتك)([7] ).*

ومنها: صحيحة حمَّاد بن عيسى عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) *(أنَّه لمَّا علمه الصَّلاة، قال: هكذا صلّ ولا تلتفت، ولا تعبث بيدك وأصابعك...)([8] ).*

وأمَّا كراهة التنخُّم فتستفاد من الرِّوايات الكثيرة الدَّالة على كراهة البصاق، والتي منها صحيحة أبي بصير المتقدّمة([9] )، واستفادة ذلك إنّما هي بالفحوى وتنقيح المناط، والله العالم.

    

*قوله: (وكذا يكره الترواح بين القدمين في القيام)*

في الفِقه الرَّضوي: *(ولا تتكئ مرةً على رجلك ومرةً على الأخرى)([10] ).

وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة أنَّ كتاب الفِقه الرَّضوي لم يثبت كونه روايةً عن الرِّضا (عليه السَّلام)، بل الأقرب أنَّه فتاوى لابن بابويه، إلَّا إذا كان الموجود بعنوان رُوي، فتكون روايةً مرسلةً.

وقد تقدَّم عن الشَّهيد (رحمه الله) في النفليَّة أنَّه فسَّر التورُّك بالاعتماد على إحدى الرِّجلين تارةً وعلى الأخرى أخرى.

ومهما يكن، فالكراهة في الترواح غير ثابتة ، والله العالم.

________

قوله: *(و (ونفخ موضع السُّجود) ومسح وجهه من أثر السُّجود قبل الفراغ وتركه بعده)*

الموجود في بعض نسخ كتاب الدّروس : (ومسح وجهه...)، بدون (ونفخ موضع السُّجود).

ومهما يكن، فقد تقدَّم الكلام حول كراهة نفخ موضوع السُّجود عند قوله في الدرس الثالث والثلاثين، ويُكره نفخ موضع السُّجود(1).

ومن جملة الرِّوايات التي ذكرناها صحيحة محمَّد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) *(قال: قلتُ له: الرَّجل ينفخ في الصَّلاة موضع جبهته، فقال: لا)(2)،* وهي وإن كانت ضعيفة بطريق الكليني بجهالة محمَّد بن إسماعيل النشابوري البندقي.

ولكنَّها صحيحة بالطَّريق الثاني للشّيخ، حيث يرويها بإسناده عن محمَّد بن عليّ بن محبوب عن الفضيل.

وأمَّا باقي الرِّوايات الواردة في المسألة فقد ذكرناها هناك، فراجع.

وأمَّا كراهة مسح وجهه من أثر السُّجود قبل الفراغ من السُّجود أو الصَّلاة، فالموجود في صحيحة عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) هو استحباب مسح الجبهة من التراب (قال: سألته أيمسح الرَّجل جبهته في الصَّلاة إذا لصق بها تراب، فقال: نعم، قد كان أبو جعفر (عليه السَّلام) يمسح جبهته في الصَّلاة إذا لصق بها التراب)(3).*

وكذا فيما رواه ابن إدريس في آخر السَّرائر نقلاً من كتاب جامع البزنطي صاحب الرّضا (عليه السَّلام) *(قال: سألتُه عن الرجل يمسح جبهته من التراب وهو في صلاته قبل أن يسلم، قال: لا بأس)(4).*

ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، لأنَّ ابن إدريس (رحمه الله) لم يذكر طريقه إلى جامع البزنطي.

ورواها عبد الله بن جعفر في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جدِّه عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السَّلام).

ولكنَّها أيضاً ضعيفة بعبد الله بن الحسن، فإنَّه مهمل.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص260، أبواب قواطع الصلاه، باب11، ح4، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص259، أبواب قواطع الصلاه، باب11، ح2، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص465، أبواب افعال الصلاه، باب1، ح9، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص260، أبواب قواطع الصلاه، باب12، ح2، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج12، ص261، أبواب قواطع الصلاه، باب12، ح4، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص260، أبواب قواطع الصلاه، باب12، ح3، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص261، أبواب قواطع الاسلام، باب12، ح4، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص235، أبواب قواطع الاصلاه، باب1، ح9، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص240، أبواب افعال الصلاه، باب1، ح9، ط آل البيت.
[10] مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، ج4، ص118.