الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/03/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التسليم في الصَّلاة(10)

ويرد عليه -بعد حمل الاعتقاد في كلامه على إرادة الفعل بعنوان الوجوب والندب، أي اعتبار نية الوجه-: أنَّه لا مدخليّة لذلك في تحصيل الاحتياط، بل إذا احتاط ينبغي أن لا يعتقد ندب شيء منهما، ولا وجوبه.

وأيضاً يرد عليه: أنَّه كيف يكون ذلك طريق الاحتياط، وهو مخالف لما أفتى به هو نفسه في المحكي عن ألفيته، من أنَّ ما يقدمه منهما يكون واجباً، والثاني مستحبّاً، ولو عكس لم يجز؟!

وأيضاً إذا كانت الصِّيغة الثانية مخرجة بالإجماع، فلا وجه للاحتياط بعد القطع بالامتثال.

ومهما يكن، فالإنصاف هو وجوب الصيغتين تخييراً ، كما ذهب إليه المحقّق رحمه الله، ومن تبعه من الأعلام.

ويدلّ عليه أوَّلاً: أنَّه مقتضى الجمع بين الأمر بالصِّيغة الأُولى في موثَّقة أبي بصير وغيرها من النصوص، حتَّى المتضمّنة للفراغ من الصَّلاة وانقطاعها بالصِّيغة الأُولى، وبين الأمر بالصِّيغة الثانية في الرِّوايات المتواترة المعلوم عدم وجوب الجمع بينهما بالاتّفاق، فليس حينئذٍ إلَّا التخيير.

وثانياً: أنَّه يصدق التسليم على الصِّيغتين، فيتناولهما عموم قوله عليه السَّلام: (وتحليلها التسليم).

ودعوى الانصراف إلى المتعارف فعلاً واسماً بين العامَّة والخاصَّة، وهو (السَّلام عليكم)، أي الصّيغة الثانية مدفوعة -بعد تسليمها- بأنَّه لا ينافي ثبوت فرد آخر -وهو الصِّيغة الأُولى- بدليل مستقلّ، وهو النصوص المتقدّمة الدَّالة على أنَّه تحليل الصَّلاة.

وثالثاً: قد ثبت حصول التحليل بكلٍّ منهما، ولا شيء واجب بعده، فلا يجب حينئذٍ إلَّا أحد المحلّلَيْن.

وممَّا يؤكِّد الوجوب التخييري: هو بطلان بقيَّة الأقوال، والله العالم بحقائق أحكامه.

الأمر الثالث: هل يكفي في الصِّيغة الثانية (السَّلام عليكم)، أم يجب إضافة (ورحمة الله وبركاته).

المعروف بين الأعلام كفاية (السَّلام عليكم)، وقال أبو الصَّلاح: (يجب السَّلام عليكم ورحمة الله)، وحُكي عن ابن زهرة : (وجوب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، وقال العلَّامة في المنتهى: (ولو قال: السَّلام عليكم ورحمة الله، جاز، وإن لم يقل: (وبركاته)، بغير خلاف).

وقدِ استُدل للقول الأوَّل -وهو كفاية (السَّلام عليكم)- بعدَّة أدلَّة:

منها: إطلاق أدلّة التسليم، كما في صحيحة الفضلاء -الفضيل وزرارة ومحمَّد بن مسلم- عن أبي جعفر عليه السَّلام (قال: إذا فرغ من الشَّهادتين فقد مضت صلاته، فإن كان مستعجلاً في أمر يخاف أن يفوته، فسلَّم وانصرف، أجزأه)([1] )، فإنَّ مقتضى إطلاق التسليم شموله لهذا الفرد، وهو (السَّلام عليكم) الخالي عن الضَّميمة.

________

 

ومثلها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السَّلام (في الرَّجل يكون خلف الإمام، فيطيل الإمام التشهُّد، فقال: يسلِّم مَنْ خلفه، ويمضي في حاجته إنْ أحبَّ)([2] ).

ومنها: الرِّوايات الخاصَّة، كموثَّقة يونس بن يعقوب المتقدِّمة (قال: قلتُ لأبي الحسن عليه السَّلام: صلَّيت بقوم صلاةً، فقعدتّ للتشهُّد، ثمَّ قمّت ونسيت أن أسلّم عليهم، فقالوا: ما سلّمت علينا، فقال: ألم تسلِّم وأنت جالس؟ قلت: بلى، قال: فلا بأس عليك، ولو نسيت حين قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك وقلت: السَّلام عليكم)([3] ).

ونحوها رواية أبي بكر الحضرمي ورواية أبي بصير، ورواية ابن أبي يعفور([4] ) لكنَّ الأُولى ضعيفة بالإضمار، والثانية بمحمَّد بن سنان، والثالثة بالإرسال.

لا يقال: إنَّ هذه الرِّوايات الخاصَّة الدَّالة على كفاية (السلام عليكم) ، لا يصحّ الاستدلال بها لسَبْق (السَّلام عليكم) ، بالصّيغة الأولى التي يكتفى بها في الخروج عن الصَّلاة.

فإنَّه يقال: إنَّ هذا لا يقدح في الاستدلال بها على المطلق، لكشفها عن عدم اعتبار الزِّيادة وهي (ورحمة الله وبركاته) في قوام هذه الصِّيغة .

إن قلت: إنَّ هذه الرِّوايات محمولة على الاكتفاء عن ذِكْر الكلّ بذكر البعض، لأنَّ المعهود عند العرف هو (السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، فلأجل هذه المعهوديَّة اكتفى بذكر البعض -هو السَّلام عليكم- في هذه الرِّوايات.

قلت: هذا الاحتمال، وإن كان ممكناً، إلَّا أنَّه خلاف الظَّاهر، ويحتاج إلى قرينة قويَّة مفقودة في المقام.

وأمَّا مَنْ ذهب إلى وجوب إضافة (ورحمة الله)، فقدِ استُدل له بصحيحتين:

الأُولى: صحيحة عليّ بن جعفر (قال: رأيتُ إخوتي موسى وإسحاق ومحمَّد، بني جعفر عليه السَّلام، يسلّمون في الصَّلاة عن اليمين والشِّمال: السَّلام عليكم ورحمة الله ، السَّلام عليكم ورحمة الله)([5] ).

وجه الاستدلال بها: هو فعل المعصوم عليه السَّلام، وهو الإمام الكاظم عليه السلام.

ولكن ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ فعل الإمام عليه السَّلام مجمل، لا يدل على الوجوب، والقدر المتيقّن منه هو الرجحان.

الثانية: صحيحة الفضلاء -سدير الصّيرفي ومحمّد بن نعمان الأحول وعمر بن أذينة- عن أبي عبد الله عليه السَّلام، في حديث المعراج، حيث ورد فيها (فقال لي: يا محمَّد! سلِّم، فقلت: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته)([6] ).

________

 

وبهذه الصَّحيحة قد يستدلّ لابن زهرة رحمه الله وغيره ممَّن ذهب إلى وجوب إضافة (وبركاته).

ولكن الجواب عنها كالجواب السَّابق، حيث إنَّ فِعْله (صلى الله عليه وآله) مجمل، لا يدلّ على الوجوب، وغايته الرجحان.

نعم، الأمر بالتسليم من جبرائيل عليه السَّلام يدلّ على الوجوب.

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص416، أبواب التسلیم، باب1، ح5، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص416، أبواب التسلیم، باب6، ح416، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص425، أبواب التسلیم، باب3، ح5، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص421، أبواب التسلیم، باب2، ح11، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص419، أبواب التسلیم، باب2، ح2، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص465، أبواب افعال، باب1، ح10، ط آل البيت.