الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/03/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التسليم في الصَّلاة(7)

 

وثالثاً: لو سلَّمنا الإطلاق إلَّا أنَّه لا بدّ من رفع اليد عنه بصحيحة الحلبي الظَّاهرة جدّاً ، أو الصَّريحة، بعدم كون (السَّلام عليك أيها النّبيّ...) مخرِجاً له (قال: قال أبو عبد الله عليه السَّلام: كلّ ما ذكرت الله -عزّ وجلّ- به، والنّبيّ (صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله)، فهو من الصَّلاة؛ وإن قلت: السَّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقد انصرفت)،(1)، وهي واضحة في أنَّ السَّلام على النّبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله من مصاديق ذكره، وليس من السَّلام المخرِج.

وممَّا يؤيِّد عدم كونه مخرِجاً: رواية أبي كهمس عن أبي عبد الله عليه السَّلام (قال: سألته عن الرِّكعتين الأوّلتين إذا جلست فيهما للتشهّد، فقلت -وأنا جالس-: السَّلام عليك أيّها النَّبيّ ورحمة الله وبركاته، انصراف هو؟ قال: لا، ولكن إذا قلت: السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين، فهو الانصراف)(2)، وهي صريحة في ذلك.

وإنَّما جعلناها مؤيِّدة لضعفها سنداً بعدم وثاقة أبي كهمس، وبجهالة عليّ بن يعقوب الهاشمي.

وورواها الشَّيخ الصَّدوق في الفقيه بإسناده إلى أبي كهمس، وإسناده إليه أيضاً ضعيف، لوجود الحكم بن مسكين في الطريق، وهو مهمل، وعبد الله بن عليّ الزرَّاد، وهو مجهول.

والخلاصة: أنَّ القول بحصول الخروج من الصَّلاة بـ (السَّلام عليك أيُّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته)، ضعيف جدّاً، لِضعف القول بوجوبه في الصَّلاة، وإن لم يحصل به الخروج.

وقد نسب القول بوجوبه إلى الجعفي في الفاخر، وصاحب الكنز العرفان، قال في كنز العرفان -في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}-: (استدلّ بعض شيوخنا على وجوب التسليم المخرج عن الصَّلاة بما تقريره: (شي‌ء من التسليم واجب)، و(لا شي‌ء منه في غير التشهُّد بواجب)، (فيكون وجوبه في الصَّلاة)، وهو المطلوب.

أمّا الصُّغرى: فلقوله {وَسَلِّمُوا}، الدّالّ على الوجوب؛ وأمّا الكبرى: فللإجماع.

وفيه: نظر، لجواز كونه بمعنى الانقياد كما تقدّم، سلّمنا، لكنّه سلام على النّبيّ (صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله) لسياق الكلام، وقضيّة العطف، وأنتم لا تقولون: إنّه المخرِج من الصَّلاة، بل المخرِج غيره).

ثمَّ قال: (استدلّ بعض شيوخنا المعاصرين على أنَّه يجب إضافة (السَّلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته) إلى التشهّد الأخير... -بالتقريب المتقدِّم-.

قيل عليه: إنّه خرق للإجماع، لنقل العلّامة الإجماع على استحبابه...

ويمكن الجواب عن الأوّل: بمنع الإجماع على عدم وجوبه، والإجماع المنقول على شرعيّته وراجحيّته، وهو أعمّ من الوجوب والندب...).

ثمَّ قال: (وبالجملة: الّذي يغلب على ظنّي الوجوب...)، واستدل ببعض الأخبار.

قال في الذكرى: (وصاحب الفاخر قال: أقلّ المجزي من عمل الصَّلاة في الفريضة تكبيرة الافتتاح، وقراءة الفاتحة في الركعتين، وثلاث تسبيحات، والرّكوع والسّجود، وتكبيرة واحدة بين السَّجدتين، والشَّهادة في الجلسة الأولى، وفي الأخيرة الشَّهادتان، والصَّلاة على النَّبي وآله، والتسليم، والسَّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته).

وعلَّق عليه الشَّهيد بقوله: (وكلامه هذا يشتمل على أشياء لا تعدّ من المذهب، منها التكبيرة الواحدة بين السَّجدتين، ومنها القصر على الشهادة في الجلسة الأولى، ومنها وجوب التسليم على النّبيّ.

وأمَّا البدل عن القراءة فيريد به مع الاضطرار، صرَّح بذلك في غير هذا الموضع).

إذن القول بالوجوب لا يعد من المذهب.

وقال في البيان: (إنَّه -أي القول بالوجوب- مسبوق بالإجماع، ملحوق به)، وفي كشف اللثام -بعد أن حكى القول بالوجوب عن البعض- قال: (لم يوافقه عليه أحد).

أقول: هناك شبه التسالم على عدم الوجوب، كما أنَّ القول بالوجوب محجوج بالرّوايات المصرِّحة بندبه.

وقد تقدَّمت جملة من النصوص دلَّت على عدم وجوب غير الشهادتين، والصَّلاة على النّبيّ وآله، والتسليم الذي يتوقف عليه الخروج من الصَّلاة المعلوم تحقّقه بحسب الروايات بدون التسليم على النّبيّ (صلى الله عليه وآله).

ثمَّ إنَّه قد يستدل للوجوب ببعض الروايات:

منها: موثقة أبي بصير المتقدمة المشتملة على التشهُّد الطويل، حيث ورد في ذيلها: (ثمَّ قل: السلام عليك أيها النّبيّ ورحمة الله وبركاته...)([1] )، وظاهر الأمر الوجوب.

هذا، وقد ذكر بعضهم أنَّ الأمر هنا ليس دالًّا على الوجوب، لكونه مسبوقاً وملحوقاً بأشياء كثيرة كلّها مندوبة.

وعليه، فإنَّ احتفاف الأمر بما قبله وما بعده بالأشياء المندوبة قد يضعف ظهوره في الوجوب.

ولكن الإنصاف: أنَّ هذا وحده لا يضرّ بظهوره في الوجوب، فالصَّحيح أن تحمل على الاستحباب للرّوايات الدّالّة على استحباب السَّلام على النّبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله.

ومنها: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السَّلام: (قال: إذا كنت إماماً فإنّما التسليم أن تسلّم على النّبيّ عليه وآله السَّلام، وتقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين، فإذا قلت: ذلك، فقدِ انقطعت الصَّلاة، ثمّ تُؤذِّن القوم، فتقول -وأنت مستقبل القبلة-: السَّلام عليكم...)([2] ).

وفيها أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بمحمد بن سنان.

وثانياً: أنَّ المراد من قوله عليه السَّلام: (فإنَّما التسليم)، أي: التسليم الكامل المشتمل على التسليم على النّبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله، إذ الواجب من التسليم هو الذي تحقّق به الخروج من الصَّلاة، والسَّلام على النّبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله لا يتحقّق به الخروج من الصَّلاة.

__________

 

ومنها: رواية أبي بكر الحضرمي (قال: قلتُ له: إنّي أُصلّي بقوم، فقال : سلّم واحدة، ولا تلتفت، قل: السَّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته، السَّلام عليكم)(1).

وفيها: مضافاً لضعفها بالإضمار-وأمَّا أبو بكر الحضرمي فهو ممدوح مدحا معتدا به- أنَّ المقصود بالأمر فيها هو السّلام عليكم، وذكر السّلام عليك أيّها النّبيّ بحسب الظاهر إنَّما كان توطئةً لبيان المراد من التسليم الواحد من غير التفات، والله العالم.

وأمَّا الخروج من الصَّلاة بصيغة السلام عليكم: فبإجماع الأمة، فإنهم لا يختلفون في ذلك، كما حكاه المحقّق في المعتبر، ولمعلوميّة الخروج به بين الأمّة كافّة، لما اعترف به المصنّف في الذّكرى، وادعى في الجواهر: (تواتر القول والفعل به...).

وقيل: يتعيَّن الخروج بالسلام عليكم، وهو قول أكثر القائلين بوجوب التسليم.

وبالجملة، إنَّ هناك تسالماً بين الأعلام قديماً وحديثاً على جواز الخروج من الصَّلاة بصيغة السَّلام عليكم، ولم ينقل الخلاف فيه عن أحد، سوى ما حكي عن جامع ابن سعيد ¬ من القول بتعيُّن (السَّلام علينا) للخروج.

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص293، أبواب التشهد، باب3، ح2، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص421، أبواب السلیم، باب2، ح8، ط آل البيت.