الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/03/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:

ومنها: حسنة معاوية بن عمَّار ©قال: قال أبو عبد الله ’ : إذا فرغت من طوافك فائتِ مقام إبراهيم عليه السلام، فصلِّ ركعتين، واجعله إماماً، واقرأ في الأُولى منهما سورة التوحيد (قل هو الله أحد)، وفي الثانية: (قل يا أيّها الكافرون)، ثمَّ تشهَّد، واحمد الله، وائتِ عليه، وصلِّ على النّبيّ (صلى الله عليه وآله) ، واسأله أن يتقبَّل منك®(2)، حيث لم يذكر فيها التسليم، فيدلّ على عدم وجوبه، وهي، وإن كان موردها ركعتي الطَّواف، إلَّا أنَّه يتمّم بعدم القول بالفصل.

وفيه: أنَّها ليست في مقام بيان جميع أجزاء الصَّلاة بدليل عدم ذكر الرّكوع والسُّجود، مع أنهما من الأركان، وإنّما هي في مقام بيان خصوصيَّة هذه الصَّلاة الواجبة خلف مقام إبراهيم عليه السلام، مع أنَّه يحتمل جدّاً أن يكون الوجه في عدم ذكره هو اندراج الصِّيغة الأُولى منه - السَّلام علينا ... - في التشهُّد المأمور به، كما أشرنا إليه سابقاً، وسيأتي أيضاً -إن شاء الله تعالى-.

ومنها: حسنة زرارة -في حديث زرارة - عن أحدهما • ©قال قلتُ له: من لم يدرِ في أربع هو، أم في ثنتين، وقد أحرز الثنتين؟ قال: يركع بركعتين، وأربع سجدات -وهو قائم- بفاتحة الكتاب، ويتشهَّد، ولا شيء عليه ...®(3).

وفيه أوَّلاً: يجاب عنها بما أجبنا عنه في الحسنة المتقدِّمة من اندراج الصِّيغة الأُولى من التسليم في التشهُّد المأمور به.

وثانياً: أنَّ الكليني رحمه الله رواها مرةً أخرى بنفس السَّند ©قال: قلتُ له : من لم يدرِ في اثنتين هو، أم في أربع؟ قال: يسلِّم، ويقوم فيصلّي ركعتين، ثمَّ يسلِّم ولا شيء عليه®(4)، وقد ذكر فيها التسليم بدل التشهُّد، وهذا يؤكِّد ما ذكرناه.

وثالثاً: أنَّها دالَّة على مذهب العامّة من البناء على الأكثر. ولكنّ الرِّواية الثانية للكليني توضِّحها وتقيِّدها بالرّكعتين المنفصلتين.

____________

(1) الوسائل باب3 من أبواب التسليم ح5.

(2) الوسائل باب71 من أبواب الطَّواف ح3.

(3و4) الوسائل باب3 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح3و4.

 

ومن جملة الأدلَّة التي استدلّ بها على عدم وجوب التسليم: هو أنَّه لو وجب التسليم لبطلت الصَّلاة بتخلّل المنافي بينه وبين التشهُّد واللازم، وهو -بطلان الصَّلاة- باطل، فالملزوم مثله، وهو -وجوب التسليم- مثله.

أمَّا الملازمة فإجماعيَّة، وأمَّا بطلان اللازم فلعدَّة روايات:

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر ’ ©قال: سأله عن الرَّجل يصلِّي، ثمَّ يجلس فيحدث قبل أن يسلِّم، قال: تمَّت صلاته، وإن كان مع إمام فوجد في بطنه أذًى فسلّم في نفسه وقام فقد تمَّت صلاته®(1).

ومنها: حسنة الحلبي عن أبي عبد الله ’ ©قال: إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصَّلاة إذا كان الالتفات فاحشاً، وإن كنت قد تشهدت فلا تعد®(2).

ومنها: موثَّقة غالب بن عثمان عن أبي عبد الله ’ ©قال: سألتُه عن الرَّجل يصلّي المكتوبة فينقض صلاته ويتشهّد، ثمَّ ينام قبل أن يسلم، قال: تمَّت صلاته، وإن كان رعافاً غسله، ثمَّ رجع فسلم®(3).

ومنها: صحيحة زرارة الواردة في التشهُّد عن أبي جعفر ’ ©في الرَّجل يحدث بعد أن يرفع رأسه لأنَّه في السجدة الأخيرة، وقبل أن يتشهد، قال: ينصرف فيتوضأ فإن شاء رجع إلى المسجد، وإن شاء ففي بيته، وإن شاء حيث شاء قعد فيتشهد، ثمَّ يسلّم وإن كان الحدث بعد الشّهادتين فقد مضت صلاته®(4).

ومنها: رواية الحسن بن الجهم ©قال: سألته -يعني: أبا الحسن ’- عن رجل صلّى الظّهر أو العصر، فأحدث حين جلس في الرّابعة، قال: إن كان قال: أشهد أن لا إله إلَّا الله وأشهد أن محمَّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا يعد، وإن كان لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد®(5)، وهي ضعيفة بعباد بن سليمان، فإنَّه غير موثّق، ووجوده في كامل الزيارات غير نافع، لعدم كونه من مشايخه المباشرين.

فيُستفاد من هذه الرّوايات عدم بطلان الصَّلاة بإيجاد المنافي قبل التسليم، كما أنَّها تدلّ على عدم جزئيّة التسليم، إذ لو كان جزءاً من الصَّلاة لكان ذلك موجباً للبطلان، كالإتيان بالمنافي قبل التشهُّد.

ويرد على هذا الاستدلال -مضافاً لموافقتها لأبي حنيفة في الخروج بالحدث، وعدم قدحه في الصَّلاة، ولكون الرّوايتين الأخيرتين ظاهرتين في ترك الصَّلاة على النّبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله، مع أنَّ وجوبها مسلم عند الخصم، ولكون صحيحة زرارة الثانية مشتملة على ما لا نقول به، وهو عدم قادحية الحدث الواقع قبل التشهُّد، ولكن ذيل صحيحة زرارة دالّ على وجوب التسليم-: أنَّ المراد بالتشهّد فيها ما يشمل الصّيغة الأولى المتعارف بين الخاصّة والعامّة فعلها في التشهُّد الأخير، وأنّها داخلة في اسم التشهُّد، أو توابعه، كتعارف اختصاص اسم التسليم بالثانية.

قال المصنّف رحمه الله في الذكرى، وكذا صاحب المدارك -ما حاصله- : ©المعروف بين الخاصّة والعامّة إرادة الصّيغة الثانية من التسليم، يعلم ذلك من تتبع الأحاديث والتصانيف، حيث يذكر فيها ألفاظ السَّلام المستحبّة، ثمَّ يقال: ويسلّم®.

قال صاحب الجواهر - بعد نقل ذلك عنهما- ©قلت: ويؤيِّده تصفّح النصوص وكتب الأساطين من قدماء الأصحاب المشرف للفقيه على القطع باندراج الصّيغة الأولى في التشهُّد، واختصاص اسم التسليم بالصّيغة الثانية، فينصرف حينئذٍ إطلاق هذه النصوص إلى ما تعارف فعله في التشهُّد الذي يطال فيه عادة ... ®.

__________

(1و2و3) الوسائل باب3 من أبواب التسليم ح2و4و6.

(1) الوسائل باب13 من أبواب التسليم ح1.