الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/03/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التسليم في الصَّلاة(4)

*ومثلها: موثَّقة عليّ بن أسباط، أو حسنته، عنهم (عليهم السّلام): (ويفتتح بالتكبير ويختم بالتسليم)([1] ).*

وهي واضحة جدًّا على كون التسليم جزءاً من الصَّلاة.

وإنَّما قلنا: موثَّقة، لأنَّ ابن أسباط كان فطحيّاً سابقاً لعبد الله الأفطح ابن الإمام الصَّادق عليه السلام.

والمعروف أنَّ عبد الله الأفطح عاش بعد أبيه ما يقرب من السَّبعين يوماً، وقد عدل أتباعه عنه إلى مذهب الحقّ، ومنهم عليّ بن أسباط، فلذا الأنسب كون الرِّواية حسنة.

ومنها: الرِّوايات الآمرة بالتسليم، وهي مستفيضة جدًّا، وقد وردت في سائر أبواب الصَّلاة، وهي دالَّة على الوجوب:

منها: صحيحة محمَّد بن النعمان الأحول، وسدير الصَّيرفي وعمر بن أذينة، وغيرهم، عن أبي عبد الله عليه السلام -في حديث طويل- (قال: إنَّ الله عرج نبيه (صلى الله عليه وآله) -إلى أن قال: - ثمَّ التفتُ، فإذا أنا بصفوف من الملائكة والنبيين والمرسلين، فقال لي: يا محمَّد! سلِّم، فقلتُ: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته)([2] )، والأمر ظاهر في الوجوب.

ومثلها في الدَّلالة على الوجوب: موثَّقة أبي بصير الطَّويلة المتقدِّمة، حيث ورد فيها (ثمَّ قل: السَّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته، السَّلام على أنبياء الله ورسله، السلام على جبرائيل وميكائيل والملائكة المقربين، السَّلام على محمَّد بن عبد الله خاتم النبيين، لا نبي بعده، والسَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين، ثمَّ تسلِّم)([3] ).

وكذا غيرها من الرِّوايات التي يستفاد منها الوجوب والجزئيَّة، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرَّجل يكون خلف الإمام، فيطيل الإمام التشهُّد، فقال: يسلِّم من خلفه، ويمضي في حاجته إن أحبَّ)([4] ).

وأمَّا من ذهب إلى الاستحباب فقدِ استدلّ لهم بعدَّة من الرِّوايات:

منها: صحيحة محمَّد بن مسلم المتقدِّمة (قال: قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام: التشهُّد في الصَّلوات، قال: مرتين، قال: قلتُ: كيف مرتين؟ قال: إذا استويتَ جالساً، فقل: أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّد عبده ورسوله، ثمَّ تنصرف...)([5] ).

وجه الاستدلال بها: أنَّه لو كان التسليم واجباً وجزءاً من الصَّلاة لأمر عليه السلام بذلك، ولم يقتصر على التشهُّد مع الانصراف.

ومثلها: صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (قال: سألته عن الرَّجل يكون خلف الإمام، فيطوِّل الإمام التشهُّد، فيأخذ الرَّجل البول، أو يتخوَّف على شيء يفوت، أو يعرض له وجع، كيف يصنع؟ قال: يتشهَّد هو، وينصرف، ويدع الإمام)([6] ).

وفيه أوَّلاً: أنَّ صحيحة عليّ بن جعفر قد رويت في الفقيه -والذي هو أضبط من التهذيب بكثير- هكذا: (يسلِّم، وينصرف)، بل رويت هكذا في موضع آخر من التهذيب.

 

وثانياً: أنَّ الصَّحيحتين خاليتان عن ذكر الصَّلاة النّبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله في التشهُّد، مع أنَّه لا بدّ من ذلك بالاتِّفاق.

وعليه، فكما تقيَّدان بالصَّلاة على النّبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله يصحّ تقييدهما أيضاً بالتسليم.

وثالثاً: أنَّ المراد بالانصراف التسليم، بقرينة صحيحة الحلبي (قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: كلّ ما ذكرت الله عزَّوجل به، والنّبي (صلى الله عليه وآله)، فهو من الصَّلاة، وإن قلت: السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين، فقد انصرفت)([7] ).

المؤيَّدة برواية أبي كهمس عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سألته عن الرّكعتين الأولتين إذا جلست فيهما للتشهُّد، فقلتُ -وأنا جالس-: السَّلام عليك أيها النّبيّ ورحمة الله وبركاته، انصراف هو؟ قال: لا، ولكن إذا قلت: السَّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فهو الانصراف)([8] )، وإنَّما جعلناها مؤيِّدة لضعفها بجهالة أبي كهمس وعليّ بن يعقوب الهاشمي.

ويؤيِّده أيضاً: رواية محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (قال: إذا انصرفتَ من الصَّلاة فانصرف عن يمينك)([9] ).

وإنَّما جعلناها مؤيِّدة أيضاً لأنَّ طريق الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله إلى محمَّد بن مسلم ضعيف بعليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله، وبأبيه، فإنَّهما مهملان.

وقد عبر السَّيد محسن الحكيم رحمه الله عن هذه الرِّواية بالصَّحيحة، وهو في غير محلِّه.

ومن جملة الرِّوايات التي استدلّ بها على استحباب التسليم صحيحة الفضلاء -الفضيل وزرارة ومحمَّد بن مسلم- عن أبي جعفر عليه السلام (قال: إذا فرغ من الشَّهادتين فقد مضت صلاته، فإن كان مستعجلاً في أمر يخاف أن يفوته فسلَّم، وانصرف، أجزأه)([10] ).

قال صاحب المدارك رحمه الله في تقريب الاستدلال بهذه الصَّحيحة: (والمراد بالإجزاء: الإجزاء في حصول الفضيلة والكمال، كما يقتضيه أوَّل الخبر).

وفيه أوَّلاً: أنَّ هذه الصَّحيحة خالية عن ذكر الصَّلاة على النّبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله.

وثانياً: أنَّها دالَّة على وجوب التسليم، لأنَّ قوله عليه السلام: (فإن كان مستعجلاً) ظاهر في وجوب التسليم، حتَّى في مقام الضَّرورة والاستعجال.

وعليه، فيُحمل قوله عليه السلام: (فقد مضت صلاته)، على مضي معظمها، لا مضي جميعها حقيقةً، بقرينة تَرْك الصَّلاة على النّبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله فيها.

بل يمكن أن تُجعل هذه الصَّحيحة قرينة أيضاً على أنَّ المراد بالانصراف في صحيحتي محمَّد بن مسلم وعليّ بن جعفر المتقدمتَيْن، هو التسليم، إذِ الظَّاهر أنَّ عطف الانصراف على السَّلام في هذه الصَّحيحة من باب عطف التفسير، فإنَّه لم يقصد من قوله عليه السلام: (فسلم وانصرف أجزأه) إرادة فعل آخر من الانصراف وراء التسليم، فيظهر من ذلك أنَّ الانصراف هو التسليم، والله العالم.

____________

 

ومنها: موثّقة يونس بن يعقوب (قال: قلتُ لأبي الحسن عليه السلام: صلّيتُ بقوم صلاةً فقعدتُّ للتشهّد، ثمّ قمت، ونسيت أن أُسلّم عليهم، فقالوا: ما سلّمت علينا؟ فقال: ألم تسلّم -وأنت جالس-؟ قلتُ : بلى، قال: فلا بأس عليك، ولو نسيتَ -حين قالوا لك- ذلك استقبلتهم بوجهك، وقلتَ: السَّلام عليكم).

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص415، أبواب التسلیم، باب1، ح2، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص465، أبواب افعال الصلاه، باب1، ح10، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص293، أبواب التشهد، باب4، ح2، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص416، أبواب التسلیم، باب1، ح6، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص416، أبواب التسلیم، باب1، ح4، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص413، أبواب الجماعه، باب64، ح2، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص426، أبواب التسلیم، باب4، ح1، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص426، أبواب التسلیم، باب4، ح2، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص422، أبواب التسلیم، باب2، ح13، ط آل البيت.
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص416، أبواب التسلیم، باب1، ح5، ط آل البيت.