الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/01/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: السُّجود في الصَّلاة(12)

 

قوله: (والتكبير للرَّفع من الأُولى، معتدلاً، ثمَّ للهوي إلى الثانية، ثمَّ للرّفع منها معتدلاً)

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى: (ومنها استحباب التكبير للرَّفع من السَّجدة الأُولى قاعداً معتدلاً، ثمَّ التكبير للسَّجدة الثانية معتدلاً أيضاً، ثمَّ التكبير لها بعد رفعه، واعتداله له، لما سبق في خبر حمّاد).

أقول: لا يوجد في صحيحة حمَّاد التكبير لها بعد رفعه من السَّجدة الثانية معتدل.

قال فيها: (ثمَّ رفع رأسه من السُّجود، فلمَّا استوى جالساً قال: الله أكبر، ثمَّ قعد على جانبه الأيسر، ووضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى، وقال: أستغفر الله ربي وأتوب إليه، ثمَّ كبَّر وهو جالس، وسجد الثانية، وقال: كما قال: في الأُولى)(8).

وأمَّا التكبير بعد الرَّفع من الثانية فقد يستدلّ له بروايتَيْن:

الأُولى: رواية الاحتجاج والغيبة للشّيخ (قال عليه السلام: فإنّه رُوي: إذا رفع رأسه من السّجدة الثانية، وكبّر، ثمّ جلس، ثمّ قام... )[1]

وفيها أوَّلاً: أنَّها ضعيفة في الاحتجاج بالإرسال، وفي كتاب الغيبة بجهالة أحمد بن إبراهيم النوبختي.

وثانياًَ: أنَّها ظاهرة في كون محلّ التكبير حال الرّفع قبل الجلوس، وهو خلاف ما التزم به الأعلام.

الثانية: مرسلة السَّيد رحمه الله في محكي المصباح، من أنّه قال: (رُوي: أنَّه إذا كبَّر للدّخول في فعل من أفعال الصَّلاة ابتدأ بالتكبير حال ابتدائه، وللخروج بعد الانفصال عنه)(2).

وفيها أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بالإرسال.

وثانياً: ظاهر قوله عليه السلام: (وللخروج بعد الانفصال عنه)، هو أنَّ محلّه حال السُّجود، لا الجلوس، وهو خلاف فتوى الأعلام.

كما أنَّ المراد بقوله: (ابتدأ بالتكبير حال ابتدائه) هو الابتداء به حال الأخذ في الهوي، وهو يعارض ما ذكره سابقاً من أنَّه يستحبّ أن يكبِّر قائماً.

والخلاصة: أنَّه إذا أراد أن يأتي بالتكبير بعد الرّفع من السّجدة الثانية فيأتي به بعنوان الذِّكر المطلق، أو بعنون الورود رجاءً، لا جزماً.

قوله: (ولو فعله في الهوي والارتفاع كان أدون فضلاً)

كما ذكرناه سابقاً عند قوله: (وسننه التكبير له، قائماً رافعًا يديه)، فراجع.

 

قوله: (والتورُّك بين السجدتين)

قال المصنِّف رحمه الله في الذّكرى: (ومنها التورُّك بين السّجدتين، بأنْ يجلس على وُرْكه الأيسر، ويُخْرج رجلَيْه جميعاً من تحته، ويجعل رجله اليسرى على الأرض، وظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى، ويفضي بمقعدته إلى الأرض، كما في خبر حمَّاد، وروى ابن مسعود: التورُّك عن النّبيِّ (صلى الله عليه وآله)...).

أقول: ادَّعى جماعة من الأعلام استحباب التورُّك بين السّجدتين، منهم العلّامة رحمه الله في التذكرة.

كما أنَّ تفسيره بالمعنى الذي ذكره المصنّف رحمه الله في الذّكرى هو المشهور بينهم، وإن كان هناك بعض التفسيرات له شبيهة بما ذكره المصنّف رحمه الله.

ولكن بما أنَّه لم يرد في النصوص اسم التورُّك فالأمر حينئذٍ سهل، إذ العبرة حينئذٍ بالكيفيَّة الواردة في الرّوايات الدَّالة عليه، وهي روايتان:

الأُولى: صحيحة حماد بن عيسى المشهورة ( قال: ثمَّ قعد على فخذه الأيسر، قد وضع قدمه الأيمن على باطن قدمه الأيسر...)[2]

الثانية: صحيحة زرارة، حيث ورد فيها: (فإذا قعدت في تشهُّدك فالصق ركبتيك بالأرض، وفرِّج بينهما شيئاً، وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض، وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى، وإليتيك على الأرض، فيكون إنَّما قعد بعضك على بعض، فلا تصبر للتشهّد والدُّعاء)[3]

وهذه الصِّفة، وإن كانت ورادةً في التشهُّد، إلَّا أنَّ الأعلام ذكروا استحباب التورُّك في سائر جلوس الصَّلاة من غير فرق بين التشهُّد، وجِلسة الاستراحة، وما بين السّجدتين.

ويؤيِّد استحبابه في سائر جلوس الصَّلاة: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قال إذا جلستَ في الصَّلاة فلا تجلس على يمينك، واجلس على يسارك...)[4]

وهي ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة.

_____________

(2) نقلها المحقق رحمه الله في المعتبر عنه.

 

والخلاصة: أنَّ ما ذكره المشهور من الأعلام، ومنهم المصنّف رحمه الله في الذّكرى، من معنى التورُّك، مطابق لما في الصّحيحتين.

وأمَّا ما في صحيحة أبي بصير (قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا قمتَ إلى الصَّلاة فاعلم أنَّك بين يدي الله، فإن كنت لا تراه فاعلم أنَّه يراك، فأقبل قبل صلاتك، ولا تمتخط ولا تبزق، ولا تنقض أصابعك، ولا تورك، فإنَّ قوماً قد عُذّبوا بنقض الأصابع، والتورُّك في الصّلاة ...)(1).

فالمراد بالتورُّك المنهي عنه فيها على ما فسَّره جماعة من الأعلام هو أن يضع يديه على وركيه في الصَّلاة وهو قائم، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- وهو غير التورُّك المستحبّ.

ثمَّ لا يخفى عليك أن استحباب التورُّك في جلوس الصَّلاة إنَّما هو للرجل؛ وأمَّا المرأة فتجلس على إليتيها، رافعةً لركبتيها عن الأرض، كما في صحيحة زرارة بطريق الكافي (قال إذا قامت المرأة في الصَّلاة - إلى أن قال: - فإذا جلستَ فعلى إليتيها، ليس كما يقعد الرَّجل، وإذا سقطتَ للسّجود بدأت بالقعود، وبالركبتين قبل اليدين، ثمَّ تسجد لاطئة بالأرض، فإذا كانت في جلوسها ضمَّت فخذيها، ورفعت ركبتيها من الأرض...)(2).

وهذه الرِّواية، وإن كانت موقوفةً على زرارة، إلَّا أنّ الأصحاب تعاملوا معها معاملة الرّواية عن المعصوم عليه السلام ، وهو الصّحيح.

قال المصنّف رحمه الله في الذكرى: (وفي التهذيب: فعلى إليتيها كما يقعد الرَّجل، بحذف لفظة ليس، وهو سهو من الناسخين، لأنَّ الرّواية منقولة من الكافي للكليني، ولفظة ليس، موجودة فيه، وسرى هذا السّهو في التصانيف، كالنهاية للشّيخ، وغيرها، وهو مع كونه لا يطابق المنقول في الكليني لا يطابق المعنى، إذ جلوس المرأة ليس كجلوس الرَّجل لأنَّها في جلوسها تضمّ فخذيها، وترفع ركبتيها من الأرض، بخلاف الرَّجل فإنَّه يتورَّك...)، وما ذكره المصنّف رحمه الله في غاية الصحّة والمتانة.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص362، أبواب السجود، باب13، ح8، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص461، أبواب افعال الصلاه، باب1، ح3، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص462، أبواب افعال الصلاه، باب1، ح4، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص346، أبواب السجود، باب5، ح4، ط آل البيت.