الموضوع: السُّجود في الصَّلاة(7)

 

ثمَّ إنَّه إذا تعذر السُّجود على الذقن فالمعروف بين الأعلام أنَّه يجب عليه الإيماء، وعن بعض الأعلام، منهم المحقّق الهمداني والسّيد محسن الحكيمرحمه الله، أنّ الأقوى عند تعذّر السُّجود على الذّقن هو السُّجود على الأنف أو الحاجبين أو أيّ جُزء آخر من وجهه لدى التمكّن، وذلك لقاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور.

وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة من عدم ثبوت هذه القاعدة كبرويًّا لضعف الرّوايات فيها، فالأقوى حينئذٍ: هو الإيماء، كما أشرنا إليه في بعض الأبحاث المتقدّمة، والله العالم.

 

قوله: (ولا يجزئ ملاقاة الأعضاء منبطحاً، إلّا مع التعذُّر)

المعروف بين الأعلام أنّه إذا وضع الأعضاء السّبعة على الأرض منبطحاً لم يجز، إلّا إذا كان ذلك لضرورة.

وعلَّله جماعة من الأعلام بأنّ ذلك لا يسمّى سجوداً، وإنّما يسمّى انبطاحاً ونوماً.

نعم، إذا ألصق صدره وبطنه بالأرض، مع كونه على هيئة السّاجد، ووضع باقي المساجد على الكيفيّة المعتبرة، فيصدق عليه حينئذٍ أنّه ساجد، لِما عرفت سابقاً من عدم اشتراط استقلال المساجد في الاعتماد.

وأمّا لو كانت ملاصقة الصّدر والبطن للأرض بمجرد المماسّة من دون الاعتماد عليهما، بل كان الاعتماد فقط على الأعضاء السّبعة، فلا إشكال أصلاً، لِصدق كونه ساجداً عرفاً.

وممَّا يؤيِّد ذلك: ما سيأتي إن شاء الله تعالى في كيفية سجود سجدتي الشّكر، والله العالم.

 

قوله: (ويجب وضع الجبهة على ما يصحّ السّجود عليه)

ذكرنا هذه المسألة بالتفصيل في أوَّل درس الثالث والثلاثين، عند قول المصنف رحمه الله : (لا يجوز السّجود بالجبهة إلّا على الأرض، أو ما أنبت منها، ممَّا لا يُؤكل ولا يُلبس... )، فراجع(2).

_____________

(1) الوسائل باب46 من أبواب الوضوء ح3.

(2) مسالك الدروس إلى مدارك الدروس: ج3، ص5.

 

قوله: (والذّكر فيه، والأقرب: تعيين سبحان ربي الأعلى وبحمده، أو سبحان الله ثلاثاً، وتجزئ الصّغرى للضّرورة)

تقدَّم البحث في هذه المسألة في الرّكوع خلافاً واستدلالاً ومختاراً، باعتبار أنّ ملاك البحث مشترك بينهما بكامله.

نعم، يبدّل العظيم بالأعلى في التسبيحة الكبرى، فراجع.

 

قوله: (ويجب الطّمأنينة بقدره، ولو لم يعلمه؛ والاعتدال في الرّفع منه مطمئناً، وحكم الشَّيخ بركنيّة الطّمأنينة منهما وبينهما)

تقدّم الكلام أيضاً في الرّكوع حول وجوب الطّمأنينة بقدر الذّكر، وحُكْم القول بركنيّتها، فإنّ المسألة من باب واحد، فراجع ما ذكرناه من الأدلّة عند كلام المصنف رحمه الله: (وتجب الطّمأنينة فيه وإن لم يحسن الذّكر، وفي ركنيّتها قولان...).

ثمَّ إنَّه قدِ استُدل هنا في مبحث السُّجود لوجوب الطّمأنينة بقدره ببعض الرّوايات:

منها: صحيحة عليّ بن يقطين عن أبي الحسن الأوَّل عليه السلام (قال: سألتُه عن الرّكوع والسّجود، كم يجزي فيه من التسبيح؟ فقال: ثلاثة، وتجزيك واحدةً إذا أمكنتَ جبهتَك من الأرض)[1] .

ومنها: رواية محمَّد بن موسى الهمداني (الهذلي) عن عليّ بن الحسين عليه السلام (أتى الثقفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسأل عن الصَّلاة، فقال: إذا قمتَ إلى الصَّلاة فأقبلْ إلى الله بوجهك يُقْبِل عليك، فإذا ركعت فانشر أصابعك على ركبتيك، وارفع صلبك، فإذا سجدت فمكِّن جبهتك من الأرض، ولا تنقره كنقرة الدِّيك)[2] ، وهي ضعيفة بجهالة الهمداني (الهذلي).

ويرد عليهما: أنَّه لا ملازمة بين تمكين الجبهة من الأرض الذي هو الاعتماد عليها، وبين الطّمأنينة المفسَّرة بسكون سائر الأعضاء، لا خصوص الجبهة.

ثمَّ لو سلّمنا الملازمة إلَّا أنّهما تدلّان على الطّمأنينة في خصوص الجبهة، ولا تدلّان على لزوم اطمئنان المصلّي الذي هو محلّ الكلام.

وأمَّا الاعتدال في الرّفع منه مطمئناً فيظهر حكمه أيضاً ممّا ذكرناه هناك في الرُّكوع عند قول المصنف رحمه الله: (ويجب رفع الرّأس منه معتدلاً مطمئناً فيه ...)، فراجع.

وبالجملة، فإنّ رفع الرّأس من السّجدة الأُولى حتى يعتدل مطمئناً أمر متسالم عليه بين جميع الأعلام قديماً وحديثاً؛ قال الشَّيخ رحمه الله في الخلاف: (رَفْع الرأس من السُّجود ركن، والاعتدال جالساً مثل ذلك، لا تتمّ الصَّلاة إلّا بهما، وبه قال الشّافعي: وقال أبو حنيفة: القدر الذي يجب أن يرفع ما يقع عليه اسم الرّفع، ولو رفع بمقدار ما يدخل السّيف بين وجهه وبين الأرض أجزأه، وربّما قالوا: الرّفع لا يجب أصلاً، فلو سجد، ولم يرفع حتَّى حفر تحت جبهته حفيرةً، فحطّ جبهته إليها، أجزأه، دليلنا إجماع الفرقة)؛ ويظهر من هذا الكلام أنّ المدار عندهم على صدق اسم تعدّد السُّجود، فلا عبرة برفع الرّأس منه من حيث هو.

وأمَّا عند علمائنا الأعلام فيظهر منهم أنّ المعتبر هو رفع الرأس حتَّى يعتدل مطمئناً، لا لتوقّف تعدّد السّجود عليه، بل من حيث هو.

ثمَّ إنَّه لا حاجة لإعادة الرّوايات التي ذكرناها هناك فهي نفسها استُدلّ بها المقام.

_____________

 

نعم، لم نذكر هناك رواية إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام، حيث ورد فيها (فقال له: اسجد -يا محمَّد!- لربّك، فخر رسول الله ساجداً، فقال: قل: سبحان ربي الأعلى وبحمده، ففعل ذلك ثلاثاً، فقال له: استوِ جالساً -يا محمَّد!- ففعل...)(1)، ولكنَّه ضعيف بمحمَّد بن عليّ الكوفي.

وأمَّا محمَّد بن عليّ ماجيلويه فهو من المعاريف، كما أنّ عمّه محمَّد بن أبي القاسم ثقة.

 

قوله: (فـــــروع: لو انحنى لا للسّجود لم يجزئ، وعليه العود؛ ولو وضع الجبهة والأعضاء بقصد غير السّجود احتمل البطلان؛ نعم، لو صار ساجداً بغير قصد السّجود، ولا ضده، فالأقرب: الإجزاء؛ وأَوْلى منه ما إذا قصد السُّجود فسقط على مساجده اتفاقاً)

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى (يجب الهوي للسّجود، فلو هوى لأخذ شيء، أو قَتْل حيَّة، أو عقرب، لم يجز، إلَّا أن يعود إلى القيام والهوي؛ ولو صار بصورة السّاجد والحالة هذه احتمل البطلان، لزيادة صورة السّجود، ولو قصد السّجود فسقط بغير اختياره فالأقرب: الإجزاء، عملاً بالقصد السّابق، ولا يجب تحديد النيّة لكلّ فعل...).

أقول: ذكرنا هذه المسألة بالتفصيل في مبحث الرُّكوع عند قول المصنف رحمه الله: (ويجب أن يقصد بهويه الرُّكوع، فلو هوى بقصد غيره لم يعتدّ به، ووجب الانتصاب، ثمَّ الرُّكوع...).

وذكرنا أيضاً رأي صاحب الجواهر والعلَّامة الطّباطبائي (رحمهما الله) في الرُّكوع والسّجود، حيث جعلا الهوي مقدمةً خارجيَّةً لتحصيل الرُّكوع، كهوي السُّجود؛ قال صاحب الجواهر رحمه الله: (وعليه، لو هوى غافلاً، لا بقصد ركوع، أو غيره، أو بقصد غيره، من قتل حية، أو عقرب، ثمَّ بدا له الرُّكوع، أو السُّجود، صح؛ ولقد أجاد العلَّامة الطباطبائي بقوله:

ولو هوى لغيره ثمَّ نوى      صحّ كذا السُّجود بعدما هوى

إذ الهوي فيهما مقدمة      خارجيَّة لغيرها ملتزمة

بل لا يبعد الاجتزاء بالاستدامة بعد تجدّد قصد الرُّكوع...).

وقلنا هناك: إنَّ الإنصاف : أنَّ الهوي، وإن كان مقدمةً، إلَّا أنَّ إيجاد مجموعه لا بنيَّة الرُّكوع يوجب عدم تحقّق الرُّكوع المأمور به لأجل الصّلاة...، وهكذا نقول هنا أيضاً طابق النعل بالنعل، لأنَّ ملاك البحث فيهما واحد، والله العالم.

 


[1] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج6، ص300، أبواب الركوع، باب12، شماره 8020، ح3، ط آل البیت.
[2] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج5، ص473، أبواب أفعال الصلاة، باب12، شماره 7094، ح18، ط آل البیت.