الموضوع: الركوع في الصَّلاة(1)

قوله: ((الدرس43)

وسادسها: السُّجود)

السُّجود لغةً: الخضوع والانحناء، وقد يطلق على أكثر من معنى مجازاً؛ قال في مجمع البحرين: (قد تكرّر في الحديث ذكر السُّجود، وهو في اللغة: الميل والخضوع والتطامن والإذلال، وكلّ شيء ذلّ فقد سجد، ومنه سجد البعير إذا خفض رأسه عند ركوعه، وسجد الرَّجل: وضع بجهته على الأرض).

ولا يخفى عليك أنَّه يصدق عرفاً السُّجود ولو بوضع الوجه، أو جُزء منه، ولا يشترط خصوص الجبهة.

وأمَّا شرعاً: فقد عرفه بعض الأعلام بأنّه وضع الجبهة على الأرض، أو ما أنبتت، ممّا لا يؤكل ولا يلبس.

ويرد عليه: عدم ثبوت الحقيقة الشّرعية فيه، بل أطلق في لسان الشّرع على ما هو عليه من المعنى اللغوي، مع مراعاة بعض الخصوصيّات، كما ستعرف إن شاء الله.

وقد ذكرنا سابقاً، في مبحث ما يسجد عليه، أنَّ السُّجود يتحقّق وإن كان على ما لا يصحّ السُّجود عليه، فلا يشترط في مفهومه أنَّ يكون على ما يصحّ السُّجود عليه من الأرض، ونحوها.

ومن هنا لو انحنى حتَّى يضع وجهه على الأرض، أو وضع جبهته على طنفسة ونحوها، فلا ريب حينئذٍ في صدق اسم السّاجد عليه في عرف المشترّعة، فضلاً عن غيرهم.

نعم، بيَّنا سابقاً أنَّ ما يصحّ السُّجود عليه واجب في السُّجود، كالذِّكر والطُّمأنينة، ولا ربط له بماهية السُّجود، خلافاً لجماعة من الأعلام، حيث اشترطوا في مفهومه أن يكون على ما يصحّ السُّجود عليه.

ثمَّ إنَّه لا يخفى عليك أيضاً أنَّه لا يشترط في مفهومه وضع سائر المساجد من اليدين والرّكبتين وإبهامي الرّجلين، وإن كانت هذه الأمور معتبرةً شرعاً، إلَّا أنَّه لا من باب دخولها في مفهومه.

ويترتّب على ذلك أنَّ المدار في زيادة السُّجود ونقيصته على وضع الجبهة وعدمه ، ولا عبرة بسائر المساجد، فلو ترك وضع الجبهة في السّجدتين بطلت صلاته وإن كان واضعاً لسائر المساجد، كما أنَّه لو وضع جبهته مرّتين بطلت من حيث الزيادة وإن لم يضع سائر المساجد، والله العالم.

ثمَّ إنَّ السُّجود يحرم لغير الله تعالى للرّوايات المستفيضة جدًّا الدَّالة على ذلك، ولعلّ الحكمة في ذلك أنَّ السّجود غاية الخضوع فيختصّ بمَنْ هو غاية الكبرياء والعظمة.

ومن جملة الرّوايات الواردة في المقام رواية عبد الرّحمان بن كثير المرويَّة في بصائر الدَّرجات عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً قاعداً في أصحابه، إذ مرّ به بعير، فجاء حتَّى ضرب بجِرانه الأرض ورَغَا، فقال رجل: يا رسول الله ! أسجد لك هذا البعير فنحن أحق أنَّ نفعل ؟ قال: فقال: لا، بل اسجدوا لله، ثمَّ قال: لو أمرت أحداً أنَّ يسجد لأحد لأمرت المرأة أنَّ تسجد لزوجها...)[1] ، وهي ضعيفة بعبد الرّحمان بن كثير الذي هو الهاشمي، كما أنَّها ضعيفة بعليّ بن حسان.

والظاهر أنَّه الهاشمي أيضاً وهو ضعيف جدًّا، وليس هو الواسطي، كما لا يخفى.

وفي الوسائل: أنَّه رواه سعد بن عبد الله في بصائر الدّرجات مثله، إلى قوله: (فقال: لا، بل اسجدوا لله، إنّ هذا الجمل يشكو أربابه)؛ ثمَّ ذكر قصة الجمل، ثمَّ قال: (وذكر أبو بصير أنَّ عمرَ قال: أنت تقول ذلك ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو أمرت... )[2] ، وهو ضعيف أيضاً بعبد الرّحمان بن كثير وبعليّ بن حسان المتقدّمين.

أقول: ذيل الحديث ورد في رواية صحيحة، بطريق الكليني رحمه الله وطريق الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله، وهي صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: إنَّ قوماً أتَوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله ! إنَّا رأينا أُناساً يسجد بعضهم لبعض، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)[3] .


[1] وسائل الشیعه، شیخ حر عاملی، ج6، ص385، أبواب السجود، باب27، شماره8250، ح1، ط آل البیت.
[2] وسائل الشیعه، شیخ حر عاملی، ج6، ص385، أبواب السجود، باب27، شماره8251، ح2، ط آل البیت.
[3] وسائل الشیعه، شیخ حر عاملی، ج20، ص162، أبواب السجود، باب81، شماره25313، ح1، ط آل البیت.