الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
38/12/15
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : الركوع في الصَّلاة(12)
الأمر الخامس : المعروف بين الأعلام كفاية التسبيحة الصّغرى مرةً واحدةً في حال الاضطرار ، بل في المنتهى : (اتّفق الموجبون للتسبيح من علمائنا على أنَّ الواجب من ذلك تسبيحة واحدة كبرى ، صورتها سبحان ربي العظيم ، أو ثلاث صغريات مع الاختيار ؛ ومع الضّرورة تجزي الواحدة) .
أقول : يدلّ عليه - مضافاً للتسالم بين الأعلام - : صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام (قلتُ له : أدنى ما يجزي المريض من التسبيح في الرُّكوع والسّجود ؟ قال : تسبيحة واحدة )[1]
________________
ويظهر من هذه الصّحيحة أنّ المراد من التسبيحة هي الصّغرى ، كما يناسبها المرض ، ولا أقلّ من صدق التسبيحة الواحدة عليها .
ويدلّ عليه أيضاً : مرسلة الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في الهداية عن الصَّادق عليه السلام - حيث ورد فيها - (فإن قلت : سبحان الله ! سبحان الله ! سبحان الله ! أجزأك ؛ وتسبيحة واحدة تجزي للمعتلّ والمريض والمستعجل)[2] ، ولولا ضعفها بالإرسال لكانت من أقوى الأدلّة ، والله العالم .
قوله : (ويستحبّ تثليثه وتخميسه وتسبيعه ، ولم يتعدّه أكثر الأصحاب ؛ وفي رواية أبان عن الصَّادق عليه السلام ثلاثون مرة؛ وفي رواية حمزة أربع أو ثلاث وثلاثون)
قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (ثمَّ يسبح ثلاثاً كبريات أو خمساً أو سبعاً ، وظاهر الشَّيخ وابن الجنيد ، وكثير ، أنَّه نهاية الكمال ... ) .
أقول : قد يستفاد ذلك من رواية هشام بن سالم المتقدّمة (قال سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن التسبيح في الرُّكوع والسّجود ، فقال : تقول في الرُّكوع : سبحان ربي العظيم ، وفي السُّجود : سبحان ربي الأعلى ، الفريضة من ذلك تسبيحة ، والسّنة ثلاث ، والفضل في سبع)[3] ، ولكنّها ضعيفة ، كما عرفت بعدم وثاقة القاسم بن عروة .
وأمَّا رواية أبان بن تغلب ، التي أشار إليها المصنِّف رحمه الله ، فهي صحيحة (قال : دخلتُ على أبي عبد الله عليه السلام - وهو يصلّي - فعددت له في الرُّكوع والسّجود ستين تسبيحةً)[4] ، فيكون ثلاثون تسبيحة للرّكوع ، ومثلها للسّجود .
وأمّا رواية حمزة بن حمران والحسن بن زياد فقد تقدّمت [5] ، وقد عرفت أنَّها ضعيفة بعدم وثاقة حمزة بن حمران وجهالة الحسن بن زياد .
والإنصاف : هو العمل على طبق صحيحة أبان .
وأمَّا قول المصنّف : (ويستحب له التخميس) , فلا يوجد فيه نصّ بالخصوص .
قوله : (وهو حسن للمنفرد مع إقبال القلب ، والإمام إن رضي المأمومون وانحصروا ، وإلّا فلا يتجاوز الثلاث)
قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى (قال في المعتبر : الوجه استحباب ما لا يحصل معه السَّأم , إلَّا أنْ يكون إماماً ، وهو حسن ، ولو علم من المأمومين حبّ الإطالة استحبّ له أيضاً التكرار) .
وفي موثقة سماعة ( قال : سألتُه عن الرُّكوع والسّجود هل نزل في القرآن ؟ قال : نعم - إلى أنْ قال : - ومن كان يقوى على أنَّ يطوِّل الرُّكوع والسّجود فَلْيطول ما استطاع , يكون ذلك في تسبيح الله وتحميده وتمجيده والدُّعاء والتضرّع ، فإنَّ أقرب ما يكون العبد إلى ربّه وهو ساجد ، فأمّا الإمام فإنَّه إذا قام بالنّاس فلا ينبغي أنْ يطوِّل بهم ، فإنّ في النّاس الضّعيف ومَنْ له الحاجة ، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا صلّى بالنّاس خفّ بهم )[6] ، ومضمرات سماعة مقبولة .
وأمَّا تقييد المصنّف رحمه الله استحباب الزّيادة بإقبال القلب فهو واضح من جهة مطلوبيّة الإقبال في العبادة .
وأمّا تقييده ذلك للإمام بما إذا رضي المأمومون فيشير إليه موثّقة سماعة المتقدّمة .
قوله : (ويُكره النقص عنها مطلقاً ، إلّا لضرورة)
يستفاد ذلك من رواية أبي بكر الحضرمي المتقدّمة (قال : قال أبو جعفر عليه السلام : تدري أيّ شيء حد الرّكوع والسّجود ؟ فقلت : لا ، قال : سبّح في الرّكوع ثلاث مرات : سبحان ربي العظيم وبحمده ، وفي السّجود : سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاث مرات ، فمن نقّص واحدةً نقص ثُلُث صلاته ، ومن نقص ثنيتن نقص ثُلُثي صلاته ، ومن لم يسبّح فلا صلاة له[7] ) ، ولكنّها ضعيفة بعدم وثاقة عثمان بن عبد الملك .
_____________
قوله : (وفي صحيح الهشامين يجزئ الذِّكر المطلق)
ذكرنا هاتين الصّحيحتين في الأمر الأوّل من الأمور الخمسة المتقدّمة ، وبيّنا ما هو الصّحيح في المقام ، فراجع .
قوله : (ويستحبّ الدّعاء أمامه)
كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (قال : إذا أردت أنْ تركع فقل وأنت منتصب : الله أكبر ، ثمَّ اركع ، وقل : اللهمّ لك ركعت , ولك أسلمت ، وعليك توكلت , وأنت ربي ، خشع لك قلبي وسمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعصبي وعظامي وما أقلته قدماي , غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر , سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاث مرات في ترسُّل ... ) ، وكذا غيرها .
قوله : (وإيتاره)
أي ختم الذِّكر على وِتْر ، كما يستفاد ذلك من الرّوايات الدَّالة على استحباب ثلاث تسبيحات كبار ، وكذا رواية هشام الدَّالة على استحباب الثلاث والسبع ، قال المصنِّف رحمه الله في الذّكرى : (الظّاهر استحباب الوتر لظاهر الأحاديث ، وعدّ السّتين لا ينافي الزِّيادة عليه) ، وهو جيد .