الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/12/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الركوع في الصَّلاة(20)

استكمالاً لقول الشّهيد رحمه الله في الدروس (وسادسها: السُّجود)

وأمَّا سجود الملائكة لآدم, وكذا سجود يعقوب وولده ليوسف، فقد فسَّرته الرِّوايات بوجه لطيف، وإن كانت الرِّوايات ضعيفة السَّند :

فمنها: ما في الاحتجاج عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديث طويل - (إنَّ زنديقاً قال له : أيصلح السُّجود لغير الله ؟ قال : لا، قال : فكيف أمر الله الملائكة بالسجود ولآدم ؟! فقال : إنَّ مَنْ سجد بأمر الله فقد سجد لله، فكان سجوده لله إذا كان عن أمر الله)(2)، ولكنّها ضعيفة بالإرسال.

ومنها : ما رواه الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان، في قوله تعالى : {وخروا له سجدا}، قال : (قيل : إن السُّجود كان لله شكراً له، كما يفعل الصَّالحون عند تجدّد النعم، والهاء في قوله : (له) عائدة إلى الله، أي اسجدوا لله على هذه النعمة، وتوجّهوا في السُّجود إليه، كما يقال : نصلّي للقبلة، ويراد به استقبالها، وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام)(3)، لكنّ الرِّواية ضعيفة بالإرسال.

ومنها : ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن محمَّد بن عيسى عن يحيى بن أكثم (أنَّ موسى بن محمَّد سُئل عن مسائل فعرضت على أبي الحسن عليّ بن محمَّد عليه السلام فكان أحدها أنَّ قال له: أخبرني عن يعقوب وولده أسجدوا ليوسف وهم أنبياء، فأجاب أبو الحسن عليه السلام : أمَّا سجود يعقوب وولده فإنَّه لم يكن ليوسف، إنَّما كان ذلك منهم طاعةً لله وتحيةً ليوسف، كما كان السُّجود من الملائكة لآدم ولم يكن لآدم، إنّما كان ذلك منهم طاعة لله وتحية لآدم، فسجد يعقوب وولده ويوسف معهم شكراً لله لاجتماع شملهم، ألَا ترى أنَّه يقول في شكره في ذلك الوقت: ربّ قد آتيتني من الملك...)(4)، وهي ضعيفة جدًّا بيحيى بن أكثم، أحد قضاة العامّة المعروفين.

وهناك وجه آخر أيضاً لطيف، وهو ما ورد في تفسير العسكري عليه السلام عن آبائه عن النّبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: (لم يكن له سجودهم - يعني الملائكة لآدم - إنّما كان آدم قبلةً لهم يسجدون نحوه لله عزوجل، وكان بذلك معظِّماً مبجِّلاً له، ولا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد من دون الله، يخضع له كخصوعه لله، ويعظِّمه بالسّجود له كتعظيمة لله، ولو أمرت أحداً أن يسجد هكذا لغير الله لأمرت ضعفاء شيعتنا، وسائر المكلّفين من شيعتنا، أن يسجدوا لمَنْ توسّط في علوم عليّ وصيّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومحض وداد خير خلق الله عليّ عليه السلام، بعد محمَّد رسول الله (صلى الله عليه وآله)... ).

وقد ذكرنا في بعض المناسبات أنَّ التفسير المنسوب إلى العسكري عليه السلام لم يثبت بطريق معتبر، فإنّ في طريقه جملة من المجاهيل، كمحمّد بن القاسم الأسترآبادي، ويوسف بن محمَّد بن زياد، وعليّ بن محمَّد بن سيَّار، قال صاحب الوسائل: (ورواه الطبرسي في الاحتجاج بإسناده عن العسكري عليه السلام)، وقد ذكرنا في محلّه أنَّ الإسناد ضعيف بجملة من المجاهيل، والله العالم.

_____________

(1) الوسائل باب81 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ح1.

(2و3و4و5) الوسائل باب27 من أبواب السجود ح4و5و6و7.

قوله : (ويجب في كلّ ركعةٍ سجدتان)

في الذكرى : (أجمع العلماء على وجوب السّجود في الصَّلاة، لنصّ القرآن ونصّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله) قولاً -كما في تعليم المسيء في صلاته- وفعلاً في سائر صلواته، ولخبري حماد وزرارة...)، وفي المدارك: (أمَّا وجوب السَّجدتين في كلّ ركعة فمتفق عليه بين المسلمين، بل الظّاهر أنّه من ضروريات الدّين...).

أقول: تسالم المسلمون قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، على وجوب السّجدتين في كلّ ركعة من الفريضة والنافلة، وقد نصّ على أصل السّجود أيضاً القرآن المجيد، قال الله تعالى {اركعوا واسجدوا}.

وأمّا الأخبار الدَّالة على ذلك: فهي فوق التواتر، فلا حاجة لسردها، على أنّه سنذكر الكثير منها -إن شاء الله تعالى- في المسائل الآتية.

وبالجملة، فإنّ هذه المسألة من جملة المسائل التي لم يختلف فيها المسلمون.

 

قوله : (هما معاً ركن)

كما هو المعروف بين الأعلام، وفي الذّكرى: (فهما معاً ركن، تبطل الصَّلاة بالإخلال بهما معاً عمداً وسهواً وجهلاً...)، وفي المدارك: (وأمَّا أنَّهما ركن في الصَّلاة - بمعنى أنَّها تبطل بالإخلال بهما عمداً وسهواً- فقال في المعتبر: أنَّه مذهب العلماء كافّة...)؛ وفي الجواهر -تعليقاً على قول المحقّق رحمه الله في الشّرائع: تبطل بالإخلال بهما في كلّ ركعة عمداً وسهواً- : (إجماعاً أيضاً في الغنية، وعن تعليق الإرشاد ومجمع البرهان ونهاية الأحكام، وإن لم أتحقّق في الأوليين، بل في المعتبر وعن التذكرة نسبته إلى إجماع العلماء كافّة - إلى أن قال : - بل عن موضع ثالث من السّرائر: إطباق الطّائفة، وهو كذلك، إذا لم يذكر كذلك إلَّا بعد الفراغ من الصَّلاة، أمَّا لو ذكر بعد الرُّكوع فالمشهور البطلان أيضاً شهرة عظيمةً، كادت تكون إجماعاً... ).

أقول: ما ذكره الأعلام لا خلاف فيه، وهو مطابق للأخبار الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، وإنّما هناك إشكال مشهور وارد على تفسير الرّكن، من أنّه ما كان نقصه وزيادته عمداً وسهواً مبطلاً.

وحاصل الإشكال: أنّه إن جعل الرّكن مجموع السّجدتين فتركه يتحقّق بترك واحدة منهما، مع أنّ تركها سهواً غير مخلّ، كما سنذكره قريباً إن شاء الله.

وإن جعل الرّكن مسمّى السّجود الذي تحقّق في ضمن الواحدة، فنقصه وإن أوجب البطلان إلَّا أنّ زيادته لا توجب البطلان، لِمَا هو المعروف بين الأعلام من عدم البطلان بزيادة السّجدة الواحدة سهواً، كما في صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : سألته عن رجل صلّى فذكر أنَّه زاد سجدةً، قال: لا يعيد الصَّلاة من سجدة ويعيدها من ركعة)(1)، مع أنّه يصدق زيادة المسمَّى بالسَّجدة الواحدة.

وقد ذكر صاحب الجواهر رحمه الله عدَّة أجوبة، وأطال في ذكرها وردها، وأتعب نفسه الشّريفة، ومع ذلك لم يسلم شيء منها عن خدشة.

_____________

(1) الوسائل باب14 من أبواب الركوع ح2.

 

والإنصاف الذي ينبغي أن يعلم أوَّلاً: هو أنّه لا ثمرة عمليّة متوقّعة على حلّ الإشكال، لأنّ وجوب السّجدتين في كلّ ركعة، وما يترتّب على نقصهما، وزيادتهما عمداً وسهواً يعلم من الرّوايات، ولا يتوقّف على معرفة مفهوم الرّكن.

وثانياً : أنّه ذكرنا في أكثر من مناسبة أنّ الرّكن بلفظه لم يرد في شيء من النصوص، وليس له عين ولا أثر، وإنّما هو وارد في

كلمات الأعلام، فيكون ما ذكر لا يعدو كونه توجيها لما عرفوه من أمر الزيادة والنقيصة في الركن في مثل السجود؛ وقد اعترف المحقق الثاني رحمه الله بعجزه عن حل ذلك.

والإنصاف: أنه لا حل له بما فسره بعض الأعلام، إلا بما بما فسرناه بأن الركن ما كان نقصه موجباً للبطلان، مع كون الزيادة تصدق بمسمى السجود، لا بالسجدتين.