الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
38/08/09
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : الرّكوع في الصَّلاة(6)
قوله : (ويُكره التبازخ ، وهو تسريج الظَّهر وإخراج الصَّدر)[1]
التبازخ[2] [3] - بالزاي والخاء المعجمتين - : وقد فسَّره المصنِّف رحمه الله كما هنا (بتسريج الظَّهر وإخراج الصَّدر ... ) .
قال صاحب الجواهر رحمه الله : (لم أعثر على نصٍّ فيه تفسيراً وحكماً ، لكن ذكره في الذِّكرى ، وتبعه عليه الأستاذ ، ولا بأس به)[4]
أقول : أمَّا تفسيره بما ذكره المصنِّف رحمه الله فلا يوجد ما يشهد له ، ولو قال المصنِّف رحمه الله :إنَّه عكس التدبيخ لكان معناه أوضح ، لأنَّ التدبيخ هو أن يقبب الظهر ويطأطئ الرأس .
ومهما يكن ، فلا يوجد ما يدلّ على كراهته ، إن لم يخرج عن مسمَّى الركوع ، وإلَّا بطل .
قوله : (ولو كمل مسمَّى الرُّكوع به لم يُجزِئ)
هذا مبني على خروجه عن مفهوم الرُّكوع ، وإلَّا فلا موجب للبطلان .
قوله : (والتدبيخ ، وهو أن يقبب ظهره ويطأطئ رأسه)
قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى : (التدبيخ - بالخاء والحاء -وهو أن يقبِّب الظَّهر ويطأطئ الرأس ، روي ذلك في نهي النَّبي (صلى الله عليه وآله) ، وروي أيضاً بالذَّال المعجمة والدَّال المهملة أعرف ، والنَّهي للكراهة هنا ، وعن عليٍّ عليه السلام بطريق إسحاق المذكور أنَّ عليّاً كان يكره أن يحدر رأسه ومنكبيه في الرُّكوع ، ولكن يعتدل)[5] .
أقول : أمَّا رواية نهي النَّبي (صلى الله عليه وآله) فالظَّاهر أنَّها عاميَّة لا يصحّ العمل بها ، ولو فرضنا أنَّها ليست عاميةً ، فتكون حينئذٍ مرسلةً لا يمكن الاعتماد عليها .
وأمَّا رواية إسحاق[6] فهي مرسلة أيضاً لم يذكر الشَّهيد رحمه الله طريقه إلى إسحاق بن عمَّار .
وعليه ، فلا دليل قويّ على الكراهة .
قوله : (والتطبيق وهو وضع اليدين مطبقتين بين الرّكبتين ، ولا يحرم في الأقوى)
قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (التطبيق - وهو جعل إحدى الكفَّين على الأخرى ثمَّ إدخالهما بين ركبتيه - لما روي أنَّ سعد بن أبي وقاص قال : كنَّا نفعل ذلك فأمرنا بضربّ الأكفّ على الركب ، وهو يدلّ على شرعيّته ثمّ نسخه .
ولعل ذلك خفي على بن مسعود صاحبه والأسود بن يزيد وعبد الرحمان بن الأسود ، فقالوا : باستحبابه .
ولا يحرم على الأقرب ، إذ ليس فيه أكثر من ترك وضعها على الركبتين الذي هو مستحبّ ، وهو قول أبي الصَّلاح والفاضلين ، وظاهر الخِلاف وابن الجنيد التحريم ، وحينئذٍ يمكن البطلان للنهي عن العبادة ، كالتكتُّف ، ويمكن الصِّحّة لأنَّ النهي عن وصف خارج) .
أقول : لا يوجد دليل يعتدّ به على الكراهة ، فضلاً عن حرمته ، إذ لا يوجد في الأخبار نهي عن ذلك ، فقول المصنِّف رحمه الله : (وحينئذٍ يمكن البطلان للنهي عن العبادة) في غير محلِّه ، والله العالم .
قوله : ((فرع) : الراكع خِلقةً أو لعارض يجب أن يزيد انحناءً على الأقرب ، وفي المبسوط لا يلزم ذلك ؛ نعم ، لو أمكنه أن يعتمد حال قراءته على شيءٍ يرتفع به عن حدِّ الرَّاكع لم يجب زيادة الانحناء قطعاً)
يقع الكلام في أمرَيْن :
الأوَّل : لو أمكنه أن يعتمد حال قراءته على شيءٍ يستطيع من خلاله الانتصاب ، أو الارتفاع به عن حدِّ الرَّاكع ، فهل يجب أم لا ؟
الثاني : إذا لم يمكنه ذلك ، وأمكنه زيادة الانحناء ، بحيث لا يخرج به عن حدِّ الرُّكوع ، فهل يجب عليه ذلك أم لا ؟
أمَّا الأمر الأوَّل : فلا إشكال في وجوب الاعتماد على شيء إذا أمكنه من خلاله الانتصاب ، بحيث يصدق عليه القيام عرفاً وشرعاً ، لِما عرفت أنَّ القيام واجب حال تكبيرة الإحرام ، وحال القراءة ، ومطلوب لأجل الرُّكوع .
وأمَّا إذا لم يمكنه الانتصاب بل تمكَّن من الارتفاع قليلاً عن حدِّ الرَّاكع ، بحيث لا يصدق عليه القيام المطلوب شرعاً ، فذهب جماعة من الأعلام إلى وجوب ذلك من باب قاعدة الميسور .
ولكنَّك عرفت أنَّها غير تامَّة سنداً .
والإنصاف : أنَّه إذا أمكنه زيادة الانحناء فلا يجب هذا الارتفاع ، لأنَّ الواجب هو تحقُّق الرُّكوع ، وبالانحناء الزائد يتحقّق عرفاً .
وأمَّا إذا لم يمكنه زيادة الانحناء فيجب عليه الارتفاع لأجل الرُّكوع .
وأمَّا الأمر الثاني - وهو إذا لم يتمكَّن من الارتفاع أصلاً - : فقد ذهب جماعة من الأعلام ، منهم الشَّيخ رحمه الله في المبسوط والمحقِّق رحمه الله في المعتبر ، والعلَّامة رحمه الله في بعض كتبه ، وصاحب المدارك والفاضل الأصبهاني (رحمهما الله) إلى أنَّه لا يجب على مَنْ كان بهيئة الرَّاكع زيادة الانحناء ، بل يكتفي بمجرد القصد ، ومنهم السَّيد محسن الحكيم رحمه الله ، وقواه في الجواهر ، مستدلًّا عليه بالأصل ، وبأنَّه قد تحقَّق فيه حقيقة الرُّكوع ، لأنَّ المراد بالرُّكوع هنا هيئة الرُّكوع لا فعله ، وهي حاصله .
وبالمقابل ذهب جماعة من الأعلام إلى أنَّه يجب الانحناء أزيد من المقدار الحاصل ، بحيث لا يخرج عن حدِّ الرُّكوع ، منهم الشَّهيدان والمحقِّق الهمداني (رحمهم الله) وغيرهم من الأعلام ، وهو الإنصاف ، إذ لا يتحقَّق الرُّكوع عرفاً ممَّن كان كالرَّاكع خِلقةً ، أو لعارض ، إلَّا أن يزيد انحناءه ولو قليلاً ، فإنَّه إذا بقي على هذه الحالة لا يقال له عرفاً : إنَّه ركع ، وإن قصد الرُّكوع .
وأمَّا ما ذكرناه سابقاً من تحديد الرُّكوع عرفاً وشرعاً بأنْ ينحني إلى أن تبلغ يداه ركبتيه ، فإنَّما هو في الأفراد المتعارفة ، دون من وصلت يداه ركبتيه بلا انحناء إمَّا لِطول يديه أو لانحناء ظهره ، فإنَّه خارج عن مورد حكم العرف ومنصرف النصوص .
هذا ، وقد ذهب السَّيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله إلى سقوط الرُّكوع عنه لمكان العجز ، فينتقل إلى بدله ، وهو الإيماء ، فيُومئ برأسه إن أمكن ، وإلَّا فبالعينين تغميضاً له وفتحاً للرفع منه .
وفيه : ما لا يخفى ، فإنَّه لا معنى لسقوط الرُّكوع عنه ، إذ قد عرفت أنَّه يتحقق بزيادة الانحناء ، بل لو فرضنا عدم إمكان زيادة الانحناء فيصدق عليه الرُّكوع عرفاً ، ولا دليل على الإيماء ، لأنَّ بدليَّة الإيماء مختصَّة بمَنْ لا يمكنه الرُّكوع أصلاً .
وعليه ، فتجري البراءة عن وجوب الإيماء .
نعم ، الأحوط استحباباً في صورة عدم التمكُّن من الانحناء الزائد الإيماء بالرأس ، وإن لم يتمكن فبالعينين له تغميضاً وللرفع منه فتحاً ، وإلَّا فينوي به قلباً ، ويأتي بالذِّكر ، والله العالم بحقائق أحكامه .
قوله : (ويجب أن يقصد بهَوْيه الرُّكوع ، فلو هوى بقصد غيره لم يعتدّ به ووجب الانتصاب ، ثمَّ الرُّكوع)
كما هو المعروف بين الأعلام منهم المصنِّف رحمه الله هنا وفي البيان والذِّكرى (قال فيها : يجب أن يقصد بهَوْيه الرُّكوع ، فلو هوى لسجدة العزيمة أو غيرها في النافلة ، أو هوى لقتل حيَّة أو لقضاء حاجة ، فلما انتهى إلى حدِّ الرَّاكع أراد أن يجعله ركوعاً لم يجزه ، لقوله (صلى الله عليه وآله) : إنَّما الأعمال بالنيات ، وإنَّما لكلِّ امرئ ما نوى[7] فيجب عليه الانتصاب ، ثمَّ الهوي للرُّكوع ، ولا يكون ذلك زيادة ركوع ... )[8] .
وقال العلَّامة رحمه الله في التذكرة : (يجب أن لا يقصد بهَوْيه غير الرُّكوع ، فلو قرأ آية سجدة فهوى ليسجد ، ثمَّ لمَّا بلغ حدَّ الرَّاكع أراد أن يجعله ركوعاً لم يجز ، بل يعود إلى القيام ، ثمَّ يركع ، لأنَّ الرُّكوع الانحناء ولم يقصده ... )[9] .
هذا ، وقد خالف بعض الأعلام ، منهم صاحب الجواهر رحمه الله ، حيث جعل الهوي مقدمةً خارجيَّةً لتحصيل الرُّكوع كهوي السُّجود ، قال : (وعليه ، لو هوى غافلاً لا بقصد ركوع أو غيره أو بقصد غيره من قتل حيَّة ، أو عقرب ، ثمَّ بدا له الرُّكوع أو السُّجود ، صحَّ ، ولقد أجاد العلَّامة الطباطبائي رحمه الله بقوله :
ولو هوى لغيره ثمَّ نوى صحَّ كذا السُّجود بعدما هوى
إذ الهوي فيهما مقدمة خارجيَّة لغيرها ملتزمة
بل لا يبعد الاجتزاء بالاستدامة بعد تمدد قصد الركوع ... )[10] .
والإنصاف : أنَّ الهوي وإن كان مقدمةً إلَّا أن إيجاد مجموعه لا بنيَّة الرُّكوع يوجب عدم تحقُّق الرُّكوع المأمور به لأجل الصَّلاة .
وأمَّا القول : بأنَّ القيام المتِّصل بالرُّكوع هو ركن لعدم تحقُّق الرُّكوع بدونه فقد أجبنا عنه سابقاً في مبحث القيام ، وقلنا : إنَّه المتِّصل بالرُّكوع هو ركن لعدم تحقُّق الرُّكوع بدونه فقد أجبنا عنه سابقاً في مبحث القيام ، وقلنا : إنَّه ليس بركن .
وأمَّا الرِّواية التي أشار إليها المصنِّف رحمه الله في الذكرى (إنَّما الأعمال ...) فهي ضعيفة بجهالة أكثر من شخص ، ورواها الشَّيخ الطوسي رحمه الله أيضاً مرسلةً[11] باختلاف يسير .
قوله : (ولو افتقر إلى ما يعتمد عليه في الانحناء وجب)
مقدمة لتحصيل الرُّكوع الواجب .
قوله : (وانحنى إلى أحد الجانبين لو تعدَّد الانحناء المعهود ، قاله في المبسوط)
لا إشكال في ذلك إذا صدق عليه عنوان الرُّكوع ، وإلَّا فينتقل إلى البدل وهو الإيماء ، للتسالم بين الأعلام .
ويؤيِّده : رواية إبراهيم بن أبي زياد الكرخي (قال : قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام : رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخَلاء ، ولا يمكنه الرُّكوع والسُّجود ، فقال : ليؤم رأسه إيماءً ، وإن كان له من يرفع الخمرة فَلْيسجد ، فإنْ لم يمكنه ذلك فليؤم برأسه نحو القبلة إيماءً) [12] [13] ، وهي ضعيفة بطريق الشَّيخ رحمه الله بعدم وثاقة كلٍّ من محمَّد بن خالد الطيالسي ، وإبراهيم بن أبي زياد الكرخي ، وضعيفة أيضاً بطريق الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله بعدم وثاقة الأخير فقط .