الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/08/05

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع : الرّكوع في الصَّلاة(2)

 

هذا ، وقد ضعَّف صاحب الرياض رحمه الله هذه الصَّحيحة باشتمالها على ما لا يقول به الخصم ، بل ولا أحد ، من وجوب صلاة ركعة مع سجدتين بعد الانصراف من الصَّلاة إذا استيقن ترك الرُّكوع .[1]

ويرد عليه : أنَّ هذا من جملة فروع المسألة ، فإنَّ القائل بإسقاط الزائد يلتزم بذلك لصيرورة الثالثة مثلاً ثانيةً ، والرابعة ثالثةً ، فتكون الفريضة ناقصةً ركعةً ، فإذا ذكرها بعد التمام جاء بها على القاعدة ، ما لم يصدر المنافي ، فإطلاق الذَّيل منزَّل على هذا الفرض .

وذكر ابن إدريس رحمه الله هذه الرِّواية في مستطرفات السَّرائر ، نقلاً من كتاب الحسن بن محبوب عن العلاء عن محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام باختلاف يسير في التعبير ؛ ولكنَّها ضعيفة ، لأنَّ ابن إدريس رحمه الله لم يذكر طريقه إلى كتاب الحسين بن محبوب ، فتكون مرسلةً ، أو بحكم المرسلة ، ولكنَّك عرفت أنَّها صحيحة بطريق الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله ، وهذا كافٍ .

واستدلّ الشَّيخ رحمه الله أيضاً لهذا التفصيل الذي ذكره في المبسوط بصحيحة العيص (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن رجلٍ نسي ركعة من صلاته حتَّى فرغ منها ، ثمَّ ذكر أنَّه لم يركع ، قال : يقوم فيركع ويسجد سجدتين)[2]

وأجاب المحقِّق رحمه الله في المعتبر عن هذه الصَّحيحة (بأنَّها غير دالَّة على مطلوبه ، وإنَّما تدلّ على وجوب الإتيان بالمنسي خاصّة ، وهو لا يذهب إليه ، بل يوجب الإتيان به ، وبما بعده) [3] .

ثمَّ إنَّ هاتين الصَّحيحتين وإن كانتا مطلقتين ، إذ لم يفرق فيهما بين الأوليين والأخيرتين ، ولا بين الأُولى وبقيَّة الرّكعات إلَّا أنَّ الشَّيخ رحمه الله جمع بينهما وبين الرِّوايات المتقدِّمة الدَّالة على البطلان بحمل الصَّحيحتين على الرّكعتين الأخيرتين ، والرِّوايات المتقدِّمة على الرِّكعتين الأوليين ، ولأجل ذلك ذهب إلى التفصيل .

ولكن لا يخفى أنَّه جمع تبرعيّ ، لا شاهد عليه .

وقد جمع بينهما صاحب الوسائل رحمه الله بحمل الصَّحيحتين على النافلة ، والأخبار المتقدِّمة الدَّالة على البطلان على الفريضة ، وهو أيضاً جمع تبرعيّ .

وقد جمع بينهما صاحب المدارك رحمه الله بالالتزام بالوجوب التخييري ، واأفضليَّة الاستئناف .

وتوضيحه : أنَّ الأمر بالمضي في الصَّحيحتين ، وبالاستئناف في الأخبار المتقدِّمة ، ظاهر بمقتضى الإطلاق في الوجوب التعييني ، فيرفع اليد عن هذا الظُّهور في كلٍّ منهما ، ويحمل على التخيير بقرينة الأخرى .

نعم ، لا إشكال في أفضليَّة الاستئناف .

ولكنَّ الإنصاف : أنَّ هذا الجمع في غير محلِّه أيضاً ، لأنَّ هذا الجمع إنَّما يصحّ في الأحكام النفسيَّة المولويَّة بعد إحراز وحدة الحكم ، كما لو دلّ دليل على وجوب صلاة الظُّهر يوم الجمعة ، ودل دليل آخر على وجوب صلاة الجمعة ، وحيث لا يمكن الأخذ بهذين الدَّليلين معاً ، إذ لا يوجد في اليوم أكثر من خمس فرائض ، ولا يمكن طرحهما ، فيتعيَّن حينئذٍ الجمع بينهما بالتخيير .

وأمَّا في مقامنا هذا ، فلا يصحّ هذا الجمع ، لأنَّ الأمر الوارد في الدَّليلين إرشاديّ محض ، فإنّ الأمر بالاكتفاء والمضي الوارد في الصَّحيحة إرشاد إلى الصّحة ، وليس حكماً تكليفيّاً ، كما أنَّ الأمر بالاستئناف الوارد في الأخبار المتقدِّمة إرشاد إلى البطلان .

______________

 

ومن المعلوم أنَّه لا معنى للتخيير بين الصحّة والبطلان ؛ ومنه تعرف أنَّه لا معنى لحمل الأمر بالاستئناف على الاستحباب ، إذ مرجعه إلى استحباب الفساد ، وهو باطل .

والإنصاف : أن هناك تعارض بني الصَّحيحتين وبين الأخبار المتقدِّمة الدَّالة على البطلان ، فإن أخذنا بالترجيح بالشُّهرة الروائيّة فتكون الرّوايات المتقدِّمة الدَّالة على البطلان هي المرجّحة ، لكونها أشهر رواية .

ويتعيَّن القول حينئذٍ بالبطلان ، كما هو عليه المشهور ، وإن لم نأخذ بالترجيح بها ، كما هو الإنصاف عندنا ، حيث لم يثبت الترجيح بالشهرة الروائيَّة ، فيتساقطان حينئذٍ ، ولا موجب للرّجوع إلى الأصل العمليّ ، لأنَّ مقتضى حديث "لا تُعاد الصلاة إلَّا من خمسة" - كما في صحيح زرارة - هو البطلان ، لأنَّه إمَّا يلزم زيادة الرّكن ، وهو السّجدتان على تقدير تدارك الرّكوع ، أو يلزم نقصانه ، أي نقصان الرّكوع على تقدير عدم التدارك .

وعليه ، فالقول بالبطلان - كما هو رأي المشهور - هو المتعيِّن ، والله العالم .

وأمَّا القول الثالث - وهو إسقاط الزائد والحكم بالصِّحَّة مطلقاً من غير فرق بين الأوليين والأخيرتين ، وقد حكى الشَّيخ رحمه الله هذا القول عن بعض الأصحاب ، وقد نسبه العلَّامة في المنتهى إلى الشَّيخ نفسه أيضاً - : فقد يستدلّ له بالصَّحيحتين المتقدّميتين ، أي صحيحة ابن مسلم ، وصحيحة رفاعة .

ولكن عرفت الجواب عنهما في القول الثاني ، فلا حاجة للإعادة ، إذ هما ساقطتان للتعارض مع الأخبار المتقدِّمة .

وأمَّا القول الرّابع : فلا مستند له إلَّا عبارة الفِقه الرَّضوي ، وقد ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ الفِقه الرَّضوي لم يثبت كونه روايةً إلَّا ما كان بعنوان "رُوي" ، فتكون روايةً مرسلةً ، وقلنا سابقاً : إنَّ الأقرب كونه فتاوى لابن بابويه رحمه الله .

ثمَّ إنَّ ما ذكرناه من البطلان ، والذي هو مذهب المشهور ، وهو الصَّحيح كما عرفت ، إنما هو فيما نسي الرّكوع حتّى دخل في السَّجدة الثانية .

وأمَّا إذا تذكَّر قبل الدّخول في السّجدة الثانية فالمشهور أيضاً هو فوات محلّ تدارك الرّكوع .

وعليه ، فتكون الصَّلاة باطلةً .

وذهب جماعة من الأعلام أنَّه إذا تذكّر قبل الدّخول فيها رجع وأتى بالرّكوع وصحَّت صلاته ، منهم صاحب المدارك وصاحب العروة والسَّيد محسن الحكيم والسَّيد أبو القاسم الخوئيّ ، ومال إليه صاحب الحدائق رحمهم الله .

ووجه الصِّحَّة : أنَّه لا يترتب عليه سوى زيادة السَّجدة الواحدة نسياناً ، وهي ليست بقادحة ، كما يستفاد ذلك من عدَّة روايات :

منها : صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : سألتُه عن رجل صلَّى ، فذكر أنَّه زاد سجدةً ، قال : لا يعيد الصَّلاة من سجدة ، ويعيدها من ركعة) [4] ، باعتبار أنَّها مطلقة تشمل ما إذا تذكَّر قبل الدُّخول في السَّجدة الثانية .

وفيها أوَّلاً : أنَّها ضعيفة بمحمَّد بن سنان ، كما عرفت .

وثانياً : أنَّها قاصرة الدَّلالة لظهور النسيان في نسيانه في تمام المحلّ ، أي بعد الدُّخول في السَّجدة الثانية .

______________

 


[1] رياض المسائل، السيد علي الطباطبائي، ج4، ص206.
[2] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج8، ص200، ابواب من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب3، ح8، ط آل البيت.
[3] جامع المدارك، السيد أحمد الخوانساري، ج1، ص425.
[4] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج6، ص319، ابواب من أبواب الركوع، باب14، ح2، ط آل البيت.