الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/05/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القراءة في الصَّلاة(32)

 

قال صاحب الوسائل : (ورواه في العِلل عن حمزة بن محمّد بن العلوي عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن عليّ بن معبد عن الحسين (الحسين ع ل ) بن خالد عن محمّد بن حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام مثله ، إلّا أنّه ذكر صلاة الفجر موضع صلاة الجمعة ، وترك ذكر صلاة الغَدَاة)[1] ، وهي أيضاً ضعيفة بهذا الطريق ، لعدم وثاقة حمزة بن محمّد بن العلوي وعليّ بن معبد .

ومنها : ما رواه الشّيخ الصّدوق رحمه الله بإسناده عن يحيى بن أكثم القاضي (أنَّه سأل أبا الحسن الأوَّل عن صلاة الفجر لِمَ يجهر فيها بالقراءة وهي من صلوات النّهار ، وإنّما يجهر في صلاة الليل ، فقال : لأنَّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يغلس بها لقربها من الليل)[2] ، وهي ضعيفة بحيى بن أكثم ، وبالإرسال ، لأنَّ الشّيخ الصّدوق رحمه الله لم يذكر سنده إلى يحيى بن أكثم في المشيخة .

ورواها في العِلل عن أبيه عن عبد الله بن جعفر عن علي بن بشّار عن موسى عن أخيه عن عليّ بن محمّد عليه السلام (أنَّه أجاب في مسائل يحيى بن أكثم ، وذكر مثله )[3] ، وهي أيضاً ضعيفة بعلي بن بشّار ، فإنّه مهمل ، وبجهالة موسى وأخيه .

وجه الاستشهاد بهذه الرّواية : أنّ الجهر في بعض الصّلوات والإخفات في البعض الآخر كان معهوداً على سبيل التوظيف ، ولذا سأل يحيى بن أكثم عن السِّرّ في الجهر في صلاة الفجر مع أنّها من صلاة النّهار بالقراءة وهي من صلوات النّهار ، والمعهود الإخفات في صلاة النَّهار .

ولكنَّ الإنصاف : أنَّ المعهوديّة لا تدلّ على الوجوب ، إذ لعلّ كان ذلك على سبيل الاستحباب ، كما أنّ كون النّبيّ (صلى الله عليه وآله) يُغلِس بها لا يدلّ على الوجوب ، إذ لقد كان ذلك منه (صلى الله عليه وآله) على سبيل الاستحباب ، إذ الفعل مجمل .

ومنها : صحيحة عبد الرّحمان بن الحجاج (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الصّلاة خلف الإمام أقرأ خلفه ، فقال : أمَّا الصّلاة التي لا تجهر فيها بالقراءة فإنّ ذلك جُعِل إليه ، فلا تقرأ خلفه ، وأمَّا الصّلاة التي يجهر فيها فإنّما أمر بالجهر لينصت من خلفه ، فإنْ سمعتَ فانصت ، وإن لم تسمع فاقرأ) [4] .

ويظهر منها وجوب الجهر في الجهريّة ، والإخفات في الإخفاتية ، لكنَّها لا تشمل غير الإمام ، إلَّا أن يتمّ فيما عداه بعدم القول بالفصل .

أضف إلى ذلك : أنَّ العلَّة - وهي الإنصات - للاستحباب ، فلا تصلح لإثبات الوجوب .

ومنها : مداومة النّبيّ (صلى الله عليه وآله) وجميع الصّحابة والأئمة عليهم السلام ، فيجب التأسّي بهم عليهم السلام .

وفيه - ما ذكرناه في أكثر من مناسبة - : أنّ التأسّي لا يدلّ على الوجوب ، بل غايته الاستحباب .

والخلاصة : أنَّ العمدة في الاستدلال على الوجوب هما صحيحتا زرارة .

هذا ، وقد استدلّ للاستحباب بدليلين :

أحدهما : الآية الشّريفة {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغِ بين ذلك سبيلاً}[5] .

وفيه : أنّه ليس المراد النهي عن حقيقة الجهر وعن حقيقة الإخفات ، لعدم خلوّ القراءة عن الجهر أو الإخفات ، لِعدم ثبوت الواسطة بينهما ، وهذا بحدّ ذاته قرينة على أنّ المراد عدم الإفراط في الجهر ، كالمؤذِّن ونحوه ، وعدم التفريط في الإخفات بحيث يكون مجرد تحريك الشّفتين ، ولا يسمع حتّى نفسه ما يقول .

ويؤيِّد ذلك : ما في مجمع البيان عن أبي عبد الله عليه السلام (أنَّه قال : الجهر بها رفع الصّوت شديداً ، والمخافتة ما لم تسمع أذنيك ، واقرأ قراءة وسطاً بين ذلك) [6] [7] ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال .

ويحتمل أيضاً أن يكون المراد بالآية الشّريفة عدم التجاهر مخافة أذيَّة المشركين وعدم التخفّي فيها مخافة التساهل فيها ، قال الطبرسي في مجمع البيان : (روي أن ّالنّبيّ (صلى الله عليه وآله) كان إذا صلّى فجهر في صلاته تسمع له المشركون ، فشتموه وآذوه ، فأمره سبحانه بترك الجهر ، وكان ذلك بمكّة أوّل الأمر ، وبه قال سعيد بن جبير ، ورُوي ذلك عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام) [8] [9] .

وأشار بذلك إلى ما رواه العياشي في تفسيره عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى : {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}[10] (قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان بمكّة جهر بصلاته ، فيعلم بمكانه المشركون ، فكانوا يؤذونه ، فأنزلت هذه الآية عند ذلك) [11] ، ولكنَّهما ضعيفتان بالإرسال .

والخلاصة إلى هنا : أنَّ الآية الشّريفة لا تنافي القول بوجوب الجهر في المواضع التي يجهر فيها ، والإخفات في المواضع التي يخافت فيها .

الدَّليل الثاني - وهو العمدة عندهم - : صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (قال : سألته عن الرجل يصلّي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة ، هل عليه أن لا يجهر ؟ قال : إن شاء جهر وإن شاء لم يفعل)[12] ، وبها يرفع اليد عن ظاهر صحيحتي زرارة ، فتحملان على الاستحباب .

وفيه أوَّلاً : أنَّه لا معنى هنا للحمل على الاستحباب ، لأنَّ الأمر بالإعادة في صحيحة زرارة المتقدِّمة محمول على الإرشاد ، أي الإرشاد إلى فساد الصَّلاة ، ولا معنى حينئذٍ لاستحباب الفساد .

وثانياً : أنَّ دلالة صحيحة عليّ بن جعفر غير واضحة ، لأنَّه إذا فرض فيها أنّ الفريضة ممّا يجهر فيها بالقراءة ، فكيف يصح السّؤال عن أنه عليه أن لا يجهر ؟!

وبناءً عليه ، فالسُّؤال لا بدّ أن يكون عن لزوم الإخفات في غير القراءة من الأذكار ، وذلك ممَّا يوجب الإجمال في الرّواية فتسقط عن الحجية ، لأنَّ الحجيّة تابعة للظهور ، ولا ظهور لها في المدّعى .

نعم ، رواها المحقِّق رحمه الله في المعتبر ، هكذا : (هل له أن لا يجهر) ، وفي كشف اللثام ومفتاح الكرامة وعن قرب الإسناد روايته هكذا (هل عليه أن يجهر) [13] [14] .

وفيه أولاً : أنّ رواية قرب الإسناد ضعيفة بعبد الله بن الحسن ، فإنَّه مهمل .

وثانياً : أنَّ الموجود في أغلب النسخ المصحّحة هو لفظ (عليه) ، لا (له) .

وثالثاً : لو سلّمنا أنّ النسخ مختلفة فلا يصحّ الاستدلال بها حينئذٍ لعدم العلم بصحّة النسخة .

 


[1] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج6، ص84، أبواب القراءة في الصَّلاة، باب25، ح2، ط آل البیت.
[2] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج6، ص84، أبواب القراءة في الصَّلاة، باب25، ح3، ط آل البیت.
[3] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج6، ص84، أبواب القراءة في الصَّلاة، باب25، ح3، ط آل البیت.
[4] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج8، ص356، أبواب صلاة الجماعة، باب31، ح5، ط آل البیت.
[5] الكهف/السورة18، الآية110.
[6] مجمع البيان تفسير آخر سورة الإسراء ج5 - 6- ص446.
[7] تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج6، ص304.
[8] مجمع البيان تفسير آخر سورة الإسراء ج5 - 6- ص446.
[9] تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج6، ص304.
[10] الكهف/السورة18، الآية110.
[11] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج8، ص397، أبواب صلاة الجماعة، باب52، ح5، ط آل البیت.
[12] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج6، ص85، أبواب القراءة في الصَّلاة، باب25، ح6، ط آل البیت.
[13] قرب الإسناد : ص94.
[14] قرب الإسناد، عبد الله بن جعفر حميرى، ج1، ص205، ط الحديثة.