الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/05/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القراءة في الصَّلاة(28)

 

وقدِ استدلّ لهذا القول ببعض الرّوايات :

منها : رواية زرارة - وهي العمدة عندهم - (قال : قلتُ لأبي جعفر عليه السلام : ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين ؟ قال : أن تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، وتكبّر وتركع)[1] ، فإنّ تعرض الإمام عليه السلام لبيان التكبير للرّكوع - مع أنّه غير مسؤول عنه ، والأمر بالركوع بعده الظَّاهر في عدم وجوب شيء زائد عليه - ظاهر جدَّا في عدم وجوب التكرار ، وإلَّا لتعرَّض لبيانه ، فإنَّه أولى من بيان التكبير المستحبّ ، وهذا لا كلام فيه .

وإنَّما الكلام في سند الرّواية ، فإنّ جميع الأعلام عبّروا عنها بالصّحيحة ، بل عن المختلف : (أنّها هي ، وصحيحة الحلبي الآتية ، أصحّ ما بلغنا في هذا الباب)[2] .

وقال صاحب الجواهر رحمه الله : (والظَّاهر أنَّه كذلك ، لأنَّه ليس في طريقها من يُتوقّف فيه ، إلَّا محمَّد بن إسماعيل ، والأصحّ الأشهر - كما قيل - عدّ حديثه صحيحاً ، إمَّا لأنَّه ثقة ، كما بين في محلّه مفصّلاً ، على وجه يرفع الاشتراك بينه وبين غيره ، أو لكونه من مشايخ الإجازة ... )[3] .

وفيه - ما ذكرناه في أكثر من مناسبة - أنَّ محمَّد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني رحمه الله ليس هو ابن بزيع الثقة ، بل إنّه النيشابوري البندقي المجهول .

وعليه ، فالرّواية ضعيفة ، حتّى لو قلنا : إنَّ عمل المشهور جابر لضعف السّند ، فإنّ المراد شهرة المتقدّمين لا المتأخّرين ،

وقد عرفت أنَّ الشّهرة على هذا القول هي شهرة المتأخّرين .

ومنها : روايتا محمَّد بن عمران ومحمّد بن أبي حمزة المتقدّمتين[4] عند البحث عن أفضليّة التسبيح على القراءة .

وفيهما أَوَّلاً : أنّهما ضعيفتا الّسند ، كما عرفت .

وثانياً : أنّه لا إطلاق لهما ، لعدم ورودهما لبيان هذه الجهة .

ومنها : صحيحة سالم بن مكرم أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الرّكعتين الأُولتين ، وعلى الذين خلفك أن يقولوا : سبحان والله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، وهم قِيام ، فإذا كان في الرّكعتين الأخيرتين فعلى الذي خلفك أن يقرؤوا فاتحة الكتاب ، وعلى الإمام أن يسبّح مثل ما يسبّح القوم في الرّكعتين الأخيرتين) [5] .

وفيه : أنَّ هذه الصّحيحة لا تعرُّض فيها لبيان ما هو وظيفة الأخيرتين تفصيلاً لا للإمام ولا للمأموم ، فضلاً عن مقداره ، بل تدلّ على أنّ المأموم يأتي بهذه التسبيحات الأربع في الأُولتين ، وليس فيها أيضاً بالنسبة إلى هذا ظهور في كون الإتيان بها مرةً مجزيةً ، فإنّ إطلاقها وارد في مورد حكم آخر ، كما لا يخفى .

والخلاصة إلى هنا : أنَّه لا يوجد دليل قويّ على الاكتفاء بالتسبيحات الأربع مرةً واحدةً .

القول الخامس : ما حُكي عن ابن الجنيد رحمه الله من الاجتزاء بثلاث تسبيحات بإسقاط التهليل .

ويدل عليه : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما ، فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أكبر) [6] .

وهذه الصّحيحة وإن كانت واضحة الدّلالة ، إلّا أنّه لا يوجد عامل بها يعتدّ به - مع الاحترام الشّديد لمن نسب إليه القول بذلك - فالاعتماد على الصّحيحة حينئذٍ في غير محلّه .

القول السَّادس : ما نسب إلى ابن سعيد من الاجتزاء سبحان الله ثلاثاً .

ويدلّ عليه : رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : أدنى ما يجزئ من القول في الرّكعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات أن تقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله) [7] .

وفيها - مضافاً إلى عدم ظهور عمل بها من المتقدّمين ، فإنّ ابن سعيد المنسوب إليه القول بذلك من المتأخّرين مات رحمه الله سنة تسعين وستمائة - أنَّها ضعيفة السّند ، لوقوع محمّد بن عليّ الهمداني - المعروف بأبي سمينة ، والمعروف بالكذب أيضاً - في إسناد الشَّيخ الصّدوق رحمه الله إلى وهب بن حفص ، وقد جزم الأردبيلي رحمه الله في جامع الرواة بأنَّه أبو سمنية ، بقرينة رواية محمّد بن أبي القاسم عنه .

أقول : لو لم يظهر أنّه أبو سمينة المعروف بالكذب فلا أقلّ أنّ الرّجل مردّد بينه وبين محمّد بن عليّ بن إبراهيم الهمداني وكيل الناحية ، ولا دليل يعتدّ به على استظهار أنّه وكيل الناحية ، كما عن السَّيد الخوئي رحمه الله .

ومن هنا قال صاحب الجواهر رحمه الله - واصفاً خبر أبي بصير - : (بل ربّما كان أضعف أخبار هذا الباب ، بناءً على أنَّ محمَّد بن عليّ الهمداني الذي في طريقه هو ابن سمينة الضعيف جدّاً ... )[8] .

القول السَّابع : الاجتزاء بمطلق الذِّكر ، كما عن السَّيد جمال الدّين بن طاووس ر ، والمحقّق رحمه الله في المعتبر ، والعلامة المجلسي ّرحمه الله في البحار ، حيث قال : (والذي يظهر لي من مجموع الأخبار جواز الاكتفاء بمطلق الذِّكر ... )[9] .

وقد يستدلّ لهذا القول ببعض الرّوايات :

منها : موثَّقة عليّ بن حنظلة المتقدّمة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : سألتُه عن الرّكعتين الأخيرتين ، ما أصنع فيهما ؟ فقال : إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن شئت فاذكر الله فهو سواء ، قال : قلت : فأي ذلك أفضل ؟ فقال : هما والله سواء ، إن شت سبّحت ، وإن شئت قرأ) [10] ؛ وقد تقدَّم الدَّليل على وثاقة عليّ بن حنظلة .

وفيه أَوَّلاً : بأنَّ ذَيْل الموثَّقة (وإن شئت سبّحت) قرينة على كون المراد من الذِّكر في الصَّدر هو التسبيحة الكبرى ، ولا أقلّ من احتمال القرينيَّة .

وهذا لا مدافع له ، لأنّ الأصل المقرّر في الأصول هو عدم الاعتناء باحتمال وجود القرينة ، لا عدم الاعتناء باحتمال قرينيّة الموجود .

وثانياً : أنّ مقتضى القاعدة تقييد إطلاق الذِّكر بالأذكار الخاصّة الواردة في النصوص المقيّدة .

ومنها : صحيحة عبيد بن زرارة (قال : سألتً أبا عبد الله عليه السلام عن الرّكعتين الأخيرتين من الظّهر ، قال : تُسبِّح وتحمد الله واستغفر لذنبك ، وإن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد ودعاء) [11] .


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج6، ص109، أبواب القراءة في الصلاة، الباب42، ح5، ط آل البيت.
[2] جواهر الكلام، الشيخ محمّدحسن النّجفي، ج10، ص35.
[3] جواهر الكلام، الشيخ محمّدحسن النّجفي، ج10، ص35.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج6، ص108، أبواب القراءة في الصلاة، الباب51، ح3، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، العاملي، ج6، ص108، أبواب القراءة في الصلاة، الباب51، ح13، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، العاملي، ج6، ص125، أبواب القراءة في الصلاة، الباب51، ح7، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، العاملي، ج6، ص109، أبواب القراءة في الصلاة، الباب42، ح7، ط آل البيت.
[8] جواهر الكلام، الشيخ محمّدحسن النّجفي، ج10، ص40.
[9] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج82، ص89، ط دارالاحیاء التراث.
[10] وسائل الشيعة، العاملي، ج6، ص108، أبواب القراءة في الصلاة، الباب42، ح3، ط آل البيت.
[11] وسائل الشيعة، العاملي، ج6، ص108، أبواب القراءة في الصلاة، الباب42، ح1، ط آل البيت.