الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/05/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القراءة في الصَّلاة(22)

وأمَّا ما في بعض الأخبار ممَّا ينافي ذلك ، كالتوقيع الذي رواه الطبرسي في الاحتجاج عن محمَّد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن صاحب الزمان عليه السلام ذأنَّه كتبَ إليه يسأله عن الرّكعتين الأخيرتين ، قد كثرت فيهما الرّوايات ، فبعض يرى أنَّ قراءة الحمد وحدها أفضل ، وبعض يرى أنَّ التسبيح فيهما أفضل فالفضل لأيهما لنستعمله ، فأجاب عليه السلام : قد نسخت قراءة أمّ الكتاب في هاتين الرّكعتين التسبيح ، والذي نسخ التسبيح قول العالم عليه السلام : كلّ صلاة لا قراءة فيها فهي خداج ، إلّا للعليل ، أو مَنْ يكثر عليه السّهو ، فيتخوّف بطلان الصّلاة عليه) .[1]

ففيه أوَّلاً : أنَّه ضعيف بالإرسال .

وثانياً : أنَّه مخالف للسنَّة القطعيَّة ، لما دلّ من الرّوايات الكثيرة الآتية - إنْ شاء الله تعالى - الدَّالة على كفاية التسبيح ، بل بعضها صريح في أفضليّته .

وعليه ، فلو سلّمنا صحّة رواية الاحتجاج ، وقطعنا النّظر عن إرسالها ، إلَّا أنَّها لمخالفتها للسنَّة القطعيّة تسقط عن الاعتبار .

وثالثاً - مع قطع النّظر عن كل ما ذكر - : يمكن الجمع بينها وبين الأخبار المجوِّزة للتسبيح بالحمل على أفضليَّة القراءة .

وإن أبيت عن هذا الجمع فيحتمل حملها على التقيَّة ، للمحكي عن الشَّافعي والأوزاعي وأحمد بن حنبل من القول بتعيُّن الفاتحة في كلّ ركعتين من الأوائل والأواخر .

الأمر الثاني : المشهور بين الأعلام عدم الفرق في ثبوت التخيير المذكور بين ناسي القراءة في الأوليين وغيره .

ولكن حكي عن الشّيخ رحمه الله في الخلاف تعيّن القراءة على النّاسي ، وعن بعض المحدّثين من المتأخّرين نفي البعد عنه .

ولكنَّ عبارة الشّيخ رحمه الله في الخلاف تدلّ على أنّ القرءاة أحوط ، لا أنَّها متعيّنة ، حيث قال : (إنَّ القراءة إذا نسيها أحوط) ، وفي المبسوط وافق المشهور ، حيث قال فيه بالتخيير .

ثمَّ إنّه قدِ استُدل للمشهور بإطلاق نصوص التخيير ، فإنّها تشمل هذه الصّورة .

وأمّا ما نسب للشّيخ رحمه الله في الخلاف فقد يستدلّ له ببعض الرّوايات :

منها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (قال : سألتُه عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته ، قال : لا صلاة له إلَّا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات ... ) .[2]

وفيها أوَّلاً : أنَّها ظاهرة في العامد فلا تشمل النّاسي .

وثانياً : لو فرضنا شمولها للناسي فإنَّ المقصود بها نفي الصّلاة عند الإخلال بها في موضعها المقرّر لها شرعاً ، وموضعها المقرّر لها شرعاً هو الرّكعتان الأولييان على ما دلّت عليه الأخبار .

وأمَّا الأخيرتان فقد جعل فيهما التسبيح ، كما في جملة من الأخبار .

وعليه ، فلا يفهم من قوله عليه السلام : (لا صلاة له إلَّا أنْ يقرأ فيها ... ) إلَّا نفيها عند الإخلال بها في محلّها الذي أوجبها الشّارع فيه عيناً ، دون سائر المواضع التي لم يشرّعها فيها أصلاً ، أو شرعها ولكن لا على سبيل التعيين ، بل التخيير ، فكما لا يفهم من الصّحيحة أنّه لو نسيها في الأوليين يجب عليه الإتيان بها عند تذكُّره في أثناء التشهُّد كذلك لا يفهم منها أنّه يجب الإتيان بها عيناً إذا تذكّرها في الأخيرتين ، بل مقتضى الصّحيحة هو بطلان الصّلاة عند تركها في ذلك المحلّ نسياناً ، لولا حديث : (لا تعاد الصّلاة ) .[3]

ومنها : ما في غوالي اللآلئ (قال : قال النّبيّ (صلى الله عليه وآله) : لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب[4] ) ، والكلام فيه هو الكلام في الصّحيحة المتقدّمة ، فلا حاجة للإعادة ، إلّا أنّه ضعيف بالإرسال .

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (قال : قلتُ له : رجل نسي القراءة في الأولتين ، فذكرها في الأخيرتين ، فقال : يقضي القراءة والتكبير والتسبيح الذي فاته في الأولتين ، ولا شيء عليه( .[5]

والاستدلال بها يتمّ بناءً على رواية صاحب الحدائق رحمه الله ، بزيادةٍ في الأخيرتين ، بعد قوله : ( في الأولتين) ، وقبل قوله : (ولا شيء عليه) ، أي يقضي ما فاته في الأولتين في الأخيرتين .

وظاهرها حينئذٍ وجوب تدارك جميع ما فاته في الأولتين من القراءة والتكبير والتسبيح في الأخيرتين .

وفيه أوّلاً : أنّ الموجود في نسخ الفقيه على تعيّن القراءة للناسي .

وإنَّما تدلّ على وجوب القضاء عليه في الأخيرتين زائداً على ما هو وظيفتها من أحد الأمرين من القراءة والتسبيح .

وثالثاً : أنّها أجنبية عن محلّ البحث ، إذ لم ينقل القول بوجوب القضاء عن أحد من الأعلام .

ورابعاً : أنّها معاوضة بروايتين :

الأولى : صحيحة معاوية بن عمَّار عن أبي عبد الله عليه السلام )قال : قلتُ : الرّجل يسهو عن القراءة في الرّكعتين الأولتين ، فيذكر في الرّكعتين الأخيرتين أنّه لم يقرأ ، قال : أتمّ الرّكوع والسّجود ، قلتُ : نعم ، قال لي : إنّي أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها([6]

ولكن أجيب عنها بأنّ ظاهرها نسيان مجموع القراءة المعتبرة في الأوليين وهي الحمد والسّورة لو سلّمنا ذلك ، إلَّا أنَّها لا تنفي دلالتها على أنّ نسيان القراءة في الأوليين لا يوجب تعيّن القراءة في الأخيرتين ، ولو كان ذلك موجباً لتعيّن القراءة عليه لكان على الإمام عليه السلام .

بيانه حيث سأله عن حكمه ، فيفهم من جواب الإمام عليه السلام ، ولو من باب السّكوت في مقام البيان أنَّ نسيان القراءة في الأوليين ليس موجباً لتعيّن شيء في الأخيرتين .

الثانية : موثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام )قال : إنَّ نسي أن يقرأ في الأولى والثانية أجزأه تسبيح الرّكوع والسّجود ، وإن كانت الغداة فنسي أن يقرأ فيها فليمضِ في صلاته[7] حيث ظاهرها الاجتزاء عن القرءاة المنسية في الأوليين بتسبيح الرّكوع والسّجود فيهما .

 


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج6، ص127، أبواب القراءة في الصلاة، الباب51، ح14، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج6، ص88، أبواب القراءة في الصلاة، الباب6، ح88، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج6، ص91، أبواب القراءة في الصلاة، الباب6، ح91، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج6، ص37، أبواب القراءة في الصلاة، الباب1، ح1، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، العاملي، ج6، ص94، أبواب القراءة في الصلاة، الباب30، ح6، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج6، ص125، أبواب القراءة في الصلاة، الباب51، ح8، ط آل البیت.
[7] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج6، ص91، أبواب القراءة في الصلاة، الباب29، ح3، ط آل البیت.