الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع : القراءة في الصَّلاة(13)

 

كما يؤيِّد هذا الاحتمال كون قراءة عليّ وأهل بيته (عليهم السلام) أيضاً بحسب الظّاهر كقراءة أُبيّ بن كعب وابن مسعود وابن عباس من القراءات المعروفة بين الناس .

والإنصاف : أنّه لو كان المتعيّن قراءة أُبيّ ، أو أبيه (عليهم السلام) ، لكان ذلك معروفاً عندنا ، ولَمَا كان مخفيّاً بهذا الشّكل ، ولَمَا نقل الإجماع بالتواتر على جواز القراءة بالقراءات السّبع ، ولَمَا قامت السّيرة القطعيّة على جواز القراءة بكلّ قراءة كانت معروفة في زمانهم (عليهم السلام) .

ومن هنا لا بدّ أن تحمل هذه الصّحيحة على بعض المحامل أو يردّ علمها إلى أهلها ، وهم أدرى بها ، والله العالم بحقائق أحكامه .

 

قوله : (ويجب تقديم الفاتحة على السُّورة)[1]

المعروف بين الأعلام أنَّه يجب تقديم الفاتحة على السُّورة ، وفي الجواهر : (بلا خلاف أجده فيه ... ) ؛ وقدِ ادَّعى جماعة من الأعلام الإجماع على ذلك .

والإنصاف : أنَّ المسألة متسالم عليها بين جميع المسلمين قاطبةً ، بحيث أصبحت من الضّروريات .

ومع ذلك فقدِ استُدل لها ببعض الرّوايات :

منها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (قال : سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته ، قال : لا صلاة له ، إلّا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات ... )[2] [3] ، بناءً على أنّ الموجود في النسخة (يبدأ بها) بدل (يقرأ) .

ولكنَّ الإنصاف : أنَّ الموجود في النسخ المصحَّحة هو (يقرأ) لا (يبدأ) ، ولا أقل من إختلاف النسخ ، فلا يمكن الاعتماد على واحدة منها بالخصوص .

ومنها : موثّقة سماعة (قال : سألتُه عن الرّجل يقوم في الصّلاة فينسى فاتحة الكتاب - إلى أن قال : - فَلْيقرأها ما دام لم يركع ، فإنَّه لا قراءة حتَّى يبدأ بها في جهر أو إخفات) [4] ، وهي واضحة الدَّلالة ، لِقوله عليه السلام : (حتى يبدأ بها) ، كما أنَّها موثقة ، ولا يضرّها الإضمار ، لأنّ مضمرات سماعة مقبولة .

ومنها : رواية الفضل بن شاذان عن الرّضا عليه السلام (أنّه قال : أمر النّاس بالقراءة في الصّلاة لئلّا يكون في القرآن مهجوراً مضيَّعاً - إلى أن قال : - وإنَّما بدأ بالحمد دون سائر السُّور ... ) [5] ، وهي واضحة الدّلالة جدّاً ، ولكنَّها ضعيفة ، لأنَّ في إسناد الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله إلى الفضل بن شاذان عدّة من الأشخاص مجهولي الحال .

 

قوله : (فيعيد المخالِف عامداً ، لا ساهياً ، بل يستدرك ما لم يركع)

تقديم السُّورة على الحمد تارةً يكون عن عمد ، وأخرى عن نسيان ، وثالثةً عن جهل .

ولكن سيتضح لك أنَّ الجهل إنْ كان صاحبه غير معذور فيه فيلحق بالعامد ، كما في الجهل البسيط ، وإن كان صاحبه معذرواً فيه - كما في الجهل المركب - فحكمه حكم الناسي في هذه المسألة لاتّحاد الدّليل فيها .

إذا عرفت ذلك فنقول : أمَّا في المسألة الأولى ، أي التقديم عمداً ، فقد ذهب جماعة من الأعلام إلى عدم بطلان الصَّلاة ، بل يعيد السُّورة بعد الحمد .

وبالمقابل ذهب جماعة من الأعلام ، منهم الشّهيدان والمحقّق الثاني رحمهما الله إلى بطلان الصَّلاة مع العمد ، بل في الجواهر (لم أجد أحداً صرَّح بالصّحّة قبل الأردبيلي ، فيما حكي عن مجمعه وبعض أتباعه ... )[6] .

والإنصاف : هو القول بالبطلان لِصدق الزّيادة بمجرد الإتيان بالسّورة قبل الحمد بقصد الجزئيّة ، فيشمله قوله عليه السلام في موثّقة أبي بصير : (مَنْ زاد في صلاته فعليه الإعادة) [7] .

ولا يتوقِّف صدق الزّيادة على الإتيان بالسّورة ثانياً بعد الحمد ، بل المناط فيها هو الإتيان بشيءٍ أثناء الصَّلاة بقصد الجزئيّة ، وهو صادق فيما نحن فيه .

ثمّ لا فرق في البطلان من جهة الزّيادة ، سواء قلنا بوجود السّورة في الصّلاة أم باستحبابها ، خلافاً للمصنّف رحمه الله في الذّكرى ، حيث قال : (ولو لم نوجب السّورة لم يضرّ التقديم على الأقرب ، لأنَّه أتى بالواجب وما سبق قرآن لا يُبطِل الصَّلاة ؛ نعم لا يحصل له ثواب قراءة السّورة بعد الحمد ، ولا يكون مؤدِّياً للمستحبّ)[8] ؛ ووافقه السَّيد الحكيم رحمه الله في المستمسك .

ولكنَّ الإنصاف : هو عدم الفرق في صدق الزّيادة بين الوجوب والاستحباب ، هذا كلّه إنْ أتى بها بقصد الجزئيّة .

وأمَّا إذا أتى بها بقصد قراءة القرآن الكريم أو الذِّكر المطلق ، فلا موجب للبطلان .

ثمَّ إنَّه قدِ استُدلّ للبطلان أيضاً بدليل آخر غير الزّيادة ، وهو صدق القِران إذا أتى بالسُّورة بعد الحمد .

وفيه أوَّلاً : أنَّ القِران غير مبطل على الأقوى ، كما سيتضح لك إنَّ شاء الله تعالى .

وثانياً : أنَّ صدقه على مثل المقام - وهو فيما لو كان الفاصل بين السُّورتين الحمد - محلّ تأمّل جدّاً ، لا سيّما على تقدير إعادة تلك السّورة التي قدّمها على الفاتحة بعينها .

وأمَّا المسألة الثانية - وهي فيما لو قدَّم السُّورة سهواً ونسياناً - : فإنْ تذكّر بعد الرّكوع فلا شيء عليه ، والصَّلاة محكومة بالصحّة ، لصّحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (لا تعاد الصَّلاة إلّا من خمسة ... ) .

ومخالفة الترتيب ليس من الخمس المستثناة ، وإن كان التذكُّر قبل الرّكوع فلا إشكال أيضاً في صحّة الصّلاة ، ولا تضرّ الزّيادة السَّهويَّة ، لأنَّ حديث لا تعاد حاكم على موثَّقة أبي بصير المتقدِّمة (مَنْ زاد في صلاته فعليه الإعادة) .

نعم ، يجب إعادة السورة بعد الحمد لِعدم تحقّق الامتثال ، فإنَّ السُّورة المأمور بها لم يأتِ بها في محلّها ، والمأتي به قبل الحمد لم يُؤمَر به ، فلم يتحقّق الامتثال والإجزاء ، لِعدم انطباق المأتي به على المأمور به ، فلا بدّ من الإعادة .

لكنْ قد يُقال : بعدم وجوب إعادة السّورة ، وذلك لِرواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (قال : سألتُه عن رجل افتتح الصَّلاة ، فقرأ سورة قبل فاتحة الكتاب ، ثمَّ ذكر بعدما فرغ من السّورة ، قال : يمضي في صلاته ، ويقرأ فاتحة الكتاب فيما يستقبل) [9] .

وجه الاستدلال بها : أنَّها دالَّة على الاكتفاء بالفاتحة وحدها في هذه الرّكعة ، من غير حاجة لإعادة السّورة .

 


[1] الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشهید الاول، ج1، ص171.
[2] الوسائل باب1 من أبواب القراءة في الصلاة ح3.
[3] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج6، ص37، أبواب القراءة في الصلاة، ب1، ح1، ط آل البیت.
[4] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج6، ص38، أبواب القراءة في الصلاة، ب1، ح2، ط آل البیت.
[5] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج6، ص38، أبواب القراءة في الصلاة، ب1، ح3، ط آل البیت.
[6] جواهر الكلام، الشيخ محمّدحسن النّجفي، ج9، ص338.
[7] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج8، ص231، أبواب الخلل في الصَّلاة، ب19، ح2، ط آل البیت.
[8] الذكرى، الشهيد الأول، ص188.
[9] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج6، ص89، أبواب القراءة في الصلاة، ب18، ح4، ط آل البیت.