الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/04/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القراءة في الصَّلاة (4)

 

وأمَّا ما حُكي عن ابن الجنيد رحمه الله - من أنَّها آية في الفاتحة ، وفي غيرها افتتاح لها - فيشهد له جملة من الرِّوايات :

منها : صحيحة محمَّد بن مسلم (قال : سألتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن الرَّجل يكون إماماً فيستفتح بالحمد ، ولا يقرأ {بسم الله الرّحمان الرحيم} فقال : لا يضرّه ، ولا بأس به )[1] .

ومنها : رواية زكريا بن إدريس القميّ (قال : سألتُ أبا الحسن الأوَّل (عليه السَّلام) عن الرَّجل يصلّي بقوم يكرهون أنْ يجهر {بسم الله الرحمان الرحيم} فقال : لا يجهر) [2] ، ولكنَّها ضعيفة لعدم وثاقة زكريا بن إدريس القميّ ، وقول النجاشي في ترجمة أبيه : (وكان وجهاً) لا يرجع إلى زكريا ، بل إلى أبيه .

ومنها : صحيحة عبد الله بن عليّ الحلبيّ ، ومحمَّد بن عليّ الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (أنَّهما سألاه عمَّن يقرأ {بسم الله الرحمان الرحيم} حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب ، قال : نعم ، إن شاء سرّاً ، وإن شاء جهراً ، فقالا : أفيقرؤها مع السُّورة الأخرى ، فقال : لا) [3] ، وكذا غيرها من الرِّوايات .

وأجاب عن ذلك صاحب المدارك بقوله : (والحقّ أنَّ هذه الرِّوايات إنَّما تدلّ على عدم وجوب قراءة البسملة عند قراءة السّورة ، وربّما كان الوجه فيه عدم وجوب قراءة السّورة كما هو أحد قولي الأصحاب ، ولا دلالة لها على كونها ليست آية من السّورة ، كما هو ظاهر كلام ابن الجنيد ... )[4] .

أقول : ما ذكره لا بأس به لو لم يكن قرينة على حملها على التقيّة .

والظاهر هو الحمل على التقية ، كما لا يخفى على المتأمِّل في الرّوايات ، لا سيَّما أنَّ في بعضها ترك البسملة حتَّى في الفاتحة ، كما في حسنة مسمع البصريّ (قال : صليتُ مع أبي عبد الله (عليه السَّلام) فقرأ {بسم الله الرحمان الرحيم ، الحمد لله رب العالمين } ثمَّ قرأ السّورة التي بعد الحمد ، ولم يقرأ {بسم الله الرّحمان الرحيم} ، ثمَّ قال في الثانية : فقرأ الحمد ، ولم يقرأ {بسم الله الرحمان الرحيم} ثمَّ قرأ سورة أخرى) [5] .

 

قوله : (ويجب سورة كاملة معها في مواضع تعيّنها)[6]

المعروف بين الأعلام جواز الاقتصار على الحمد في النوافل مطلقاً إلَّا في بعض النوافل التي اعتبر فيها سورة ، خاصّة في صلاة جعفر ونحوها ، على تأمّل في المستثنى .

وأيضاً المعروف بينهم جواز الاقتصار على الحمد في حال الاضطرار كالخوف ، ومع ضيق الوقت بحيث إنْ قرأ السّورة خرج الوقت ، ومع عدم إمكان التعليم .

وإنّما الخلاف في وجوب السّورة مع السّعة والاختيار ، وإمكان التعلّم ، فقد ذهب جماعة كثيرة من الأعلام إلى وجوب سورة كاملة مع الحمد ، وفي الذّكرى : (على المشهور بين الأصحاب)[7] .

 

وفي الجواهر : (وفاقاً للمشهور بين الأصحاب شهرةً عظيمةً كادت تكون إجماعاً ، بل ربّما ظهر من بعضهم ، كالمحكيّ عن عبارة التهذيب في قراءة {والضّحى} ، وغيره أنَّها كذلك ، بل في صريح الغنية وعن الانتصار والوسيلة وشرح القاضي لجمل العلم والعمل : الإجماع عليه ، كما عن الأمالي نسبته إلى دين الإماميَّة ، وفي ظاهر مصابيح الطباطبائي أو صريحه الإجماع عليه)[8] .

وذهب الشَّيخ رحمه الله في النهاية إلى الاستحباب ، وهو اختيار ابن الجنيد وسلَّار (رحمهما الله) ، ومال إليه المحقِّق رحمه الله في المعتبر ، والعلَّامة رحمه الله في المنتهى .

وعليه جمع من متأخِّري المتأخِّرين ، كصاحب المدارك ، والفاضل الخراساني في الذخيرة ، وغيرهما .

إذا عرفت ذلك فقدِ استُدلّ للمشهور القائل بوجوب سورة كاملة بالأدلَّة الثلاثة :

الأوَّل : الإجماعات المنقولة المعتضدة بالشّهرة العظيمة ، ومواظبة الشِّيعة على الإتيان بالسّورة كاملةً ، تبعاً لأئمتهم (عليهم السَّلام) في جميع الأعصار والأمصار .

وفيه - ما ذكرناه في أكثر من مناسبة - : أنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد ليس بحجَّة .

نعم ، الإجماعات المنقولة المعتضدة بالشّهرة ، وعمل الشيعة ، يفيد مرتبة عالية من الظنّ ، إلَّا أنَّه ما لم يصل إلى مرتبة الاطمئنان لا يكون حجّة وإن كان يصلح للتأييد .

الثاني : الآية الشريفة {فاقرؤوا ما تيسّر منه}[9] فإنَّ الأمر ظاهر في الوجوب ، و{ما تيسّر} عامّ يوجب قراءة كلّ ما تيسّر ، لكن وجوب الزائد على مقدار الحمد والسّورة منفيّ بالإجماع ، فيبقى وجوب السّورة سالماً عن المعارِض .

وفيه : ما ذكرناه سابقاً عند الاستدلال بها على وجوب الحمد ، حيث ذكرنا أنَّ وجوبها من السّنة ، لا من الكتاب ، وإلَّا لكانت ركناً كالرّكوع والسّجود .

وعليه ، فالأمر محمول على الاستحباب ، فراجع ما ذكرناه .

الثالث : الأخبار الكثيرة ، منها صحيحة منصور بن حازم (قال : قال أبو عبد الله (عليه السَّلام) : لا تقرأْ في المكتوبة بأقلّ من سورة ، ولا بأكثر) [10] .

وأشكل صاحب المدارك رحمه الله على هذه الصّحيحة بقوله : (إنَّ في طريقها محمَّد بن عبد الحميد ، وهو غير موثّق ، مع أنَّ النهي فيها وقع عن قراءة الأقلّ من سورة ، والأكثر وهو في الأكثر محمول على الكراهة على ما سنبيّنه ، فيكون في الأقلّ كذلك ، حذراً من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه)[11] .

أقول : أمَّا إشكاله من جهة السَّند ففي غير محلّه .

والظّاهر أنَّه استند في عدم توثيق محمَّد بن عبد الحميد بن سالم العطّار إلى كلام العلّامة رحمه الله في الخلاصة ، وما كتبه جدّه الشّهيد الثاني رحمه الله في حواشيها ، حيث قال العلَّامة رحمه الله في الخلاصة : (محمَّد بن عبد الحميد بن سالم العطار أبو جعفر ، روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه السَّلام) ، وكان ثقةً من أصحابنا الكوفيين)[12] ، فكتب الشّهيد الثاني رحمه الله في الحاشية : (هذه عبارة النجاشيّ ، ظاهرها أنَّ الموثّق الأب ، لا الإبن ... )[13] .

والإنصاف : أنَّ التوثيق راجع إلى الإبن لا إلى الأب ، لأنَّ عبارة العلَّامة هي بعينها عبارة النجاشيّ .

 


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج6، ص62، أبواب القراءة في الصَّلاة، ب12، ح5، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج6، ص60، أبواب القراءة في الصَّلاة، ب12، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج6، ص61، أبواب القراءة في الصَّلاة، ب12، ح2، ط آل البيت.
[4] مدارك الأحكام، السيد محمّدالموسوي العاملي، ج3، ص341.
[5] وسائل الشيعة، العاملي، ج6، ص62، أبواب القراءة في الصَّلاة، ب12، ح4، ط آل البيت.
[6] الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشهید الاول، ج1، ص171.
[7] الذكرى، الشهيد الأول، ص186.
[8] جواهر الكلام، الشيخ محمّدحسن النّجفي، ج9، ص331.
[9] المدثر/السورة74، الآية20.
[10] وسائل الشيعة، العاملي، ج6، ص61، أبواب القراءة في الصَّلاة، ب4، ح2، ط آل البيت.
[11] مدارك الأحكام، السيد محمّدالموسوي العاملي، ج3، ص350.
[12] خلاصة الاقوال، العلامة الحلي، ج1، ص257.
[13] الفوائد الرجالية، السيد بحر العلوم، ج3، ص287.