الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/03/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع :القنوت في الصَّلاة (7)

 

والإنصاف : هو الاجتزاء بمطلق الذِّكر والدُّعاء ، فيجزي سبحان الله مرةً واحدةً ، أو اللَّهم اغفر لي ، أو اللَّهم صلِّ على محمَّد وآل محمَّد مرةً واحدةً ، وذلك تمسكا بإطلاق ما في الأدلَّة من أنَّه يُقال فيه ما يقدر الله على اللسان ، وأنَّه لا توقيت فيه ، لا كمّاً ولا كيفاً .

ثمَّ الأَولى الابتداء بالصَّلاة على النبيّ صلى الله عليه وآله قبل القنوت ، ففي صحيحة أبان بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : إذا دعا أحدكم فَلْيبدأ بالصَّلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله) فإنَّ الصَّلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله) مقبولة ، ولم يكن الله ليقبل بعض الدُّعاء ويردّ بعضاً)[1] .

كما أنَّ الأفضل ختم القنوت بها ، كما في صحيحة صفوان الجمال عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : كلّ دعاء يدعا الله عزوجل به محجوب عن السَّماء حتَّى يصلِّي على محمَّد وآل محمَّد) [2] .

وهاتان الصَّحيحتان وإن وردتا في الدُّعاء فلا تشمل مطلق القنوت غير المشتمل على الدُّعاء .

إلَّا أنَّ الإنصاف : أنَّه يستفاد منهما حكم القنوت مطلقاً من جهة بعد التفكيك في القبول بينه وبين الصَّلاة أيضاً ، والله العالم .

 

قوله : (والتكبير له في الأصحّ)[3]

هذا هو المعروف بين الأعلام ، وفي الجواهر : (بلا خلاف أجده فتوًى ونصّاً ، إلَّا ما يُحكى عن عليّ بن بابويه ، والمفيد في آخر عمره ... )[4] ، قال الشَّيخ في الاستبصار - بعد نقل الأخبار الدَّالة على الاستحباب - : (هذه الرِّوايات التي ذكرناها ينبغي أن يكون العمل عليها ، وبها كان يفتي شيخنا المفيد قدس سره قديما ، ثمَّ عنَّ له في آخر عمره ترك العمل بها ، والعمل على رفع اليدين بغير تكبير ، والأول أولى لوجود الرّوايات بها ، وما عدا هذا لست أعرف به حديثاً أصلاً)[5] .

أقول : يدلّ على استحباب التكبير له بعض الرّوايات :

منها : حسنة معاوية بن عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : التكبير في الصَّلاة - الفرض الخمس صلوات - خمس وتسعون تكبيرة ، منها تكبيرات القنوت خمس ) [6] .

ومنها : رواية الصباح المزني (قال : قال أمير المؤمنين (عليه السَّلام) : خمس وتسعون تكبيرة في اليوم والليلة للصّلوات ، منها تكبير القنوت) [7] .

ولكنَّها ضعيفة لاشتراك موسى بن عمر الواقع في السَّند بين الثقة وغيره ، وإن كان يغلب على الظنّ أنّه موسى بن عمر بن يزيد الصّيقل غير الموثّق .

لا يقال : إنَّ رجوع مثل الشَّيخ المفيد (رحمه الله) لا يكون إلّا عن نصّ وإن لم يصل إلينا .

فإنَّه يقال : إنَّ الشَّيخ المفيد (رحمه الله) وإن كان لا يفتي إلّا عن دليل إلَّا أنَّ هذا الدَّليل الذي وصل إليه ولم يصل إلينا لا بدّ من ملاحظته ، ولعلَّه بنظرنا لا يدلّ على الاستحباب ، أو يدلّ إلَّا أنَّه ضعيفة من جهة السَّند .

والخلاصة : أنَّ ما عليه المشهور هو الأقوى ، والله العالم .

 

قوله : (ورفع اليدين تلقاء وجهه ، وقال المفيد : يحاذي بهما صدره ، وجعل بطونهما إلى السَّماء مبسوطتين ، ويفرّق الإبهامين)

يقع الكلام في أمرين :

الأوَّل : هل رفع اليدين مأخوذ في مفهوم القنوت ، أم لا .

الثاني : في كيفيَّة رفع اليدين .

أمَّا الأمر الأوَّل : فالمشهور بين الأعلام أنَّ رفع اليدين ليس شرطاً في القنوت .

وعليه ، فلم يؤخذ في مفهومه رفع اليدين ، بل هو مستحبّ في القنوت ، كاستحباب رفع اليدين حال التكبير .

وعن جماعة من الأعلام الميل إلى دخوله في مفهومه ، منهم صاحب الجواهر (رحمه الله) ، وعن السَّيد محسن الحكيم والسَّيد أبو القاسم الخوئي (رحمهما الله) الجزم في دخوله في مفهوم القنوت ، وهو الإنصاف .

ويستفاد ذلك من عدة أمور :

الأوَّل : موثَّقة عمار السَّاباطي (قال : قلتُ لأبي عبد الله (عليه السَّلام) أخاف أنَّ أقنت وخلفي مخالفون ، فقال : رفعك يديك يجزي ، يعني رفعهما كأنّك تركع) [8] ، ويحتمل أنَّ يكون قوله : (يعني ... ) من كلام الرّاوي ، أو من الشَّيخ الطوسي (رحمه الله) ، لأنَّ صاحب الوسائل (رحمه الله) رواها عن الشَّيخ في التهذيب .

ووجه الاستدلال بها : أنَّ الاجتزاء برفع اليدين في مقام التقيَّة كاشف عن دخوله في مفهومه ، فإنَّه لمَّا لم يتمكن من رفع اليدين للتقيَّة اجتزأ عنه برفعهما مُوهِماً إرادة التكبير للرّكوع قاصداً أداء مسمَّى القنوت .

وبالجملة ، لو لم يكن له دخل في مفهوم القنوت لكان أولى بالسُّقوط في مقام التقيَّة من سقوط نفس الدُّعاء أو الذِّكر الذي لا ينافي التقية أصلاً ، أو لم يكن معه رفع اليدين ، خصوصاً في الصَّلاة الإخفاتيَّة ، مع أنَّه سقط الدُّعاء أو الذِّكر في الموثَّقة ولم يسقط الرَّفع ، وإنَّما اجتزأ عنه برفع اليدين للتكبير في الرُّكوع قاصداً بهما مسمَّى القنوت .

ومنها : رواية عليّ بن محمّد بن سليمان المتقدّمة (قال : كتبتُ إلى الفقيه (عليه السَّلام) أسأله عن القنوت ، فكتب : إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين ، وقل ثلاث مرات : بسم الله الرحمان الرحيم) [9] ، وهي ظاهرة في أنّ رفع اليدين معتبر في القنوت ، ولكن يجوز تركه عند الضرورة .

ولكنَّها ضعيفة لعدم وثاقة عليّ بن محمّد بن سليمان النوفلي .

ومنها : الأخبار الدَّالة على سقوطه في حال التقيّة ، خصوصاً في الصّلوات الإخفاتيّة التي لولا رفع اليدين حاله لا يعرف كونه آتياً بالقرآن ، بل وكذا الجهريّة إذا قرأ في القنوت القرآن ، أو أتى ببسم الله الله الرحمان الرحيم ، كما ورد الأمر به في الرّواية المتقدّمة ، لأنَّهم يجوِّزون قراءة القرآن بما شاء الله ، ولا يمنعون عن القرآن ، فلو قرأ بعد فراغه من السُّورة عدَّة آيات من القرآن الكريم - ما لم يكن بهيئة القنوت - لا يكون منافياً للتقيَّة ، بل مناسباً لها .

وبالجملة ، فيفهم من هذه الأخبار أنَّه لم يكن المقصود بالقنوت في زمن الأئمة (عليهم السلام) إلَّا ما هو المتعارف عندنا الذي هو منافٍ للتقيَّة ، وهو العمل الخاص المشتمل على الدُّعاء ، أو الذِّكر ، أو قراءة القرآن مع رفع اليدين ، لا مطلق الدُّعاء أو الذِّكر .


[1] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج7، ص96، أبواب الدعاء، ب36، ح14، ط آل البیت.
[2] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج7، ص92، أبواب الدعاء، ب36، ح1، ط آل البیت.
[3] الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشهید الاول، ج1، ص170.
[4] جواهر الكلام، الشيخ محمّدحسن النّجفي، ج10، ص372.
[5] الإستبصار، شيخ الطائفة، ج1، ص337.
[6] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج6، ص18، أبواب تكبيرة الإحرام، ب5، ح1، ط آل البیت.
[7] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج6، ص18، أبواب تكبيرة الإحرام، ب5، ح3، ط آل البیت.
[8] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج6، ص282، أبواب القنوت، ب12، ح2، ط آل البیت.
[9] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج6، ص282، أبواب القنوت، ب12، ح3، ط آل البیت.