الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
38/03/26
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع :القنوت في الصَّلاة (6)
قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى : (قد تقدَّمت كلمات الفرج في أحكام الأموات ، ويجوز أنْ يقول فيها هنا : وسلام على المرسلين ، ذكر ذلك هنا جماعة من الأصحاب ، منهم المفيد وابن البراج وابن زهرة ، وسُئِل عنه الشَّيخ نجم الدين في الفتاوى فجوَّزه ، لأنَّه بلفظ القرآن ، مع ورود النقل) .
وفي المدارك : (ولا ريب في الجواز ، لكنْ جعله في أثناء كلمات الفرج ، مع خروجه عنها ، ليس بجيد) [1] .
أقول : قد عرفت أنَّ الزَّيادة وردت في مرسلة الفقيه ، وبما أنَّها ضعيفة فلم تثبت حينئذٍ بدليل معتبر .
أضف إلى ذلك أنَّه ورد النهي عنها في قنوت الجمعة ، قال الشَّيخ (رحمه الله) في المصباح : (روى سليمان بن حفص المروزي عن أبي الحسن عليّ بن محمّد الرّضا (عليه السَّلام) - يعني الثالث - قال : قال : لا تقلْ في صلاة الجمعة في القنوت : وسلام على المرسلين)[2] ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال ، وبجهالة المروزي .
والإنصاف : أنَّه يجوز قولها في القنوت ، لا من باب أنَّها كلمات الفرج ، بل من باب قصد القرآن بها .
وأمَّا احتمال المنع عنها لاحتمال كونها من التسليم المحلّل ، ففيه ما فيه ، لأنَّ ما ورد من أنَّ تحليلها التسليم ناظر إلى إثبات المحللية بالتسليم ، لا إلى الكيفيَّة .
مضافاً إلى أنَّ المعروف بين الأعلام ، بل هو مقطوع به ، أنَّ المحلّل منحصر بقولك : السَّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أو السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ثمَّ إنَّك عرفت أنَّ في حسنة زرارة تقديم لا إله إلا الله الحليم الكريم على لا إله إلَّا الله العلي العظيم ، وفي حسنة الحلبي عكس ذلك .
والإنصاف : هو التخيير .
نعم ، يؤيِّد حسنة زرارة خبر عبد الله بن ميمون القدّاح عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : كان أمير المؤمنين (عليه السَّلام) إذا حضر أحد من أهل بيته الموت ، قال له : قل لا إله إلَّا الله الحليم الكريم ، لا إله إلَّا الله العلي العظيم ، سبحان الله رب السَّماوات السَّبع ، وما بينهما (بينهن) وربّ العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين ، فإذا قالها المريض قال : اِذهب فليس عليك بأس) [3] ، وهو ضعيف بسهل بن زياد .
ويؤيِّده أيضاً رواية أبي بصير المتقدِّمة (القنوت يوم الجمعة - إلى أن قال : - لا إله إلَّا الله الحليم الكريم ، لا إله إلَّا الله العليّ العظيم ... ) [4] ، وهي ضعيفة بالإرسال .
ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ ظاهر النصوص عدم اعتبار لفظ مخصوص في القنوت ، بل يجوز ما يجري على لسانه من الذكر والدَّعاء والمناجاة وطلب الحاجات ، وقراءة القرآن الكريم ، خصوصاً الآيات المشتملة على الدُّعاء ، كقوله تعالى : {ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}[5] ، ففي صحيحة إسماعيل بن الفضل (قال : سألتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن القنوت ، وما يقال فيه ، قال : ما مضى الله على لسانك ، ولا أعلم فيه شيئاً موقّتاً) [6] .
وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) () أنَّهُ سُئِلَ خ ل) عَنِ القُنُوتِ فِى الوَترِ هَل فِيهِ شَيء مُوَقَّت (يُتَّبَعُ خ ل) وَيُقالُ ، فَقالَ: لاَ ، اثنِ عَلَى اللّهِ عَزَّوَجَلَّ ، وَصَل ّ عَلَى النَّبيِّ ، وَاستَغفِر لِذَنبِكَ العَظيمِ ، ثُمَّ قالَ: كُلُّ ذَنبٍ عَظيم) [7] .
وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (أنَّه سأله عن القنوت ، فيه قول معلوم ؟ فقال : اثنِ على ربِّك ، وصلِّ على نبيِّك ، واستغفر لذنك) [8] .
وفي مرفوعة محمَّد بن إسماعيل بن بزيع بإسناده يرفع الحديث إلى أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال : سبعة مواطن ليس فيها دعاء موقَّت : الصَّلاة على الجنائز ، والقنوت ، والمستجار ، والصَّفا والمروة ، والوقوف بعرفات ، وركعتا الطَّواف) [9] ، ولكنَّها ضعيفة بالرفع ، وبإبراهيم بن إسحاق .
ورواية أبي بكر بن أبي سماك (قال : صلّيت خلف أبي عبد الله (عليه السَّلام) الفجر ، فلما فرغ من قراءته في الثانية جهر بصوته نحواً ممَّا كان يقرأ ، وقال : اللَّهمَّ اغفر لنا وارحمنا وعافنا ، واعفُ عنَّا في الدنيا والآخرة ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير) [10] ، وأبو بكر هو إبراهيم بن أبي سماك محمَّد بن الرّبيع واقفي ثقة .
وفي إسناد الشيخ الصَّدوق (رحمه الله) إليه يوجد شخص اسمه عثيم ، فإن كان المراد منه عثمان بن عيسى كما لا يبعد فيكون ثقة ، وتكون الرِّواية موثقة ، وإن كان عيثم - بتقديم الياء على الثاء - فيكون ضعيفاً ، فتكون الرِّواية ضعيفة .
وقال المصنِّف في الذكرى : (واختار ابن أبي عقيل الدُّعاء بما روي عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام) في القنوت : اللَّهمَّ إليك شخصت الأبصار ، ونقلت الأقدار ، ورفعت الأيدي ، ومدت الأعناق ، وأنت دعيت بالألسن ، وإليك سرهم ونجواهم في الأعمال ، ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ وأنت خير الفاتحين ، اللَّهمَّ إنَّا نشكو إليك غيبة نبينا ، وقلَّة عددنا ، وكثرة عدونا ، وتظاهر الأعداء علينا ، ووقوع الفتن بنا ، ففرِّج ذلك ، اللَّهمَّ بعدل تظهره ، وإمام حقٍّ نعرفه ، إله الحق آمين ربّ العالمين) .[11]
قال : (وبلغني أنَّ الصَّادق (عليه السَّلام) كان يأمر شيعته أن يقنتوا بهذا بعد كلمات الفرج)[12] ، قال ابن الجنيد (رحمه الله) (وأدناه ربِّ اغفر وارحم وتجاوز عمَّا تعلم ... )[13] .
أقول : ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام) هو مرسل ، لم يثبت بطريق معتبر .
هذا ، والمعروف بين الأعلام أنَّ أقلَّ القنوت من حيث الكمّ ثلاث تسبيحات ، ففي رواية أبي بكر بن أبي سماك عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) - في حديث - (قال : يجزي من القنوت ثلاث تسبيحات) [14] ، وهي ضعيفة ، لأنَّ معاوية الرَّاوي عن أبي بكر بن أبي سماك مشترك بين عدَّة أشخاص ، فيهم الثقة والضعيف .
وفي بعض الرِّوايات خمس تسبيحات ، كما في رواية أبي بصير[15] ، ومرسلة حريز[16] .
لكنَّ الأُولى ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة ، وجهالة القاسم بن محمَّد الجوهري .
والثانية ضعيفة بالإرسال .
وفي رواية عليّ بن محمد بن سليمان (قال : كتبتُ إلى الفقيه أسأله عن القنوت ، فكتب إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين ، وقل ثلاث مرات : بسم الله الرحمان الرحيم) [17] ، وهي ضعيفة بجهالة الكاتب عليّ بن محمّد بن سليمان .
ولا يخفى أنّه مع قطع النَّظر عن ضعف السَّند فهذه الرِّوايات محمولة على الترتيب في الفضل .