الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/03/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع :القِيام في الصَّلاة (13)

 

ولكنَّها ضعيفة ، لأنَّ في السَّند عدَّة من الأشخاص ، بعضهم ضعيف ، كالحسن بن علي بن أبي حمزة وأبيه ، وبعضهم مجهول كأحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي .

ومنها : مرسلة الفقيه (قال : وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : المريض يصلِّي قائماً ، فإنْ لم يستطع صلَّى جالساً ، فإن لم يستطِع صلَّى على جنبه الأيمن ، فإن لم يستطِع صلَّى على جنبه الأيسر ، فإنْ لم يستطِع استقلى وأومأ إيماءً ، وجعل وجهه نحو القبلة ، وجعل سجوده أخفض من ركوعه)[1] ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال .

ومنها : رواية دعائم الإسلام ، حيث ورد في ذيلها (فإنْ لم يستطِع أن يصلِّي جالساً صلَّى مضطجعاً لجنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة ، فإن لم يستطِع أن يصلِّي على جنبه الأيمن صلَّى مستلقياً ورجلاه ممَّا يلي القبلة يومئ إيماءً) [2] ، وهي أيضاً ضعيفة بالإرسال .

ومنها : موثقة عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : المريض إذا لم يقدر أن يصلِّي قاعداً كيف قدر صلَّى ، إمَّا أن يوجّه فيومِئ إيماءً ، وقال : يوجّه كما يوجّه الرَّجل في لحده وينام على جانبه الأيمن ، ثمَّ يومِئ بالصَّلاة ، فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنَّه له جائز ، وَلْيستقبل بوجهه القبلة ، ثمَّ يومِئ بالصَّلاة إيماءً ) [3] .

ومنها : ما عن المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر (أنَّه قال : روى أصحابنا عن حمَّاد عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) قال : المريض إذا لم يقدر أن يصلِّي قاعداً يوجّه كما يوجّه الرّجل في لحده ، وينام على جانبه الأيمن ، ثمَّ يومِئ بالصَّلاة ، فإن لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر فإنَّه جائز ، ويستقبل بوجهه القبلة ، ثمَّ يومِئ بالصَّلاة إيماءً) [4] .

ونقل المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى والشَّهيد الثاني (رحمه الله) في الرَّوض هذه الرِّواية عن حمَّاد .

وظاهر الفاضل الخراساني في الذخيرة أنَّ هذه الرِّواية هي رواية عمَّار المذكورة ، وأنَّ المحقق (رحمه الله) في المعتبر أسندها إلى حمَّاد وتبعه الشَّهيدان ، حيث قال - بعد موثَّقة عمَّار المذكورة - : (وفي متن هذه الرِّواية اضطراب ، ونقلها في المعتبر بوجه آخر ، وتبعه على ذلك الشَّهيدان ، وهو هكذا : المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعداً يوجَّه كما يوجَّه الرَّجل في لحده ؛ وهي على هذا الوجه تسلم من الاضطراب ، وأسندها إلى حمَّاد ، وهي كذلك في بعض نسخ التهذيب)[5] .

قال صاحب الحدائق (رحمه الله) : (وظنِّي بعدما تمحّله ، وما أدري ما الحامل له على ذلك ، مع أنَّ المحقِّق في المعتبر كثيراً ما ينقل أخباراً زائدةً على ما في الكتب الأربعة من الأصول التي عنده ما ذكره من التعلّل بالاضطراب ، وأنَّه برواية المحقِّق تسلم من الاضطراب ، فلا يخفى على المتتبع لروايات عمَّار ما في كثير منها من الغرائب والاضطراب ، كما نبهنا عليه في غير موضع ممَّا تقدَّم ، ونسخ المعتبر ، وكذا كتابي الشَّهيدين متّفقة على حمَّاد دون عمَّار ؛ وبالجملة ، فالظاهر عندي أنَّها رواية مستقلة متناً وسنداً) .

أقول : لا يهمّنا كثيراً البحث عن كونها روايةً مستقلةً ، أو هي نفس رواية عمَّار ، لأنَّه على القول بأنَّها رواية مستقلة فهي ضعيفة بالإرسال لِعدم ذكر المحقِّق (رحمه الله) طريقه إلى حماد .

وعلى القول بأنَّها نفس رواية عمَّار فتأخذ حكمه حينئذٍ .

ومهما يكن ، فهذه الأخبار المستفيضة متّفقة الدَّلالة على وجوب الاضطجاع عند العجز عن الجلوس .

ولكن في مقابل هذه الرِّوايات يوجد بعض الرِّوايات دلَّت على أنَّ مَنْ عجز عن الصَّلاة من جلوس صلَّى مستقلياً لا مضطجعاً :

منها : رواية عبد السَّلام بن صالح الهروي عن الرِّضا (عليه السَّلام) عن آبائه (عليهم السَّلام) (قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا لم يستطِعِ الرَّجل أن يصلِّي قائماً فليصلِّ جالساً ، فإن لم يستطِعْ جالساً فَلْيصلِّ مستلقياً ناصباً رجليه بحيال القبلة يومِئ إيماءً) [6] ، ولكنَّها ضعيفة بجهالة كلٍّ من محمَّد بن عمر الحافظ ، وجعفر بن محمَّد الحسن (الحسيني) ، وعيسى بن مهران .

ورواها أيضاً الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في باب إسباغ الوضوء[7] عن الرِّضا (عليه السَّلام) بسند أغلب رجاله إن لم يكن كلّهم مجاهيل .

ومنها : مرسلة الشَّيخ الصدوق (رحمه الله) (قال : وقال الصَّادق (عليه السَّلام) : يصلِّي المريضُ قائماً ، فإنْ لم يقدِرْ على ذلك صلَّى جالساً ، فإنْ لم يقدِرْ أن يصلِّي جالساً صلَّى مستقلياً ... ) [8] ، وهي ضعيفة بالإرسال .

ومثلها مرسلة محمَّد بن إبراهيم عمَّن حدثه عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) ، إلَّا أنَّه قال : (يصلِّي المريض قاعداً ، فإنْ لم يقدر صلَّى مستلقياً) [9] ، وهي ضعيفة أيضاً بالإرسال ، وبجهالة محمَّد بن إبراهيم.

وهذه الرِّوايات - مضافاً لضعف سندها - يمكن تقييدها بما سبق فتحمل حينئذٍ على صورة العجز عن الاضطجاع ، ومع عدم إمكان الحمل ، ومع فرض صحتها سنداً تحمل على التقيَّة .

ومع عدم صحَّة الحمل على التقيَّة ، وفرض صحتها سنداً يرد علمها إلى أهلها ، إذ لم أرَ مفتياً بها على الإطلاق ، والله العالم .

إذا عرفت ذلك فقدِ اختلف الأعلام - بعد اتفاقهم على أصل الاضطجاع - في أنَّه هل هو مخيَّر بين الجانبين وعند تعذُّره مطلقاً يستقلي أو يتعيَّن الاضطجاع على الجانب الأيمن ، وإذا عجز عنه استلقى ، وهناك عدَّة أقوال :

الأوَّل : أنَّه مخيَّر بين الجانبين ، ذهب إليه جماعة من الأعلام ، منهم المصنِّف (رحمه الله) في الألفيَّة ، والشَّيخ المفيد (رحمه الله) في المقنعة ، والشَّيخ (رحمه الله) في موضع من المبسوط ، وابن حمزة في الوسيلة ، والمحقِّق (رحمه الله) في النافع ، والعلَّامة (رحمه الله) في أكثر كتبه .

الثاني : أنَّه يتعيَّن جانب الأيمن ، فإنْ عجز اضطجع على الجانب الأيسر ؛ ذهب إليه مشهور الأعلام ، بل معظمهم .

الثالث : أنَّه يتعيَّن عليه جانب الأيمن ، فإنْ عجز استقلى .

وهذا القول لم يعرف صاحبه على وجه التعيين ، وربَّما نسب هذا القول للمتقدِّمين نظراً إلى خلوِّ كلمات أغلب القدماء في فتاواهم ، ومعاقد إجماعاتهم المحكية ، عن التصريح بالأيسر ، ممَّا قد يظهر منهم الانتقال إلى الاستلقاء عند تعذُّر الأيمن ، حيث إنَّهم اقتصروا في بيان المراتب على الاضطجاع على الجانب الأيمن ، ثمَّ الاستلقاء .

ومهما يكن ، سواء ذهب المتقدِّمون إلى ذلك ، أم لا ، فالمهمّ بيان الدَّليل ، وما هو الصحيح في المقام؟

أمَّا القول الأوَّل - أي التخيير بين الجانبين - : فقد يستدلّ له بإطلاق الآية الشَّريفة المفسِّرة بما عرفت ، وبإطلاق موثَّقة سماعة الآمرة بالاضطجاع .


[1] وسائل الشیعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج5، ص485، أبواب القيام، باب1، ح15، ط آل البیت.
[2] وسائل الشیعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج5، ص482، أبواب القيام، باب1، ح5، ط آل البیت.
[3] وسائل الشیعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج5، ص483، أبواب القيام، باب1، ح10، ط آل البیت.
[4] وسائل الشیعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج5، ص482، أبواب القيام، باب1، ح4، ط آل البیت.
[5] الحدائق الناضرة، الشيخ يوسف البحراني (صاحب الحدائق)، ج8، ص76.
[6] وسائل الشیعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج5، ص486، أبواب القيام، باب1، ح18، ط آل البیت.
[7] وسائل الشیعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، أبواب الوضوء، باب54، ح4، ط آل البیت.
[8] وسائل الشیعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج5، ص484، أبواب القيام، باب1، ح13 - ذيل ح13، ط آل البیت.
[9] وسائل الشیعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج5، ص484، أبواب القيام، باب1، ح13 - ذيل ح13، ط آل البیت.