الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/01/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع :التكبيرة في الصَّلاة(13)

نعم ، والده عبد الله بن الحسن من شهداء كربلاء ، وكفى به عظمة ومنزلة رفيعة .

وأيضاً الرواية ضعيفة بجهالة عليّ بن الحسين البرقي .

وأمَّا محمَّد بن عليّ ماجيلويه شيخ الصَّدوق (رحمه الله) فهو من المعاريف الكاشف ذلك عن حسنه ووثاقته .

أضف إلى ذلك : أنَّ الرِّواية اشتملت على حرف العطف هكذا : (وأما قوله : والله أكبر) فهي على خلاف المطلوب أدلّ .

نعم ، صاحب الوسائل (رحمه الله) نقلها بدون حرف العطف ، ولكنَّه سهو منه (رحمه الله) ، أو من النُّساخ .

وعليه ، فالدَّليل القويّ على ما ذكرناه هو التسالم بين الأعلام ، ومعه لا تصل النوبة إلى الأصل العملي ، وهو أصل البراءة عن شرطيّة الموالاة أو العربيَّة أو الصيغة الخاصَّة أو أصل البراءة عن مانعيَّة التعريف أو التنكير أو مانعية عكس الترتيب ، ونحوها .

وبالجملة ، لا موقع للأصل العملي في هذا المقام ، وممَّا ذكرنا اتَّضح لك شرطيَّة الموالاة والعربيَّة .

بقي في المقام أمران :

الأوَّل : هل يجوز وصلها بما سبقها من الدُّعاء ، أو لفظ النية ، أو لا يجوز ؟

الثاني : هل يجوز وصلها بما بعدها من الاستعاذة ، أو البسملة ، أو غيرهما ، أو لا يجوز ؟

أما الأمر الأوَّل : فالمشهور بين الأعلام عدم جواز وصل التكبيرة بما سبقها من الدُّعاء ، أو لفظ النيَّة ؟

وعليه ، فلا يجوز حذف الهمزة من (الله) .

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى : (لو وصل همزة (الله) فالأقرب البطلان ، لأنَّ التكبير الوارد من صاحب الشرع إنَّما كان بقطع الهمزة ، ولا يلزم من كونها همزة وصل سقوطها ، إذ سقوط همزة الوصل من خواصّ الدَّرج بكلام متِّصل ، ولا كلام قبل تكبيرة الإحرام ، فلو تكلَّفه فقد تكلَّف ما لا يحتاج إليه ، فلا يخرج اللفظ عن أصله المعهود شرعاً ... )[1] ، ووافقه جماعة كثيرة .

ويرد عليه أمران :

الأول : ما ذكره صاحب المدارك (رحمه الله) من أنَّ المقتضي للسُّقوط كونها في الدَّرج ، سواء كان ذلك الكلام معتبراً عند الشارع ، أم لا ؟

أضف إلى ذلك : أنَّ الشارع اعتبر بعض الكلام قبلها كالتكبيرات الستّ ، وبعض الأدعية الواردة بالخصوص ، مثل (الَّلهم ربَّ هذه الدَّعوة التامَّة والصَّلاة القائمة بلغ محمَّداً (صلى الله عليه وآله) الدَّرجة والوسيلة والفضل والفضيلة ، بالله أستفتح ، وبالله أستنجح ، وبمحمَّد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتوجَّه ، الَّلهم صلِّ على محمَّد وآل محمَّد ، واجعلني بهم عندك وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرَّبين)[2] ، وكذا غيرها من الأدعية الآتية إن شاء الله تعالى .

الثاني : لم يثبت أنَّ النَّبي (صلى الله عليه وآله) لم يأتِ بها إلَّا مقطوعةً عن الكلام السَّابق .

غاية ما هناك أنَّه لم ينقل لنا أنَّ النَّبي (صلى الله عليه وآله) أتى بها موصولة بكلام سابق ، وعدم النقل ليس دليلاً على العدم .

ومن هنا لم يدَّعِ أحد وجوب الوقف ، أو الوصل في سائر المواضع من القراءة ، أو الأذكار ، لأجل التأسِّي وتوقيفيَّة العبادة ، إذ التأسِّي فعل مجمل لا يمكن الاستدلال به لإثبات شيء ، أو نفيه ، شُّك في اعتباره شرعاً .

وما ذكره المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى دليلاً على عدم جواز الوصل ليس أحسن حالاً من التأسِّي ، إن لم يرجع إليه في النهاية .

وقد يُستدلّ لعدم جواز الوصل أيضاً بما ذكره المحقِّق الهمداني (رحمه الله) في مصباحه ، حيث قال : (إنَّه يعتبر في الصَّلاة نصّاً وفتوًى أنْ يبتدأ فيها بالتكبير ، ويفتتح به ، والدرج الموجب لإسقاط الهمزة ينافي جعله ابتداءً لعمله الخارجي الذي نوى به الصَّلاة ... )[3] .

وفيه : أنَّه يكفي القصد في حصول الابتداء به وإن كان في الكلام موصولاً ، ومن المعلوم أنَّ كثيراً من العبادات والمعاملات في الخارج لا يكون التمييز فيها إلَّا بالقصود ، فلو لم يكفِ ذلك لكان على الأعلام التنبيه عليه ، مع أنَّهم نصُّوا على الجواز .

هذا ، وقدِ استَدل السَّيد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله) على المنع من الوصل بصحيحة حمَّاد المعروفة ، حيث ذكر فيها صورة التكبير منفصلةً عن أيِّ شيءٍ قبلها ، ثمَّ قال (عليه السَّلام) في ذَيْلها : (يا حماد ! هكذا صلِّ ، والأمر ظاهر في الوجوب التعييني ... )[4] .

وفيه - ما ذكرناه في أكثر من مناسبة - : أنَّه يبعد جدّاً أن يكون حمَّاد لا يعرف الصَّلاة ، لا سيَّما أنَّه في السِّتين من عمره أو السَّبعين ، وهو من أصحاب الإمام (عليه السَّلام) ، ومن أصحاب الإجماع .

وعليه ، فهي واردة في الآداب والمستحبَّات ، فتعليم الإمام (عليه السَّلام) حمَّاداً الصَّلاة إنَّما هو في الآداب والمستحبَّات ، والله العالم .

والخلاصة إلى هنا : أنَّه لا يوجد دليل قويّ على المنع من الوصل بما قبلها .

وعليه ، فتصل النوبة إلى الأصل العملي ، فمع الشَّكّ في مانعيَّة الوصل ، فالبراءة تقتضي عموم المانعيَّة فيجوز الوصل ، ويترتب عليه سقوط الهمزة ، لأنَّها وقعت في الدَّرج .

نعم ، الأحوط استحباب عدم الوصل ، والله العالم .

الأمر الثاني : في جواز وصلها بما بعدها .

أقول : ذهب جماعة من الأعلام إلى عدم جواز وصلها بما بعدها من الاستعاذة أو البسملة أو غيرهما ، وذلك للتأسِّي بالنَّبي (صلى الله عليه وآله) ، حيث إنَّ المتيقَّن من فعله (صلى الله عليه وآله) هو عدم وصلها بما بعدها .

وفيه - ما عرفته سابقاً - : من أنَّ التأسِّي لا يصلح أن يكون دليلاً .

وعليه ، فمقتضى أصالة البراءة عن مانعيَّة الوصل هو الجواز .

والأحوط استحباب إعراب راء (أكبر) حيث الوصل وإن كان يجوز الوصل بالسُّكون ، على ما ذكرناه في بعض المناسبات .

ثمَّ إنَّ الأحوط الأولى عدم وصلها بما بعدها من الاستعاذة أو البسملة ، كما كان الأحوط الأَولى عدم وصلها بما قبلها ، والله العالم .

    

قوله : (ومع ضيق الوقت يُحرِم بالترجمة ، والألسنة متساوية على الأشبه ، وربَّما يرجّح السِّرياني والعبراني ، ثمَّ الفارسي ، ويجب التعلم طول الوقت)[5]

يقع الكلام في عدَّة أمور :

الأول : في وجوب التعلم .

الثاني : عدم جواز الدُّخول في الصَّلاة قبل التعلُّم .

الثالث : إن لم يمكن التعلُّم وضاق الوقت ، وأمكنه الإتيان بها ملحونة ، هل يتعيَّن عليه ذلك .

الرابع : إذا لم يستطع الإتيان بها حتَّى ملحونةً فهل يسقط التكليف بها ، أو يأتي بترجمتها بلغة أخرى مرادفة للغة العربيَّة .

الخامس : هل الألسنة متساوية ، أو يقدِّم السِّرياني والعبراني ، ثمَّ الفارسي ، وهكذا .

أمَّا الأمر الأوَّل : فلا إشكال في وجوب التعلُّم مع إمكانه ، كما يجب تعلُّم الفاتحة خلافاً لأبي حنيفة فلم يوجب العربية مطلقاً .

ثمَّ إنَّ ما ذكرناه داخل في الوجوب الغيري الشَّرعي ، لتوقُّف الإتيان بتكبيرة الإحرام خارجاً على التعلُّم ، وليس هو من باب وجوب تعلُّم الأحكام حتَّى لا يكون ملاك الوجوب الغيري موجوداً فيه ، ويكون الوجوب حينئذٍ طريقيّاً ، كما هو الصَّحيح في وجوب تعلُّم الأحكام ، أو نفسيّاً تهيئيّاً ، كما هو مبنى بعض الأعلام .

ومهما يكن ، فإنَّ ملاك الوجوب الغيري الشَّرعي موجود في المقام ، إذ الإتيان بالتكبيرة خارجاً متوقِّف على تمرين اللسان على النطق بها صحيحة .

وأمَّا ما ذكره السَّيد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله) من (أنَّ الوجوب هنا من صغريات وجوب تعلُّم الأحكام ، حيث إنَّ المبحوث هناك أعمّ من تعلُّم نفس الأحكام ، أو موضوعاتها المتلقاة من قبل الشارع التي عهدة بيانه عليه ... )[6] ففي غير محلِّه ، لأنَّ وجوب تعلُّم الأحكام ينطبق عليه ملاك الوجوب الطريقي ، لأنَّه وجب لأجل تنجيز الواجب والتعذُّر عنه ، وهذا بخلاف وجوب تمرين اللسان على النطق بها صحيحةً ، فإنَّه ينطبق عليه ملاك الوجوب الغيريّ الشرعيّ ، وهو توقُّف الإتيان تكبيرة الإحرام صحيحاً عليه .

وعليه ، فهما ليسا من باب واحد .

ثمَّ إنَّه يجب السَّعي للتعلُّم وإن استلزم سفراً أو غيره ، كنظائره من المقدِّمات .

نعم ، يسقط في كلِّ مكان تسقط فيه المقدِّمة ، والله العالم .

الأمر الثاني : المعروف بين الأعلام أنَّه لا يجوز له الدُّخول في الصَّلاة مع سعة الوقت ، ورجاء التعلُّم ، كما لا يصحّ له الدُّخول فيها عند فَقْد بعض شرائطها مع رجاء التمكُّن منه ، فلو لم يكن عند المصلِّي ساتر بالفعل واحتمل الحصول عليه ، وكان الوقت واسعاً ، فلا يجوز له الدخول في الصَّلاة بلا ستر حتَّى يعجز عن الحصول عليه .

نعم ، لو عجز في الحال عن التعلُّم ، وعلم باستمرار العجز إلى آخر الوقت ، جاز له الدخول في الصَّلاة بالإتيان بالتكبيرة ملحونةً ، وبترجمتها إذا لم يمكن الإتيان بها ملحونة .

وأمَّا إذا حصل له العجز بالفعل ، وشكَّ في استمراره إلى آخر الوقت ، فيستصحب حينئذٍ بقاء العجز ، بناءً على صحة الاستصحاب الاستقبالي - كما هو الصَّحيح - ويأتي بالصَّلاة ، فإذا ارتفع العجز وأمكنه التعلُّم قبل آخر انتهاء الوقت فيعيد الصَّلاة مع التكبيرة الصَّحيحة ، لعدم إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري فيما لو ارتفع العذر في أثناء الوقت .

الأمر الثالث : إذا ضاق الوقت عن التعلُّم ، وأمكن الإتيان بالتكبيرة ملحونةً في إحدى كلمتيها أو فيهما معاً تعيَّن ذلك ، للتسالم بين الأعلام .

قيل : ولإطلاق ما دلَّ على أنَّ تحريمها التكبير ، وأنَّ مفتاح الصَّلاة التكبير ، فإنَّه شامل للصَّحيح والملحون .

والتقييد بالصحيح جاء من قبل الإجماع أو الانصراف ، وهو يختص بحال القدرة ، فيبقى الإطلاق على حاله في صورة العجز عن التكبير الصحيح ، فيكبر حينئذٍ ملحوناً .


[1] الذكرى، الشهيد الأول، ص178.
[2] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج81، ص375، ط دارالاحیاء التراث.
[3] مصباح الفقيه، آقا رضا الهمداني، ج11، ص439.
[4] موسوعة الامام الخوئي، السيد أبوالقاسم الخوئي، ج14، ص105.
[5] الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشهید الاول، ج1، ص167.
[6] موسوعة الامام الخوئي، السيد أبوالقاسم الخوئي، ج14، ص117.