الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/12/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : النية في الصلاة (4)

تابع شرح عبارة المصنف قدس سره : (ولمَّا كان القصد مشروطاً بعلم المقصود وجب إحضار ذات الصَّلاة وصفاتها الواجبة من التعيين والأداء والقضاء والوجوب ، ثم القصد إلى هذا المعلوم لوجوبه قربة إلى الله)[1]

وفي المقابل ذهب جماعة من الأعلام إلى بطلان العمل بقصد ذلك ، قال الشَّهيد الثاني قدس سره في روض الجنان : (ونقل الشَّهيد في قواعده عن الأصحاب بطلان العبادة بهاتين الغايتين ، أي طلب الثواب ودفع العقاب ، وبه قطع السَّيد رضي الدين ابن طاووس محتجًّا بأنَّ قاصد ذلك إنَّما قصد الرشوة والبرطيل ، ولم يقصد وجه الربّ الجليل ، وهو دالّ على أنّ عمله سقيم ، وأنَّه عبد لئيم .

واختار فيها وفي الذكرى الصحَّة محتجًّا بأنَّ قصد الثواب لا يخرج عن ابتغاء الله بالعمل ، لأنَّ الثواب لمَّا كان من عند الله فمبتغيه مبتغٍ وجه الله ، وأنَّ الغرض بها الله في الجملة ... ) .

وهذا - أي الأخير - هو الصحيح ، فراجع الأدلَّة بالتفصيل على الصحة ، وقد ذكرناها في مبحث نيَّة الوضوء ، وذكرنا هناك أيضاً أنَّه لا يشترط التلفُّظ بالنيَّة بالاتفاق ، بل لا يستحبّ ذلك .

وظاهر المصنِّف قدس سره في الذكرى دعوى الإجماع على عدم استحباب التلفُّظ بها ، حيث قال : (ومحلّ النيَّة القلب ، لأنَّها إرادة ، ولا يستحبّ عندنا الجمع بينه وبين القول ، للأصل ، ولعدم ذكر السَّلف إياه ... ) ، فراجع ما ذكرناه ، فإنَّه مهمّ .

وأمَّا قصد الوجوب أو الندب فقد ذكرنا هناك عدم اشتراط ذلك .

وأمَّا قصد التعيين فلا بدّ منه فيما لو كان التكليف متعدِّداً ، كما في صلاتي الظُّهر والعصر ، فلو أتى بأربع ركعات متقرِّباً إلى الله تعالى من غير قصد عنوان الظُّهر ولا العصر بطل ، ولم يقع امتثالاً لشيء منهما ، وكذا فريضة الفجر ونافلته ، فإذا أتى بذات الرّكعتين من غير قصد شيء من العنوانين بطل ، ولم يقع مصداقاً لشيءٍ منهما .

ثمَّ إنَّ التعيين قد يحصل بغير قصد الظُّهر أو العصر ، قال المصنِّف قدس سره في الذكرى : (ولو نوى فريضة الوقت أجزأ عن نيَّة الظُّهر أو العصر مثلاً لحصول التعيين به ، إذ لا مشارك لها ، هذا إذا كان في الوقت المختصّ ، أمَّا في المشترك فيحتمل المنع لاشتراك الوقت بين الفريضتين ؛ ووجه الإجزاء أنَّ قضيَّة الترتيب يجعل هذا الوقت للأولى ؛ ولو صلَّى الظُّهر ، ثمَّ نوى بعدها فريضة الوقت أجزأ وإن كان في المشترك ... )

ثمَّ إنَّه كما لا يشترط قصد الوجوب أو الندب لا يشترط أيضاً قصد الأداء أو القضاء ، حتَّى أنَّ المحرِّرين للمسألة جعلوا ذلك كلّه مسألة واحدة .

نعم ، إذا توقَّف التعيين على قصد أحدهما وجب ذلك ، كما لا يخفى .

    

قوله : (مقارناً لأوَّل التكبير مستديماً له إلى آخر التكبير فعلاً)

قال المصنِّف قدس سره في الذكرى : (فاعلم أنَّه يجب عند إحضار الذَّات والصِّفات والقصد إليها أنْ يجعل قصده مقارِناً لأوَّل التكبير ، ويبقى على استحضاره إلى انتهاء التكبير ، فلو عزبت قبل تمام التكبير ففي الاعتداد بها وجهان ، أحدهما نعم ، لِعُسر هذه الاستدامة الفعليَّة ، ولأنَّ ما بعد أوَّل التكبير في حكم الاستدامة ، والاستمرار الحكمي كان فيها ، والثاني عدم الاعتداد بها لأنَّ الغرض بها انعقاد الصَّلاة ، وهو لا يحصل إلَّا بتمام التكبير ، ومِنْ ثَمَّ لو رأى المتيمّم الماء في أثناء التكبير بطل تيمّمه ؛ والوجه وجوبه ، إلَّا أنْ يؤدي إلى الحرج ، ومن الأصحاب من جعل النيَّة بأسرها بين الألف والراء ، وهو مع العسر مقتضٍ لحصول أوَّل التكبير بغير نيَّة ... ) .

أقول : أمَّا بالنسبة إلى القول الأخير ، أي جعل النيَّة بأسرها بين الألف والراء .

فيرد عليه - مضافاً لِمَا ذكره المصنِّف قدس سره - أنَّه لو أريد من قوله : (بين الألف والراء ) الاجتزاء بها في هذا الوقت ، وإن كانت بين الباء والراء لزم منه خلو أكثر التكبير عن النيَّة .

ويحتمل أن يريد حصول تمام النيَّة عند همزة لفظ الجلالة ، إلَّا أنَّها تبقى مستمرَّةً إلى الرَّاء فيكون المراد حضورها بين الألف والراء ، وهو مثل سابقه في الإشكال عليه .

وأمَّا ما ذكره المصنِّف قدس سره - من أنَّ وقتها عند أوَّل جُزء من التكبير - فهو المعروف بين الأعلام ، بل في المدارك هذا الحكم ثابت بإجماعنا ، ووافقنا عليه أكثر العامَّة ... ) .

أقول : قد ذكرنا في مبحث نيَّة الوضوء أنَّ الفعل الصَّادر من المكلَّف إنَّما يصدر عنه بالاختيار بعد تصور الفعل ومبادئه وغايته .

ومن المعلوم أنَّ الإنسان يغفل كثيراً أثناء الفعل عن تلك التصوُّرات ، ومع ذلك يصدر عنه الفعل بالاختيار ، وما هذا إلَّا لحصول الداعي في النفس الذي يبعث على التحرُّك .

وبالجملة ، فإنَّ الإنسان إذا أراد أن يفعل فعلاً ما فإنَّه يتصوُّره مع غايته ، وينشأ من تلك التصوُّرات حالة النفس تبعث على فعله خارجاً .

وتلك الحالة تسمَّى بالداعي والباعث ، فإذا اجتمعت تلك التصوُّرات مع الدَّاعي فتسمَّى بالنيَّة الفعليَّة ، وإذا ذهل الإنسان حال العلم عن تلك التصوُّرات ، وبقي الدَّاعي والباعث فيوجد حينئذٍ الاستدامة الحكميَّة .

وعليه ، فمَنْ قال بوجوب مقارنة النيَّة لأوَّل الفعل أراد بذلك النيَّة الفعليَّة ، أي الإرادة التفصيليَّة ، أي الحديث النفسي والصُّورة المخطرة بالبال كما تقدَّم شرحها مفصَّلاً .

 


[1] الينابيع الفقهية، علي أصغر مرواريد، ج28، 608.