الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/07/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأَذان والإقامة (31)

 

= ولكنْ ضعَّفها صاحب المدارك (قدِّس سرُّه) - تبعاً للمحقِّق (قدِّس سرُّه) في المعتبر - قال : (وهي ضعيفة السَّند بجماعة من الفطحيَّة .

لكن قال في المعتبر : إنَّ مضمونها استحباب تكرار الأذان والإقامة ، وهو ذكر الله وذكر الله حسن ، ثمَّ استقرب الاجتزاء بالأذان والإقامة الواقعتين بنيَّة الإفراد .

وأيَّد ذلك بما رواه صالح بن عقبة عن أبي مريم الأنصاري ((قال : صلَّى بنا أبو جعفر - عليه السَّلام - في قميص بلا إزار ولا رداء ، ولا أذان ولا إقامة ، فلمَّا انصرف قلتُ له : عافاك الله ! صلَّيت بنا في قميص بلا إزار ولا رداء ، ولا أذان ولا إقامة ، فقال : إنَّ قميص كثيف فهو يجزئ أن لا يكون عليَّ إزار ولا رداء ، وإنَّي مررت بجعفر وهو يؤذِّن ويقيم ، فلم أتكلّم فأجزأني ذلك))[1] ، قال : وإذا اجتزأ بأذان غيره مع الانفراد ، فبأذانه أَولى) انتهى كلام صاحب المدارك .

وقال المصنِّف (قدِّس سرُّه) في الذكرى - بعد ذكره لموثقة عمار - : (وبها أفتى الأصحاب ، ولم أرَ لها مراراً سوى الشَّيخ نجم الدِّين ، فإنَّه ضعَّف سندها بأنَّهم فطحيَّة ، وقرَّب الاجتزاء بالأذان والإقامة أوَّلاً ، لأنَّه قد ثبت جواز اجتزائه بأذان غيره فبأذان نفسه أولى .

قلت : ضعف السَّند لا يضرّ مع الشَّهرة في العمل والتلقِّي بالقبول والاجتزاء بأذان غيره لكونه صادق نية السَّامع للجماعة ، فكأنَّه أذَّن للجماعة ، بخلاف الناوي بأذانه الانفراد )[2] انتهى كلامه رُفِع في الخلد مقامه .

أقول : قد عرفت أنَّ الرِّواية موثَّقة ، ولا يضرُّها كون السَّند من رجال الفطحيَّة بعد كونهم ثقات ، بل بعضهم أو أكثرهم رجع عن الفطحيَّة إلى إمامة موسى الكاظم - عليه السَّلام - ، لأنَّ عبد الله الأفطح ابن الإمام الصَّادق - عليه السَّلام - عاش بعد أبيه سبعين يوماً فقط ، على ما ذكره جملة من الأعلام ، فأغلب أتباعه رجعوا عن القول بذلك .

وأمَّا شهرة العمل ، والتلقي بالقبول : فهما يصلحان للتأييد فقط ، لِمَا عرفت أنَّ الشُّهرة العمليَّة عند المتقدِّمين لا تجبر ضعف السَّند .

ومن هنا تعرف أنَّ ما ذهب إليه المحقِّق (قدِّس سرُّه) في المعتبر - من استقراب الاجتزاء بالأذان والإقامة الواقعتَيْن منه بنيَّة الانفراد مع تأييده لذلك برواية أبي مريم الأنصاري - في غير محلِّه ، مع أنَّ رواية أبي مريم الأنصاري ضعيفة بعدم وثاقة صالح بن عقبة ، بل قال العلَّامة (قدِّس سرُّه) في الخلاصة : (إنَّه كان كذَّاباً غالياً لا يلتفت إليه)[3] [4] .

ولكنَّك عرفت أنّ توثيقات المتأخِّرين وتضعيفاتهم تصلح للتأييد فقط ، لا للاستدلال ، كما أنَّه يمكن منع الأولويَّة المستفادة من رواية أبي مريم ، واحتمال الفرق بقصده - عليه السَّلام - الجماعة التي هي إمامها ، وعدم معلوميَّة انفراد الإمام الصَّادق - عليه السَّلام - .

والإنصاف : هو العمل بموثَّقة عمَّار من عدم الاجتزاء بالأذان والإقامة المأتي بهما بنيَّة الانفراد لصلاة الجماعة ، واستحباب إعادتهما .

وأما ما يظهر من الموثَّقة من عدم جواز الاجتزاء ، ووجوب الإعادة ، محمول على ما ذكرناه جمعاً بينهما ، وبين غيرهما ، ممَّا دلَّ على عدم الوجوب ، والله العالم .

 

*****************

 

قوله : (ويسقط استحباب الأذان في عصر عرفة وعشاء مزدلفة وعصر الجمعة ، وربَّما قِيل : بكراهته في الثلاثة ، وخصوصاً الأخيرة ، وبالغ مَنْ قال : بالتحريم وسقوط الأذان هنا لخصوصية الجماع ، لا للمكان والزمان ، بل كلّ مَنْ جمع بين الصَّلاتين لم يؤذِّن ثانياً على المشهور ، بل الأذان لصاحبة الوقت ، فإن كان الوقت للثانية أذَّن لها ، وصلى الأولى بإقامة ، ثمَّ أقام للثانية)[5]

يقع الكلام في أربعة أمور :

الأوَّل : في سقوط الأذان لصلاة العصر يوم الجمعة إذا جمعها المكلَّف مع صلاة الجمعة أو ظهر الجمعة ، وكذا عصر عرفة إذا جمعها مع الظُّهر ، وكذا الحال في عشاء مزدلفة إذا جمعها مع المغرب ، بل يقع الكلام في هذا الأمر فيما لو جمع بين الفرضين سواء يوم الجمعة أو غيره من سائر الأيام ، وسواء بين الظُّهرين أو العشاءين ، فهل يسقط الأذن للثانية أم لا ؟

الأمر الثاني : هل سقوط الأذان للثانية رخصة ، أم عزيمة ؟

 

الأمر الثالث : على القول بالسُّقوط في صورة الجمع ، وعدم التفريق بين الصلاتين ، كيف يحصل التفريق بينهما ، وهل يكفي فيه فِعْل النافلة ، أو بعض التعقيبات ، أم لا .

الأمر الرابع : هل الأذان لصاحبة الوقت كما ذكره المصنِّف (قدِّس سرُّه) ، أم أنَّه للأولى مطلقاً ، أو لهما معاً .

إذا عرفت ذلك فقد تقدَّم أنَّ مقتضى إطلاقات الأدلَّة وعموماتها استحباب الأذان لكلٍّ من الفرائض الخمس مطلقاً ، أي سواء أتى وحدها ، أم جمع بينهما وبين غيرها ، وهذا هو الأصل في المقام .

وعليه ، فالسُّقوط يحتاج إلى دليل ، وقدِ اختلف الأعلام في أذان العصر يوم الجمعة فأطلق الشَّيخ (قدِّس سرُّه) في المبسوط سقوطه ، وهو ظاهر الشَّيخ المفيد (قدِّس سرُّه) في المقنعة على ما نقله الشَّيخ (قدِّس سرُّه) في التهذيب ، وقال ابن إدريس (قدِّس سرُّه) : (إنَّه يسقط عمَّن صلَّى الجمعة ، دون من صلَّى الظُّهر) .

ونقل عن المفيد (قدِّس سرُّه) في الأركان وابن البراج (قدس سرُّهما) : أنَّهما استحبَّا الأذان لعصر يوم الجمعة كغيره من الإمام ، قال (قدِّس سرُّه) في المدارك : (وهو اختيار المفيد - قدِّس سرُّه - في المقنعة على ما وجدته فيها ، قال - بعد أن أورد تعقيب الأُولى ثمَّ قُمْ فأذِّن للعصر ، وأقم الصَّلاة ، قال - : (وإلى هذا القول ذهب شيخنا المعاصر سلَّمه الله تعالى ، وهو المعتمد لإطلاق الأمر الخالي من التقييد ... )[6] .

أقول : قدِ استُّدل لسقوط الأذان في عصر يوم الجمعة بعدَّة أدلَّةٍ :

منها : موثَّقة حفص بن غياث عن جعفر - عليه السَّلام - عن أبيه - عليه السَّلام - (الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة) [7] .

هذا ، وقد أشكل صاحب المدارك (قدِّس سرُّه) على هذه الرِّواية : (بأنَّها ضعيفة السَّند ، قاصرة الدَّلالة ، فلا تصلح لمعارضة الأخبار الصَّحيحة المتضمنة لمشروعيَّة الأذان في الصَّلوات الخمس...).

وفيه : أنَّ الرِّواية موثَّقة ، فإنَّ حفص بن غيَّاث ورد في حقِّه مثل ما ورد في السَّكوني من أنَّ الطَّائفة عملت برواياته ، كما ذكره الشَّيخ (قدِّس سرُّه) في كتاب العدَّة .

وقدِ استفدنا من هذا الكلام أنَّ العمل من جهة كونه ثقة ، فلا إشكال من جهة السَّند .

 

وأمَّا من جهة الدَّلالة : فما ذكره صاحب المدارك (قدِّس سرُّه) في محله ، لأنَّ الاستدلال بها مبنيّ على تفسير الأذان الثالث بأذان العصر ، إمَّا باعتبار كونه ثالثاً لأذاني الفجر والظُّهر ، أو لكونه ثالثاً للأذان لصلاة الظُّهر والإقامة لها .

ولكنَّ الأقرب - كما ذكره بعض الأعلام - : هو حمله على الأذان الثاني للظُّهر الذي قِيل : إنَّه ابتدعه عثمان ، لبعد بيته عن المسجد ، فكانوا يؤذِّنون أوَّلاً في بيته ، وثانياً في المسجد ، وقِيل : إنَّ المبتدع معاوية .

ومهما يكن ، فالرِّواية مجملة لا يصحّ الاستدلال بها .

ومنها : الإجماع كما عن الغنية والسَّرائر والمنتهى .

وفيه : ما ذكرناه في أكثر من مناسبة أنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد غير حجَّة ، لعدم كونه مشمولاً لأدلَّة حجيَّة خبر الواحد .

أضف إلى ذلك : أنَّ ابن إدريس (قدِّس سرُّه) المدعي للإجماع إنَّما خُصَّ السُّقوط بمَنْ صلَّى الجمعة دون الظُّهر ، كما هو اختيار صاحب الجواهر (قدِّس سرُّه) .

وبالجملة ، فمع قطع النَّظر عن تحقّق هذا الإجماع فإنَّ الكبرى غير ثابتة ، وهي حجيَّة الإجماع المنقول بخبر الواحد .

ومنها : ما ذكره الشَّيخ (قدِّس سرُّه) في التهذيب من الاستدلال لذلك بصحيحة الرهط ، منهم الفُضيل وزرارة عن أبي جعفر - عليه السَّلام - (أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظُّهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين) [8] .

واعترض على هذا الاستدلال صاحب المدارك (قدِّس سرُّه) بأنَّ الصَّحيحة إنَّما تدلُّ على جواز ترك الأذان للعصر والعشاء ، مع الجمع بين الفرضين في يوم الجمعة وغيره ، وهو خلاف المدَّعى .

ويرد عليه : أنَّ إشكاله إنَّما يتمُّ لو أُرِيد بها الاستدلال لِسقوط أذان العصر في خصوص يوم الجمعة لا غير .

ولكنَّ استشهاد الشَّيخ (قدِّس سرُّه) بهذه الصَّحيحة يشهد بأنَّ غرضه إثبات سقوطه يوم الجمعة عند الإتيان بما هو وظفيته من الجمع بين الصَّلاتين في أوَّل الوقت من حيث الجمع ، لا من حيث كونه في يوم الجمعة ، فلا خصوصيَّة للزمان ولا للمكان ، كما في يوم عرفة وعشاء المزدلفة ، كما سيأتي - إن شالله تعالى - .

ثمَّ إنَّ النكتة في تخصيص عصر يوم الجمعة بالذكر : هو استحباب المبادرة إلى فعلها عقيب الظُّهر بلا فصل ، بخلاف سائر الأيام ، كما أنَّه يفهم منِ استشهاده بهذه الصَّحيحة أنَّ غرضه السُّقوط في صورة الجمع ، لا مطلقاً أي حتَّى مع التفريق .

كما يؤيِّد ذلك : ما عن المعتبر من أنَّه قال : (يجمع يوم الجمعة بين الظُّهرين بأذان وإقامتين ، قاله الثلاثة وأتباعهم ، لأنَّ الجمعة يجمع فيها بين الصَّلاتين)[9] ، وكلامه واضح في أنَّ غرضهم السُّقوط في صورة الجمع ، لا مطلقاً ، وإنَّ علة السُّقوط الجمع من حيث هو ، لا من حيث كونه في يوم الجمعة.

وهذا هو الإنصاف عندنا ، فلا يختصّ السُّقوط بيوم الجمعة ، ولا بعصر عرفة وعشاء مزدلفة ، بل في كلّ مورد جمع فيه بين الفرضين .

ونحو هذه الصَّحيحة في الدَّلالة على ما ذكر صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق - عليه السَّلام - (أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظُّهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علَّة بأذان واحد وإقامتين) [10] .

ونحوها أيضاً صفوان الجمَّال (قال صلَّى بنا أبو عبد الله - عليه السَّلام - الظُّهر والعصر عندما زالت الشَّمس بأذان وإقامتين) ، وقال : (إنِّي على حاجة فتنفَّلوا) [11] ، ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة الفضل بن محمَّد ، وجهالة أبي يحيى بن أبي زكريا ، والوليد بن أبان .


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص391، أبواب الأذان والإقامة، باب30، ح2، ط آل البیت.
[2] الذكرى، الشهيد الأول، ص174.
[3] مدارك الأحكام، السيد محمد بن علي الموسوي العاملي، ج3، ص268.
[4] خلاصة الاقوال، العلامة الحلي، ج1، ص360.
[5] الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشهید الاول، ج1، ص165.
[6] مدارك الأحكام، السيد محمد بن علي الموسوي العاملي، ج3، ص264.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص400، أبواب الأذان والإقامة، باب49، ح1، ط آل البیت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص223، أبواب الأذان والإقامة باب36، ح2، ط آل البیت.
[9] المعتبر، المحقق الحلي، ج2، ص136.
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص220، أبواب المواقيت باب32، ح1، ط آل البیت.
[11] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص220، أبواب المواقيت باب31، ح2، ط آل البیت.