الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/07/24
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : الأَذان والإقامة (30)
= وذهب بعض الأعلام إلى الثاني ، منهم المصنِّف رحمه الله في الذكرى ، حيث قال : (فرع : الأقرب أنَّه لا فرق بين المسجد وغيره ، وذكره في الرِّواية بناءً على الأغلب)[1] .
أقول مقتضى الإنصاف : هو الاختصاص بالمسجد .
والسرُّ فيه : أنَّ الرِّوايات الواردة في المقام - أي : من حيث السُّقوط وعدمه - كلُّها موردها المسجد إلَّا رواية أبي بصير الضعيفة فإنَّها مطلقة ، وبما أنَّه لا يصحّ العمل بها لِضعفها فيتعيَّن الأخذ بالباقي .
والقول بأنَّ ذِكْر المسجد في الرِّوايات من باب الأغلب يحتاج إلى قرينة ، ولا سيَّما أنَّ المسألة على خِلاف الأصل ، إذ الأصل عدم السُّقوط عن الجماعة الثانية إذا لم تتفرَّق الأُولى ، والله العالم .
قوله : (وتجتزأ الجماعة بأذان غيرهم وإقامته)[2]
قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (يجوز للإمام والمصلِّين خلفه الاجتزاء بأذان مؤذِّن المسجد ، أو المؤذِّن في المِصر إذا سمعوه ، إذ كان النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ومَنْ بعده يفعلون ذلك ... ) .
أقول : هذا هو المعروف بين الأعلام بل في المدارك هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ... ) .
وقدِ استُدلَّ له بعدَّةِ رواياتٍ :
منها : رواية أبي مريم الأنصاري (قال : صلَّى بنا أبو جعفر (عليه السلام) في قميص بلا إزار ولا رداء ، ولا أذان ولا إقامة - إلى أن قال : - فقال : وإنِّي مررتُ بجعفر وهو يؤذِّن ويقيم ، فلم أتكلم ، فأجزأني ذلك)[3] ، ولكنَّها ضعيفة بصالح بن عقبة ، ووجوده في كامل الزيارات لا ينفع ، لأنَّه ليس من مشايخه المباشرين .
ومنها : رواية عَمْرو بن خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) (قال : كنَّا معه فسمع إقامةَ جارٍ له بالصَّلاة ، فقال : قوموا فقمنا ، فصلَّينا معه بغير أذان ولا إقامة ، قال : ويجزيكم أذان جاركم) [4] ، والرِّواية ضعيفة لا من جهة الحسين بن علوان فإنَّه موثَّق ، ولا من جهة عَمْرو بن خالد فهو ثقة أيضاً ، بل من جهة أبي الجوزاء المنبه بن عبد الله ، فإنَّ قول النجاشي في حقه أنَّه صحيح الحديث هو أعمّ من التوثيق ، لأنَّ الصحَّة عند المتقدِّمين غير الصحَّة عند المتأخِّرين .
نعم ، لو كان الحديث مأخوذاً من كتاب المنبّه بن عبد الله لما كان هناك إشكال من هذه الجهة ، ولكنَّه هنا واقع في السَّند .
وعليه ، فلا يعتمد على هذه الرِّواية ، وقال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (والطريق وإن كان رجاله زيديَّة إلَّا أنَّه معتضد بعمل السَّلف ... ) .
وفيه : ما ذكرناه من أنَّ عمل مشهور المتقدِّمين بروايةٍ ضعيفةٍ لا يجبر ضعفها .
ومنها : صحيحة بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال : إذا أذَّن مؤذِّن فنقص الأذان - وأنت تريد أن تصلِّي بأذان - فأتمَّ ما نقص هو من أذانه ... ) [5] .
قال صاحب المدارك (فإنَّه يدلّ على الاجتزاء بسماع الأذان المتروك منه بعض الفصول مع الإتيان كما هو ظاهر ... )[6] .
ولكن قد يشكل الاستدلال بهذه الصحيحة ، حيث يمكن القول بأنَّها واردة في مؤذِّن الجماعة الذي يكون المؤذِّن إمامها ، فإنَّه لا إشكال في الاجتزاء بأذانه مع إتمام مع نقص ، فتكون خارجة عن محلّ الكلام .
ومنها : أنَّ الإمام الصَّادق (عليه السلام) كان يؤذِّن ويقيم غيره ، وكان يقيم ويؤذِّن غيره ، كما في مرسلة إسماعيل بن جابر (أنَّ أبا عبد الله كان يؤذِّن ويقيم غيره ، وكان يقيم وقد أذَّن غيره) [7] .
وفي مرسلة الفقيه (قال : كان عليٌّ (عليه السلام) يؤذِّن ويقيم غيره ، وكان يقيم وقد أذَّن غيره ) [8] .
وفيهما أوَّلاً : أنَّهما ضعيفتان بالإرسال .
وثانياً : أنَّهما خارجتان عن محلِّ الكلام ، إذ موردهما صلاة الجماعة ، وهما دالَّتان على عدم اشتراط اتِّحاد المؤذِّن والمقيم .
والخلاصة إلى هنا : أنَّ الرِّوايات الواردة في المقام بعضها صحيح ودلالته غير تامَّة ، وبعضها تامّ الدَّلالة ، ولكنَّه ضعيف السَّند ، ولم يبق عندنا إلَّا التسالم بين الأعلام إذ لم أجد مخالفاً في أصل المسألة .
ثمَّ إنَّ المعروف بينهم أيضاً عدم الفرق في المؤذِّن بين كونه مؤذِّنَ مصرٍ أو مسجدٍ ، أو منفرداً ، لإطلاق روايتي أبي مريم الأنصاري وعَمْرو بن خالد .
وجزم الشَّهيد الثاني رحمه الله باختصاص الحكم بمؤذِّن الجماعة والمِصر ، ومنع من الاجتزاء بسماع أذان المنفرد بأذانه ، وهو ما عدا مؤذِّن الجماعة والمِصر .
أقول : لا إشكال في شمول رواية عَمْرو بن خالد للمنفرد .
وكذا رواية أبي مريم الأنصاري ، ولكنَّك عرفت أنَّهما ضعيفتان سنداً ، والتسالم بين الأعلام على أصل المسألة دليل لبّي يقتصر فيه على القدر المتيقن ، وهو أذان غير المنفرد .
ثمَّ إنَّ المشهور بين الأعلام عدم الفرق في السَّامع للأذان ، هذا بين الإمام والمأموم ، والمنفرد ، فإنَّ روايتي أبي مرين وعَمْرو بن خالد وإن كان موردهما الجماعة ، فلا يشملان المنفرد ، إلَّا أنَّ الأعلام عمَّموا الحكم للمنفرد بما ذكره المصنِّف رحمه الله بالذكرى ، حيث قال : (وفي اجتزاء المنفرد بهذا الأذان نظر ، أقربه ذلك ، لأنَّه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى ... ) .
وقد قطع صاحب الجواهر رحمه الله بمساواة المنفرد للإمام في الاجتزاء بالسّماع .
ثمَّ قال : (وإن كان المفروض في عبارة الأكثر الإمام إلَّا أنَّ الظَّاهر كون ذلك منهم تبعاً للنصّ لا لإرادة عدم اجتزاء غيره ، ولقد أجاد أوَّل الشَّهيدَيْن ، وثاني المحقّقَيْن بدعوى أنَّ ذلك من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى ... )[9] .
وفيه : ما عرفته من أنَّ الدَّليل على أصل المسألة - وهو التسالم - هو دليل لبّي ، فيقتصر فيه على القدر المتيقن ، وهو الإمام ، لا سيَّما أنَّ الحكم على خلاف الأصل ، هذا كلّه في الأذان .
وأمَّا في الإقامة فقد ذكر جماعة من الأعلام أنَّ الحكم فيها كالحكم في الأذان ، فيجزي سماع الإقامة عنها ، لظّهور الرِّوايتين المتقدمتين في ذلك ، ولكنَّك عرفت ضعفهما سنداً ، فإن كان هناك تسالم بينهم فيعمل به ، وإلَّا - كما هو الظَّاهر حيث اقتصر الأكثر على الأذان - فلا ، والله العالم .
*********************
قوله : (مع أنَّه لو أذَّن بنيَّة الانفراد ، ثمَّ أراد الجماعة ، لم يجزئه الأوَّل ، واستأنف ، واجتزأ به في المعتبر وهو نادر)
في المدارك : (هذا الحكم ذكره الشَّيخ في النهاية والمبسوط ، وأتباعه ...)[10] وفي الحدائق : (الظَّاهر أنَّه لا خلاف بين الأصحاب في أنه لو أذَّن المنفرد ، ثمَّ أراد الصَّلاة جماعةً ، فإنَّه يعيد أذانه وإقامته ... )[11] .
أقول : قدِ استُدلّ لذلك - مضافاً إلى إطلاق ما دلَّ على استحبابهما للجماعة - بموثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - (قال : سُئِل عن الرَّجل يؤذِّن ويقيم ليصلِّي وحده ، فيجيء رجل آخر فيقول له : نصلّي جماعةً ، هل يجوز أن يصلِّيا بذلك الأذان والإقامة ؟ قال : لا ، ولكن يؤذِّن ويقيم) [12] ، وهي واضحة الدَّلالة ، كما أنَّها موثَّقة لا إشكال في السَّند .