الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/07/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأَذان والإقامة (29)

 

وعليه ، فدعوى الشُّهرة والمعظم على اختصاص السُّقوط بالجماعة عهدتها على مدَّعيها ، بل ليس فيما ذكرناه من الرِّوايات المتقدِّمة تعرُّض لاعتبار الجماعة أصلاً ، سوى موثقة زيد ، وظهورها - ولو بالمفهوم - في اشتراط السقوط بالجماعة ، على وجهٍ تُعارِض ظاهر باقي الرِّوايات ، محلُّ المنع جدّاً .

بل يمكن دعوى كون المراد أنَّ لكما الخيار في صلاة الجماعة ، أي إنَّكما إنْ شئتما أن يؤمَّ أحدكما صاحبه ولا يؤذن ولا يقيم فافعلا ، فإنَّ ذلك لكما في هذا الحال ، وإن لم يؤمَّ أحدكما صاحبه ، فلا بأس حينئذٍ .

بقي عندنا أمران :

الأول : في معنى تفرّق الصُّفّ أو الصُّفوف .

الثاني : هل يكون الحكم هنا مقصوراً على المسجد ، أو عام له ولغيره .

أمَّا الأمر الأوَّل : فهل أنَّ المدار على تفرُّق الجميع بحيث يبقى السُّقوط مع بقاء الواحد ، أو على بقاء الجميع بحيث إذا مضى واحد يسقط السُّقوط ، أو على الأكثر تفرّقاً وبقاءً بمعنى تحقُّق السُّقوط مع بقائهم ، وعدمه مع تفرقهم ، أو على العرف في صِدق التفرُّق وعدمه ، من غير ملاحظة شيء من ذلك .

ذهب جماعة من الأعلام إلى الأوَّل ، وجماعة أخرى إلى الثالث ، وجماعة ثالثة إلى الأخير .

ولكي يتضح لا بدَّ من الرُّجوع إلى الرِّوايات المتقدِّمة ، فنقول : أمَّا موثَّقة زيد بن علي فهي مطلقة ، أي مفادها عدم الفرق في السُّقوط بين تفرّق الصُّفوف وعدمه .

وأمَّا رواية أبي عليّ فهي دالَّة على القول الأوَّل ، أي إنَّه مع انصراف بعضهم وبقاء بعض آخر يسقط الأذان والإقامة ، ولكنَّها ضعيفة السَّند كما عرفت .

وأمَّا روايتا أبي بصير فهما دالَّتان على القول الثاني ، حيث علّق الأَذان فيهما على تفرّق الصفّ (وإن كان تفرّق الصفّ أذَّن أقام ) .

والتفريق يصدق بذهاب بعضهم وبقاء بعض ، وحينئذٍ فيؤذِّن ويقيم في هذه الصُّورة ، ولا يترك الأذان والإقامة إلَّا مع بقائهم جميعاً الذي هو مصداق عدم التفرّق ، وبما أنَّ إحدى الرِّوايتين موثَّقة - كما عرفت - فيتعيَّن الأخذ بها ، وبذلك يكون إطلاق موثَّقة زيد بن علي مقيَّداً بموثَّقة أبي بصير .

وممَّا يؤيِّد : موثَّقة أبي بصير رواية زيد النرسي المتقدِّمة ، فإنَّ ظاهرها هو أنَّك إذا أدركت الجماعة ، وقد انصرف القوم ، أي فرغوا من الصَّلاة ووجدت الإمام مكانه ، وأهل المسجد لم يتفرَّقوا - يعني : لم يخرجوا من المسجد - بل بقوا مشتغلين بالتعقيب والذِّكر ، فإنَّه يجزئك أذانهم وإقامتهم ، وإذا وافيتهم وقد فرغوا من صلاتهم - وهم جلوس لغير التعقيب ، بل لأمور أُخَر - فأقِم بغير أذان .

وإن وجدتهم قد تفرَّقوا ، وخرج بعضهم من المسجد ، فأذِن وأقِم .

ولكن الذي يرد على هذه الرِّواية أمران :

الأوَّل : أنَّها ضعيفة - كما عرفت - لِعدم وثاقة زيد النرسي .

وثانياً : أنَّها فصَّلت بين صورتين في الحكم مع اتِّحداهما موضوعاً ، وهو عدم خروجهم من المسجد ، حيث يسقط الأذان والإقامة إذا بقوا مشتغلين بالتعقيب والذكر ، وإذا جلسوا ولم يتشغلوا بالتعقيب فيسقط الأذان فقط ، وهذا التفصيل غريب لم يلتزم به أحد من الفقهاء ، والله العالم .

وأمَّا الأمر الثاني : وهو كون الحكم مقصوراً على المسجد ، أو كونه عامّاً له ولغيره ؟

ذهب جماعة من الأعلام إلى الأوَّل ، منهم المحقِّق في المعتبر والنافع ، والشَّهيد الثاني ، واختاره صاحب المدارك (قدس الله أسرارهم) .