الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/07/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأَذان والإقامة (22)

 

أمَّا لو كانت على الأذان المأتي به لصلاة الأجير لغرضٍ للمستأجر في ذلك ، كأن يريد أن يصلِّي بصلاته ، أو نحو ذلك من الأغراض الدنيويَّة والأخرويَّة ، فلا يتمّ ذلك .

والخلاصة : أنَّ مقتضى القاعدة عدم حرمة أخذ الأجرة على الأذان الصَّلاتي .

وأمَّا أذان الإعلامي : فلا إشكال في جواز أخذ الأجرة عليه ، إذ لا يشترط فيه قصد التقرُّب حتَّى يتنافى ذلك مع الدليل الأوَّل الذي ذكر لحرمة أخذ الأجرة على الأذان الصَّلاتي ، كما أنَّه لا ريب في عدم ظهور الأدلَّة في اعتبار المباشرة فيه حتَّى يتنافى ذلك مع الدليل الذي ذكر لحرمة أخذ الأُجرة على الأَذان الصَّلاتي .

وعليه ، فيبقى عموم الإجارة بحاله ، إذ هو من الأفعال السَّائغة المترتّب عليها نفع ، ولا يجب على المكلَّف فِعْله ، بل هو مستحبّ كفائيّ ، بخلاف أَذان الصَّلاة فإنَّه مستحبّ عينيّاً ، هذا بالنسبة للأمر الأوَّل فيما تقتضيه القاعدة .

وأمَّا الأمر الثاني : فقد استدلّ للحرمة ببعض الرِّوايات :

منها : معتبرة السّكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام (قال : آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي أَنْ قال : يا عليّ ! إذا صلَّيت فصلِّ صلاة أضعف من خلفك ، ولا تتخذن مؤذِّناً يأخذ على أذانه أجراً)[1] ، وهي معتبرة ، وقد عرفت حال السّكوني والنوفلي فلا حاجة للإعادة .

ورواها أيضاً الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في الفقيه مرسلة .

ولكنْ في دلالتها على الحرمة خدشة ، إذ المنع عن اتِّخاذ المؤذِّن الذي يأخذ الأجر أعمّ من الحرمة ، لأنَّ الممنوع فيها هو الاتّخاذ الظَّاهر في كونه على سبيل الدوام والاستمرار ، فلا يشمل الاستئجار أحياناً .

ومنها : مرسلة الفقيه (قال : أتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين عليه السلام : والله ! إنّي لأحبّك ، فقال له : ولكنّي أبغضك ، قال : ولم ؟! قال : لأنَّك تبغي في الأَذان كَسْباً وتأخذ على تعليم القرآن أجراً)[2] ، وهي ضعيفة بالإرسال .

وقد رواها الشَّيخ[3] مسندة مع فارق يسير لا يضرّ بالمراد ، ولكن في السَّند عبد الله بن منبّه ، وهو غير موثَّق .

وذكر بعضهم أنَّ الاسم مقلوب ، أي المنبّه بن عبد الله ، ولكنَّه أيضاً غير موثَّق .

وأمَّا قول النجاشي رحمه الله عن المنبَّه بن عبد الله : (أنَّه صحيح الحديث) فقد ذكرنا أنَّ الصحَّة عند المتقدِّمين بمعنى صدور الحديث لقرائن دلَّت على ذلك ، وهي أعمّ من التوثيق .

وأمَّا توثيق العلَّامة رحمه الله له فلا يفيد لأنَّه من المتأخِّرين ، هذا بالنسبة للسَّند .

وأمَّا دلالتها : فغير تامَّة أيضاً ، لأنَّ ابتغاء الكسب يشمل الأَذان بداعي الارتزاق من بيت المال ، وقد عرفت أنَّه لا إشكال في الارتزاق .

وأمَّا قول السَّيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله : (بأنَّ الارتزاق لا يعدّ كَسْباً ومعاوضة ، لأنّ المرتزق من بيت مال المسلمين لا يأخذ الرِّزق في مقابل عمله) فغريب ، إذ لا فرق بين الإجارة والارتزاق إلَّا في احتياج الأُولى إلى ضبط المقدار والمدّة ونحوهما ممَّا يعتبر في الإجارة ، بخلاف الارتزاق المنوط بنظر الحاكم ، ولا يقدح فيه قصد المؤذِّن الرِّجوع بعوض أَذانه عليه ، إلَّا أن عوضه الارتزاق المزبور ، كالقاضي والمترجم وكاتب الديوان ، ونحوهم من القائمين بمصالح المسلمين ، ولا يعتبر في المرتزق الفقر والحاجة .

ومنها : ما عن دعائم الإسلام عن عليّ عليه السلام (أنَّه قال : من السُّحت أجر المؤذِّن )[4] ، ولولا ضعفه بالإرسال لكان من أقوى الأدلَّة على الحرمة ، لأنَّ السُّحت هو الحرام الشَّديد .

والخلاصة إلى هنا : أنَّ مقتضى الصِّناعة العلميَّة جواز أخذ الأُجرة على الأَذان ، إلَّا أنَّ الأحوط وجوباً الترك ، والله العالم .

 

قوله : ((درس 37)

لا يجب الأذان عيناً ، ولا على أهل المِصْر كفاية ، ويستحبّ في الخمس خاصَّةً جماعةً وفرادى ، أداءً وقضاءً ، حضراً وسَفَراً ، ويتأكَّد في الجماعة .

وأوجبه جماعة لا بمعنى اشتراطه في الصحَّة ، بل في ثواب الجماعة ، وفي الجهريَّة آكد ، وفي الغداء والمغرب أشدّ ، وأوجبه قوم فيهما ، وأوجبوا الإقامة في الباقي) [5]

 

قال صاحب المدارك : (أجمع العلماء كافَّةً على مشروعيَّة الأَذان والإقامة للصَّلوات الخمس ... )[6] ، وفي الجواهر : (وهما – أي الأذان والإقامة – مشروعان للفرائض الخمس بإجماع المسلمين ، بل لعلَّه من ضروريات الدِّين ، والمشهور بين المتأخرين ، بل لعلَّه عليه عامَّتهم ؛ إنَّما مستحبان في الصَّلوات الخمس المفروضة أداءً وقضاءً للمنفرد والجامع للرَّجل والمرأة ... )[7] .

والمعروف بين الأعلام عدم وجوب الأَذان عَيْناً ولا كفايةً على أهل المِصْر ، كما أنَّ المعروف بينهم أنَّه لا يؤذِّن الشَّيء من النوافل ، ولا لشيءٍ من الفرائض غير الخمس اليوميَّة بل يقول المؤذِّن : (الصلاة) ثلاثاً ، كما سيأتي توضيحه - إن شاء الله تعالى - .

إذا عرفت ذلك فيظهر أنَّ الأعلام اختلفوا في وجوب الأَذان والإقامة أو استحبابهما ، فذهب الأكثر إلى الاستحباب ، منهم السَّيد المرتضى رحمه الله في المسائل الناصريَّة ، قال : (اختلف قول أصحابنا في الأَذان والإقامة ، فقال قوم : إنَّهما من السُّنن المؤكَّدة في جميع الصَّلوات ، وليسا بواجبين وإن كانا في صلاة الجماعة وفي الفجر والمغرب وصلاة الجمعة أشدّ تأكيداً ، وهذا الذي اختاره ، وأذهبُ إليه ... )[8] .

ولكنَّه قال في الجُّمل : (تجب الإقامة على الرِّجال في كلِّ فريضة والأذان على الرِّجال والنِّساء في الصّبح والمغرب والجُّمعة ، وعلى الرِّجال خاصَّة في الجماعة ... ).

وقال ابن الجنيد رحمه الله : (يجبان على الرِّجال جماعةً وفرادى ، سفراً وحضراً ، في الصبح والمغرب والجمعة ، وتجب الإقامة في باقي المكتوبان - قال : - وعلى النساء التكبير والشَّهادتان فقط ... ) .

وقال الشَّيخان وابن البراج وابن حمزة (رحمهم الله تعالى) : (بوجوبهما في صلاة الجماعة ، قال الشَّيخ في المبسوط : ومتى صلَّى جماعة بغير أذان وإقامة لم تحصل فضيلة الجماعة ، والصَّلاة قاضية ... ) .

وقال أبو الصَّلاح : (هما شرط في الجماعة ... ) ، وقال ابن أبي عقيل رحمه الله : (يجب الأذان في الصُّبح والمغرب والإقامة في جميع الخَمْس ... ) .

وقال العلَّامة رحمه الله في المختلف : (إنَّ علماءنا على قولين :

أحدهما : أنَّ الأَذان والإقامة سُنَّتان في جميع المواطن .

والثاني : أنَّهما واجبان في بعض الصَّلوات ، فالقول باستحباب الأَذان مطلقاً ، ووجوب الإقامة في بعضها خَرْق للإجماع)[9] .

ومقتضاه : عدم الفصل بين الأَذان والإقامة في الوجوب والاستحباب .

أقول : مقتض الإنصاف هو التكلّم تارةً في الأذان ، وأخرى في الإقامة .

أمَّا بالنسبة للأذان فقد عرفت أنَّ المشهور على الاستحباب .

نعم ، هناك قولان ينبغي الاعتناء بهما :

الأوَّل : وجوب الأَذان في صلاة الجماعة .

الثاني : وجوبه في الصُّبح والمغرب ، ولو كانت الصَّلاة فرادى .

أمَّا القول الأوَّل : فيستدلّ له ببعض الرِّوايات :

منها : رواية أبي بصير عن أحدهما عليهما السَّلام (قال : سألتُه أيجزي أَذان واحد ؟ قال : إنْ صلَّيت جماعةً لم يجز إلَّا أذان وإقامة ؛ وإن كنت وحدك تبادر أمراً تخاف أن يفوتك يجزيك إقامة ، إلَّا الفجر والمغرب فإنَّه ينبغي أنْ تؤذِّن فيهما وتقيم من أجل أنَّه لا يقصَّر فيهما كما يقصَّر في سائر الصَّلوات) [10] [11] .


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص447، أبواب الأذان والإقامة، باب38، ح1، ط آل البیت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص447، أبواب الأذان والإقامة، باب38، ح2، ط آل البیت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، أبواب يكتسب به، باب30، ح1، ط آل البيت.
[4] مستدرك الشيعة، المحدث النوري، ج4، ح50، أبواب الأذان والإقامة، باب30، ح2.
[5] الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشهید الاول، ج1، ص164.
[6] مدارك الأحكام، السيد محمد بن علي الموسوي العاملي، ج3، ص256.
[7] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج9، ص4.
[8] مسائل الناصريات، السيد الشريف المرتضي، ص177.
[9] مختلف الشيعة، العلامة الحلي، ج2، ص122.
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص388، أبواب الأذان والإقامة، باب7، ح1، ط آل البيت.
[11] وذيله في وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص387، أبواب الأذان والإقامة، باب6، ح7، ط آل البيت.