الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/07/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأَذان والإقامة (19)

 

قوله : (ويعتدّ بأذان المميِّز ، لا غيره)[1]

المعروف بين الأعلام أنَّه لا يشترط البلوغ في المؤذِّن ، بل يكفي كونه مميزاً حتَّى في أذان الصَّلاة ، وفي المعتبر : (هو اتِّفاق علمائنا) ، وفي الجواهر : (إجماعاً محصَّلاً ، ومنقولاً مستفيضاً كالنصوص ، بل متواتراً ... )[2] .

أقول : يدلّ عليه - مضافاً للتسالم بين الأعلام - جملة من النصوص :

منها : صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - (قال : لا بأس أن يؤذِّن الغلام الذي لم يحتلم ... )[3] .

ومنها : موثَّقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال : لا بأس بالغلام الذي لا يبلغ الحلم أن يؤمّ القوم ، وأن يؤذِّن) [4] .

ومنها : رواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن عليٍّ (عليه السلام) (قال : لا بأسَ أن يؤذِّن الغلام الذي لم يحتلم) [5] ، ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة طلحة بن زيد .

ومنها : موثَّقة إسحاق بن عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) (أنَّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : لا بأسَ أن يؤذِّنَ الغلام قبل أن يحتلم ، ولا يؤمّ حتّى يحتلم ، فإنْ أَمَّ جازتْ صلاتُه ، وفسدتْ صلاة مَنْ خلفه) [6] .

نعم ، هذه الموثَّقة تُعارِض موثَّقة غياث بن إبراهيم من حيث الائتمام ، وبعد التساقط يكون مقتضى الأصل عدم صحَّة إمامته للبالغين ، إذ لا يوجد عندنا إطلاق في صلاة الجماعة بالنسبة إلى الإمام حتَّى يرجع إليه في صحَّة إمامة الصبيّ للبالغين .

وأمَّا بالنسبة إلى صحَّة أذانه ، والاجتزاء به ، فلا يوجد تعارض بين الأخبار ، هذا بالنسبة للأذان .

وأمَّا للأذان للإقامة فلا دليل على الاجتزاء بإقامته ، ولا تسالم ؛ وقياسه على الأَذان في غير محلِّه .

وأمَّا بالنسبة لغير الممِّيز فالمعروف بينهم أنَّه لا عبرة بأذانه ، بل عن العلَّامة (قدِّس سرُّه) في التذكرة الإجماع عليه لمسلوبيَّة عبارته ، ولذا ساوى المجنون في أكثر الأحكام ؛ وانصراف النصوص عنه .

هذا ، والمرجع في التمييز إلى العرف ، وذكر الشَّهيد الثاني (قدِّس سرُّه) في الرَّوض أنَّ المراد بالمميِّز مَنْ يعرف الأضرّ من الضارّ والأنفع من النافع إذا لم يحصل بينهما التباس ، بحيث يخفى على غالب الناس.

وفيه : أنَّه لا دليل على هذا التعريف ، مع أنَّ مرجعه بالنتيجة إلى الجهالة .

 

قوله : (وبأذان الفاسق ، خلافاً لابن الجنيد)

لا إشكال في الاعتداد بأذَان الفاسق ، لإطلاق الأدلَّة ، مع أنَّه لم يخالِف إلَّا ابن الجنيد (قدِّس سرُّه) ، ولا دليل له واضح .

 

قوله : (لا بأذان المخالِف)

تقدم الكلام عنه عند الكلام عن اشتراط الإسلام والعقل في المؤذن ، فراجع .

 

قوله : (فلو خشيَ الفوات اقتصر على قوله "قد قامت" إلى آخر الإِقامة)

كما في صحيحة معاذ بن كثير[7] ، وقد تقدَّمت عند الكلام عن اشتراط الإسلام .

 

قوله : (ولو خشي من الجهر أسرّ)

وهو واضح ، حيث لا إشكال في ذلك .

 

قوله : (ولا تشترط الحريَّة)

قال المصنِّف (قدِّس سرُّه) في الذكرى : ( لا يشترط الحريَّة ، فيجوز أذان العبد إجماعاً ، لعموم الألفاظ الدالَّة على شرطيَّة الأَذان بالنسبة إلى المكلَّفين ، ولأنَّه تصحّ إمامته على ما يأتي - إن شاء الله تعالى - فالأذان أَولى ... )[8] ، وهو جيِّد ، إذ لا إشكال في إطلاق الأدلَّة ، فإنَّها تشمل العبد ، كما أنَّ دليل الأولويَّة في محلِّه ، والله العالم .

 

قوله : (ويستحبُّ عدالته)

في الجواهر : (بلا خلاف ، كما عن المنتهى ، بل ظاهر نسبته إلى علمائنا في المحكي عنه ، وفي المعتبر : الإجماع عليه) .

أقول : يدلُّ على الاستحباب - مضافاً للتسالم بين الأعلام - مرسلة الفقيه (قال : وقال عليّ (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يؤمُّكم أقرؤكم ، ويؤذِّن لكم خيارَكم) [9] ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال .

وقد تقدَّم سابقاً عن ابن الجنيد (قدِّس سرُّه) عدم الاجتزاء بأذان الفاسق ، ومعنى ذلك هو اشتراطه العدالة في المؤذِّن ، ولكنَّه ضعيف ، كما عرفت .

ثمَّ إنَّ مرجع هذا الندب إلى المكلَّفين ، بمعنى أنَّه يستحبّ لهم عند اختيارهم مؤذِّناً لجماعتهم ، أو للأعلام في بلدهم ، أن يختاروا العدل ، قال الشَّهيد الثاني (قدِّس سرُّه) في محكيّ الرَّوض : (واعلم أنَّ استحباب كون المؤذِّن عَدْلا لا يتعلَّق بالمؤذِّن ، لصحَّة أذان الفاسق ، مع كونه مأموراً بالأذان ، بل الاستحباب راجع إلى الحاكم بأنْ ينصِّبه مؤذِّناً لتعمّ فائدته)[10] ، ولعلَّ تخصيصه للحاكم ، لرجوع اختيار هذه الأمور عادة إليه ، لا لكونه بالخصوص مورداً للاستحباب .

 

قوله : (ونداوة صوته)

كما هو المعروف بين الأعلام ، بل الظَّاهر أنَّه متسالم ، ومعنى نداوة الصَّوت أي شديده ، وعن بعض أنَّه رفيع الصَّوت ، وهو نفس المعنى .

والحكمة من ذلك : هو أنَّه ليعمّ به النفع ، ولِمَا فيه من زيادة المبالغة في رفع شأن هذا الشِّعار .

وقد استدلّ لاستحباب نداوة الصَّوت بالنبوي المتقدِّم (أَلْقِه على بلال ، فإنَّه أندى منك صوتاً) [11] ، ولكنَّه ضعيف ، كما لا يخفى .

قال ابن فارس في المجمل : (ندى الصَّوت : بَعُد مذهبه ، وهو أندى صوتاً أي أبعد)[12] .

 

قوله : (وطِيبه)

المشهور بينهم استحباب أنْ يكون صوتُه حسناً لتُقبِل القلوبُ على سماعه .

وفيه : أنَّ هذا لا يصلح أن يكون دليلاً شرعيّاً ، فإنْ كان هناك تسالم على ذلك ، وإلَّا فلا .

 

قوله : (وبصره)

للإجماع المحكي عن التذكرة ، وليتمكَّن من معرفة الوقت .

ولكن لو أذَّن الأعمى جازَ بلا خلاف ، قالوا : وقد كان ابن أمّ مكتوم مؤذِّناً لِرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وهو أعمى إلَّا أنَّه كان لا ينادى إلَّا أن يُقال له : أصبحت أصبحت .

ولكن ذكرنا سابقاً أنَّ ابن أمّ مكتوم كان يؤذِّن بليلٍ ، وكان بلال يؤذِّن عند طلوع الفجر .

اللهمَّ إلَّا أن يكون مرادهم - كما لا يبعد - هو أنَّ ابن أمَّ مكتوم كان يؤذِّن عند طلوع الفجر أحياناً.

 

قوله : (وإطلاعه بمعرفة الوقت)

المعروف بين الأعلام استحباب كون المؤذن بصيراً لِمعرفة الأوقات لِيَأْمَنَ الغَلَط .

ولكن لا يخفى عليك أنَّ هذا لا يصلح أن يكون مدركاً للحكم الشرعي .


[1] الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشهید الاول، ص163.
[2] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج8، ص411.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص440، أبواب الأذان والإقامة، باب32، ح1، ط آل البیت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص441، أبواب الأذان والإقامة، باب32، ح4، ط آل البیت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص441، أبواب الأذان والإقامة، باب32، ح3، ط آل البیت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص332، أبواب الأذان والإقامة، باب14، ح7، ط آل البیت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص440، أبواب الأذان والإقامة، باب34، ح1، ط آل البیت.
[8] الذكرى، الشهيد الأول، ص172.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص410، أبواب الأذان والإقامة، باب16، ح13، ط آل البیت.
[10] روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، الشهيد الثاني، ج2، ص189.
[11] سنن أبي داود، السجستاني، أبو داود، ج1، ص135، رقم499.
[12] مجمل اللغة لابن فارس، ابن فارس، ج1، ص862.