الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/06/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأَذان والإقامة (15)

 

ويرد عليه : أنَّ كونها مبنيَّةً لا يستلزم عدم اللحن بها ، بل كثير من المؤذِّنين لا يظهِر الهاءات المزبورة ، بل الحاء من (الفلاح) لا يظهِرها ، بخلاف (إله) المتحركة ، بل قيل : إنَّ كثيراً منهم لا يظهِر هاء (أشهدّ) ، ويقول : (أشدّ) .

ومهما يكن ، فقضيَّة تعبير الأعلام عن استحباب الجزم فيهما ، واستحباب الترتيل في الأَذان والحَدْر في الإقامة هو جواز غيرهما ، وعدم البطلان به ، وهو كذلك ، والله العالم .

 

قوله : (وخَفْض الصَّوت بها دون الأَذان)[1]

يستفاد ذلك من بعض الأخبار ، منها صحيحة معاوية بن وهب المتقدِّمة (أنَّه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الأَذان ، فقال : اجهر وارفع به صوتك ، فإذا أقمت فدون ذلك ، لا تنتظر بأَذانك وإِقامتك إلَّا دخول وقت الصَّلاة ، واحْدر إقامتَك حَدْراً)[2] .

 

قوله : (ويستحبُّ رفع الصَّوت في المنزل ليكثر الولد ، وتزول العِلل)

كما في رواية هشام بن إبراهيم (أنَّه شكى إلى أبي الحسن الرِّضا سقمه ، وأنَّه لا يولد له ولد ، فأمره أن يرفع صوته بالأَذان في منزله ، قال : ففعلت ، فأذهب الله عني سقمي وكثر ولدي ، قال محمَّد بن راشد : وكنت دائم العلَّة ما انفكَّ منها في نفسي ، وجماعة خدمي وعيالي ، فلمَّا سمعت ذلك من هشام عملت به ، فأذهب الله عنِّي ، وعن عيالي العِلل) [3] [4] [5] ، ولكنَّها ضعيفة بطريق الكُليني بجهالة محمَّد بن راشد ، وعدم وثاقة هشام بن إبراهيم الأحمري .

وأمَّا الشَّيخ الصَّدوق (قدِّس سرُّه) فرواها بإسناده إلى هشام بن إبراهيم ، وإسناده إليه صحيح ، لأنَّ محمداً بن عليّ بن ماجيلوَيْه الموجود في الطَّريق من المعاريف .

نعم ، هي ضعيفة بعدم وثاقة هشام بن إبراهيم .

 

قوله : (ويُكره الكلام في خلالهما ، وفي الإِقامة آكد ، فيبني في الأَذان لو تكلَّم ، ويُعيد في الإقامة ، وتتأكَّد كراهيّته بعد (قد قامت) ، وحرَّمه جماعة إلَّا لتسوية صفّ أو تقديم إمام)

هذا هو المعروف بين الأعلام ، أمَّا الكراهة في الأَذان فقدِ ادَّعى بعض الأعلام الإجماع عليها ، وفي المدارك : (أمَّا كراهة الكلام في أثناء الأَذان فلِمَا فيه من تفويت الإِقبال المطلوب في العبادة ... )[6] .

وفيه : أنَّ هذا لا يصلح أن يكون مدركاً للحكم الشرعي .

وأمَّا الإجماع المنقول بخبر الواحد فهو غير حجَّة إلَّا إن كانت المسألة متسالماً ، كما لا يبعد ، وحينئذٍ يخرج عن الإجماع المصطلح عليه .

وقد يستدلُّ للكراهة أيضاً بموثَّقة سماعة (قال : سألتُه عن المؤذِّن أيتكلم وهو يؤذِّن ؟ قال : لا بأس حين (حتى خ ل) يفرغ من أذانه) [7] ، ومضمرات سماعة مقبولة ، كما ذكرنا في أكثر من مناسبة .

ولكنَّ الإنصاف : أنَّ هذه الموثَّقة لا يصلح للاستدلال بها ، سواء كانت النسخة (حين يفرغ) أو (حتى يفرغ) .

أمَّا على الأُولى : فلأنَّه لا مفهوم لها ، إذ الوصف لا مفهوم له ، فلا تدلّ على ثبوت البأس إذا لم يفرغ من الأَذان .

نعم ، لو كانت القضيَّة قضيةً شرطيّةً لكان لها مفهوم .

وأمَّا على النسخة الثانية - أي حتَّى يفرغ - : فهي على عكس المطلوب أدلّ ، لِدلالتها حينئذٍ على عدم ثبوت البأس إلى آخر الأَذان ، أي يستمرّ عدم البأس إلى الآخر .

والخلاصة : أنَّ العمدة في كراهة الكلام أثناء الأَذان هو التسالم .

وأمَّا التسالم للإقامة فالمشهور بينهم هو الكراهة أيضاً .

ولكن عن غير واحد من القدماء القول بعدم جواز الكلام في خلالها .

والإنصاف : هو الكراهة جمعاً بين الأخبار .

وَلْنبدأ بالأخبار الدَّالة على المنع من الكلام في أثنائها :

منها : صحيح عَمْرو بن أبي نصر (قال : قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام : أيتكلَّم الرَّجل في الأَذان ؟ قال : لا بأس ، قلتُ : في الإِقامة ؟ قال : لا ) [8] .

وعبَّر بعضهم عنها بالرِّواية (ولعلَّه) لأجل حسين بن عثمان الوارد في السَّند .

ولكنَّ الإنصاف : اتّحاده مع الحسين بن عثمان بن شريك ، وهو ثقة .

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (أنَّه قال : إذا أُقيمت الصَّلاة حرم الكلام على الإمام ، وأهل المسجد ، إلَّا في تقديم إمام) [9] .

ومنها : صحيحة محمَّد بن مسلم (قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لا تتكلَّم إذا أقمت الصَّلاة ، فإنك إذا تكلَّمت أعدت الصَّلاة) [10] .

ومنها : موثَّقة سماعة (قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إذا قام (أقام خ ل) المؤذِّن الصَّلاة فقد حرم الكلام ، إلَّا أن يكون القوم ليس يُعرَف لهم إمام) [11] .

ومنها : رواية أبي هارون (قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يا أبا هارون ! الإِقامة من الصَّلاة فإذا أقمت فلا تتكلَّم ، ولا تؤمّ بيدك) [12] ، ولكنَّها ضعيفة بجهالة كلّ من صالح بن عقبة ، وأبي هارون المكفوف .

وأمَّا الرِّوايات الدَّالة على الجواز فهي كثيرة أيضاً :

منها : صحيحة حمَّاد بن عثمان (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الرَّجل يتكلَّم بعدما يقيم الصَّلاة ؟ قال : نعم) [13] .

ومنها : صحيحة عبيد بن زرارة (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام قلتُ : أيتكلَّم الرَّجل بعدما تقام الصَّلاة ؟ قال : لا بأس ) [14] .

وهذه الصَّحيحة ذكرها ابن إدريس (قدِّس سرُّه) في آخر السَّرائر نقلاً من كتاب محمَّد بن عليّ بن محبوب عن جعفر بن بشير عن عبيد بن زرارة ، وقد ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ ابن إدريس (قدِّس سرُّه) ذكر أنَّ كتاب النوادر لمحمَّد بن عليّ بن محبوب كان عنده بخطّ جدّه الشَّيخ الطّوسي (قدِّس سرُّه) ، والشَّيخ له طريق صحيح إلى الكتاب المزبور .

ومنها : رواية محمَّد الحلبي (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الرَّجل يتكلَّم في أَذانه أو في إقامته ؟ فقال : لا بأس) [15] ، ولكنها ضعيفة بمحمَّد بن سنان .

ومنها : رواية الحسن بن شهاب (قال : سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول : لا بأس أن يتكلَّم الرَّجل وهو يقيم الصَّلاة ، وبعدما يقيم إن شاء) [16] ، وهي ضعيفة لِعدم وثاقة الحسن بن شهاب .

ومقتضى الجمع العرفي : حَمْل ما دلَّ على المنع على الكراهيَّة .

هذا ، وقد ذكرت بعض الوجوه للجمع بين الأخبار :

منها : حَمْل الأخبار المجوِّزة على ما قبل قوله : (قد قامتِ الصَّلاة) ، والأَخبار المانعة على ما بعدها ، بقرينة صحيحة ابن أبي عمير (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الرَّجل يتكلَّم في الإقامة ، قال : نعم ، فإذا قال المؤذِّن : قد قامتِ الصَّلاة ، فقد حرم الكلام على أهل المسجد ، إلَّا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتَّى ، وليس لهم إمام ، فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض : تقدَّم يا فلان ! ) [17] .

وعبَّر بعضهم عنها بالرِّواية لاشتراك ابن أبي عمير ، ولكنَّ الظَّاهر أنَّ المراد منه محمَّد بن أبي عمير الذي أجمع الأصحاب على تصحيح ما يصحّ عنه .

وفيه : أنَّ هذا الجمع في غير محلِّه ، لأنَّ صحيحة حمَّاد بن عثمان المجوِّزة صريحة في جواز الكلام بعد (قد قامتِ الصَّلاة) (سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الرّجل يتكلّم بعدما يقيم الصَّلاة) ، فإنَّها واضحة في ذلك ، كما أنَّ رواية أبي هارون واضحة في المنع مطلقاً ، وإن كان قبل (قد قامتِ الصَّلاة).


[1] الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشهید الاول، ج1، ص163.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص410، أبواب الأذان والإقامة، باب8، ح1، ط آل البیت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص412، أبواب الأذان والإقامة، باب18، ح1، ط آل البیت.
[4] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج3، ص308، ح33.
[5] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج6، ص10، ح9.
[6] مدارك الأحكام، السيد محمد بن علي الموسوي العاملي، ج3، ص285.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص394، أبواب الأذان والإقامة، باب10، ح6، ط آل البیت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص394، أبواب الأذان والإقامة، باب10، ح4، ط آل البیت.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص393، أبواب الأذان والإقامة، باب10، ح1، ط آل البیت.
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص394، أبواب الأذان والإقامة، باب10، ح3، ط آل البیت.
[11] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص394، أبواب الأذان والإقامة، باب10، ح5، ط آل البیت.
[12] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص396، أبواب الأذان والإقامة، باب10، ح12، ط آل البیت.
[13] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص395، أبواب الأذان والإقامة، باب10، ح9، ط آل البیت.
[14] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص397، أبواب الأذان والإقامة، باب10، ح13، ط آل البیت.
[15] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص395، أبواب الأذان والإقامة، باب10، ح8، ط آل البیت.
[16] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص395، أبواب الأذان والإقامة، باب10، ح10، ط آل البیت.
[17] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص395، أبواب الأذان والإقامة، باب10، ح7، ط آل البیت.