الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/06/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأَذان والإقامة (8)

 

قوله : (ولا يستحبّ الجمع بينهما وبين أن يؤمّ لأمراء السّرايا)[1]

قال ابن إدريس رحمه الله في السَّرائر : (ويستحبّ للإمام أن يلي الأَذان والإقامة ليحصل له الفضل وثواب الجميع ، إلَّا أن يكون أمير جيش ، أو أمير سريّة ، فالمستحبّ أن يلي الأَذان والإقامة غيره ، ويلي الإقامة هو على ما اختاره شيخنا المفيد رحمه الله في رسالته إلى ولده)[2] .

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى - بعد نقل كلامه - : (قلتُ في استحباب هذا الجمع : نظر ، لأنَّه لم يفعله النَّبي (صلى الله عليه وآله) إلَّا نادراً ، ولا واظب عليه أمير المؤمنين عليه السلام ولا الصحابة ولا الأئمَّة بعدهم غالباً ، إلَّا أن نقول هؤلاء أمراء جيوش أو في معناهم)[3] .

أقول : إطلاقات استحباب الأَذان والإقامة تشمله وعدم فعل النَّبي (صلى الله عليه وآله) إلَّا نادراً وعدم مواظبة الأمير عليه السلام ولا الصحابة ... لا تنفي الاستحباب ، إذ لم يتضح سبب الترك ، ولعلَّه لأمر قد خفي علينا ، والله العالم .

 

قوله : (ويستحبُّ الحكاية ، وتجوز الحولقة بدل الحيعلة ، ويجوز في الصَّلاة ، إلَّا الحيعلة ، فيحولق ، ويقطع لأجله الكلام ، وإن كان قرآناً ، ويتمّ الحاكي ما نقَّص المؤذِّن ويدعو)

المعروف بين الأعلام استحباب حكاية الأَذان إذا سمعه ، بمعنى أن لا يقصد بفعله إنشاء الأذان ، بل يقصد به الحكاية التي هي بمنزلة المخاطبة مع نفسه .

والمراد بالحكاية أن يقول : مثل ما قال المؤذِّن عند السماع من غير فصل معتدّ به .

وأمَّا الاستحباب فقد عرفت أنَّه المعروف عند الأعلام ، بل في المدارك : (هذا مذهب العلماء كافةً ، حكاه في المنتهى ... )[4] .

وفي الجواهر : (إجماعاً بقسمَيْه ، بل المنقول منهما متواتر أو مستفيض جدّاً ، كالنصوص ... )[5] ، وفي الذكرى : (يستحبّ حكايته للسامع إجماعاً ... ).

أقول : يدلّ على الاستحباب - مضافاً للتسالم بين الأعلام الذي هو فوق الإجماع - جملة من الرِّوايات:

منها : رواية محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا سمع المؤذِّن يؤذِّن قال مثل ما يقول في كلِّ شيء) [6] ، ولكنَّها ضعيفة ، لأنَّ محمَّد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني ليس هو ابن بزيع الثقة ، بل الظاهر أنَّه البندقي النيشابوري المجهول ، فالتعبير عنها بالصَّحيحة في غير محلِّه .

ومنها : صحيحة محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (أنَّه قال له : يا محمَّد بن مسلم ! لا تدعن ذكر الله عزوجل ، وقل كما يقول المؤذِّن) [7] ، وهي ضعيفة في الفقيه ، لأنَّ إسناد الصَّدوق رحمه الله إلى محمَّد بن مسلم فيه عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه ، وهما غير مذكورَيْن ، إلَّا أنَّها صحيحة في العِلل ، حيث رواها الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله عن محمَّد بن الحسن بن الوليد عن محمَّد بن الحسن الصفَّار عن يعقوب بن يزيد عن حمَّاد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن محمد بن مسلم .

ومنها : مرسلة الفقيه (قال : ورُوي أنَّ من سمع الأَذان ، فقال كما يقول المؤذِّن ، زِيد في رزقه) [8] ، وهي ضعيفة بالإرسال .

ومنها : صحيحة زرارة (قال : قلتُ لأبي جعفر عليه السلام : ما أقول إذا سمعت الأذن ؟ قال : أُذكر الله مع كلِّ ذاكر) [9] ، ولكن في استفادة استحباب حكاية جميع الفصول حتَّى الحيعلات من هذه الصَّحيحة لا يخلو من تأمُّل .

ومنها : رواية سليمان بن مقبل المديني (قال : قلتُ لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام لأيِّ علَّة يستحبُّ للإنسان إذا سمع الأَذان أن يقول كما يقول المؤذِّن وإن كان على البول والغائط ؟! فقال : لأنَّ ذلك يزيد في الرِّزق) [10] ، وهي ضعيفة بجهالة أكثر من شخص .

وكذا غيرها من الأخبار وظاهر هذه الرِّوايات المتقدِّمة استحباب حكاية جميع الفصول .


[1] الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشهید الاول، ج1، ص163.
[2] السَّرائر، لابن إدريس الحلي، ج1، ص215، ط جماعة المدرسين قم المقدَّسة.
[3] الذكرى، الشهيد الأول، ص175.
[4] مدارك الأحكام، السيد محمد بن علي الموسوي العاملي، ج3، ص383.
[5] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج9، ص121.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص454، أبواب الأذان والإقامة، باب45، ح1-2، ط آل البیت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص454، أبواب الأذان والإقامة، باب45، ح1-2، ط آل البیت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص455، أبواب الأذان والإقامة، باب45، ح4-5، ط آل البیت.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص455، أبواب الأذان والإقامة، باب45، ح4-5، ط آل البیت.
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص455، أبواب أحكام الخلوة، باب8، ح3، ط آل البیت.