الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/06/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأذان والإقامة (5)

 

وقد يؤيِّد قول الجعفي بعض الرِّوايات :

منها : موثَّقة محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (قال : كان أبي عليه السلام ينادي في بيته الصَّلاة خَيْر من النوم ، ولو رددت ذلك لم يكن به بأس)[1] ، ورواه ابن إدريس رحمه الله في آخر السَّرائر نقلاً عن كتاب محمَّد بن عليِّ بن محبوب ، وهي صحيحة في السَّرائر ، لأنَّ ابن إدريس رحمه الله ذَكَر أنَّ كتاب نوادر محمَّد بن عليّ بن محبوب موجود عنده بخطّ الشَّيخ أبي جعفر الطوسي رحمه الله ، والشَّيخ رحمه الله له طريق صحيح إليه .

ومنها : موثَّقة أبي بصير عن أبي عبد الله (قال : النداء والتثويب في الإقامة من السُّنة )[2] .

ولكن يحتمل قويّاً أن يكون المرادُ بالتثويب في هذه الموثَّقة تكرارَ الفصول ، زيادةً على الموظَّف بقصد الإشعار .

كما يؤيِّد هذا الاحتمال : رواية أبي بصير المتقدِّمة في الترجيع ، والتي ذكرنا أنَّها ضعيفة بابن البطائني .

ويؤيِّد أيضاً احتمال : كون المراد بالتثويب هو تكرار الفصول صحيحة زرارة (قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام - في حديث - : إنْ شئت زِدت على التثويب حيّ على الفلاح مكان الصَّلاة خير من النوم)[3] ، إذ الظَّاهر أنَّ المراد بها إن شئت الزيادة على التكرار الموظّف في الأذان ، فكرِّر (حيَّ على الفلاح) مكان التثويب المتبوع .

وأيضاً يحتمل قويّاً أن يكون ما حكاه أبو جعفر عن أبيه عليهما السلام في موثَّقة ابن مسلم - من أنَّه كان ينادي في بيته الصَّلاة خير من النوم - هو قبل طلوع الفجر لأجل التنبيه ، لا في أثناء الأذان أو الإقامة .

كما يؤيِّد هذا الاحتمال : رواية زيد النرسي المروية عن كتابه عن أبي الحسن عليه السلام (قال : الصَّلاة خير من النوم بدعة بن أمية ، وليس ذلك في أصل الأذان ، ولا بأس إذا أراد الرَّجل أن ينبِّه النَّاس للصَّلاة أن ينادي بذلك ، ولا يجعله من أصل الأذان فإنَّا لا نراه أَذاناً)[4] ، وهي ضعيفة لعدم وثاقة زيد النرسي .

وأمَّا كتابه فقد ذكر محمَّد بن الحسن بن الوليد أنَّه موضوع ، وَضَعه محمَّد بن موسى الهمداني .

ولكنَّ الصحيح أنَّه ليس موضوعاً ، وأنَّ الشَّيخ رحمه الله له طريق صحيح إليه ، حيث ذكر أنَّ راوي كتابه ابن أبي عمير ، وقد ذكر طريقه إلى جميع كتبه ورواياته .

ويؤيِّده أيضاً : روايته الأخرى في نفس الكتاب عن أبي الحسن عليه السلام (قال : سألتُه عن الأَذان قبل طلوع الفجر ، فقال : لا ، إنَّما الأَذان عند طلوع الفجر أوَّل ما يطلع ، قلت : فإن كان يريد أن يؤذِّن النَّاس بالصَّلاة وينبّههم ، قال : فلا يؤذِّن ، ولكنْ فَلْيقل وينادي بالصَّلاة خير من النوم ، الصَّلاة خير من النوم ، يقولها مراراً)[5] .

وأمَّا رواية ابن سنان المتقدِّمة التي ذكرها المحقِّق رحمه الله في المعتبر ، فقد عرفت أنَّها ضعيفة بالإرسال .

أضف إلى ذلك : أنَّ الشَّيخ رحمه الله حَمَل هذه الأخبار بأسرها على التقيَّة لإجماع الطائفة على ترك العمل بها .

ولكن حُكِي عن المحقِّق رحمه الله في المعتبر الاعتراض عليه ، فإنَّه بعد أن روى رواية ابن سنان المتقدِّمة ، ونقل عن الشيخ رحمه الله في الاستبصار ، حملها على التقيَّة .

قال : (ولست أرى في هذا التأويل شيئاً ، فإن في جملة الأَذان حيَّ على خير العمل ، وهو انفراد الأصحاب ، فلو كان للتقيَّة لمَا ذكره ، لكنّ الأوجه أنْ نقول : فيه روايتان عن أهل البيت عليهم السلام ، أشهرهما تركه)[6] .

وفيه - كما ذكره غير واحد من الأعلام - : بأنَّه ليس في الرِّواية تصريح بأنَّه يقول حيَّ على خير العمل جهراً ، بل يحتمل قويّاً الإتيان بها سرّاً وخُفْيةً ، ويقول بعد ذلك جهراً : الصَّلاة خير من النوم لأجل التقيَّة .

كما يؤيِّده : اشتمالها على التهليل في آخر الأَذان مرةً واحدة ، فإنَّ العامَّة أجمعوا على الوحدة ، كما أنَّ الشَّيعة أجمعت على التثنية ، على ما ادَّعاه في البحار ، والله العالم .

*******

قوله : (ويجوز إفراد فصولهما سفراً ، والإقامة التامة أفضل من إفرادهما)

هذا هو المعروف بين الأعلام ، فقد صرَّح أكثرهم بأنَّ الأَذان والإقامة يقصران مع العذر ، وفي السفر .

أمَّا مع العذر فيدلّ عليه : صحيحة أبي عُبيدة الحذاء (قال : رأيتُ أبا جعفر عليه السلام يكبِّر واحدةً واحدةً في الأَذان ، فقلتُ له : لِمَ تكبِّر واحدةً واحدةً ؟ فقال : لا بأس به إذا كنت مستعجلاً)[7] .

والمراد من التكبير ما يشمل بقية الفصول ، بقرينة قوله : (واحدةً واحدةً) ، لأنَّ التكرار في الوحدة لا يكون إلَّا بلحاظ الفصول غير التكبير .

نعم ، لم يتعرّض فيها للإقامة ، أمَّا أنَّهما يقصران في السَّفر فَلِبعض الرِّوايات :

منها : رواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام (قال : الأَذان يقصر في السَّفر كما تقصر الصَّلاة ، الأَذان واحداً واحداً ، والإقامة واحدةً)[8] .

ويظهر من ذَيْل الرِّواية أنَّ المراد من الأَذان ما يشمل الإقامة ، ولكنَّها ضعيفة لِعدم وثاقة القاسم بن عروة .

ومنها : رواية نعمان الرَّازي (قال : سمعتً أبا عبد الله عليه السلام يقول : يُجْزئك من الإقامة طاق طاق في السَّفر)[9] ، ولكنَّها ضعيفة لعدم وثاقة نعمان الرَّازي .

لا يقال : يمكن تصحيح الرِّواية لأنَّ الرَّاوي عن النعمان هو جعفر بن بشير ، وقد قال النجاشي في حقِّه : (إنَّه يروي عن الثقات ، ويروون عنه)

ولكنَّك عرفت في محلِّه أنَّ هذه العبارة لا تفيد أنَّه لا يروي إلَّا عن الثقات .

وأمَّا الإقامة التامَّة أفضل من إفرادهما فيستدلّ لذلك بمرسلة بريد مولى الحكم عمَّن حدَّثه عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : سمعته يقول : لَأَنْ أقيم مثنى مثنى أحبّ إليَّ من أن أُؤذن ، وأقسِّم واحداً واحداً)[10] ، وهي ضعيفة بالإرسال ، وبجهالة بريد (يزيد) مولى الحكم .

ثمَّ إنَّه قد ورد في بعض الرِّوايات جواز ترك الأَذان والاكتفاء بالإقامة سواء كان في السَّفر ، أو مطلقاً .

أمَّا في السَّفر فلصحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله عليه السلام (أنَّه قال : يجزئ في السَّفر إقامة بغير أذان)[11] ، وكذا غيرها .

وأمَّا الإجزاء مطلقاً فلِصحيحة الحلبي (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الرَّجل هل يجزيه في السَّفر والحضر إقامة ليس معها أَذان قال : نعم ، لا بأس به)[12] ، وكذا غيرها من الرِّوايات .

وأمَّا الأذان تامّاً وحده فلا يقوم مقامهما مقصرين لعدم الدليل على ذلك .

*******

قوله : (ولا يتأكَّد في حقّ النساء ، ويجزئها التكبير والشَّهادتان)

المعروف بين الأعلام مشروعيَّة الأَذان والإقامة للنساء ، وفي المدارك : (وقد أجمع الأصحاب على مشروعيَّة الأَذان للنساء ، ونسبه المصنِّف في الذكرى إلى علمائنا ... ) .

أقول : وممَّا يدلَّ على الاستحباب لهنّ بعض الرّوايات ، منها صحيحة عبد الله بن سنان (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تؤذّن للصَّلاة ، فقال : حَسَن إن فعلت ، وإن لم تفعل أجزأها أن تكبِّر ، وأن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) )[13] .

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص427، أبواب الأذان والإقامة، باب22، ح4، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص427، أبواب الأذان والإقامة، باب22، ح3، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص426، أبواب الأذان والإقامة، باب22، ح2، ط آل البيت.
[4] مستدرك الوسائل، المحدث النوري، ج4، ص44، أبواب الأذان والإقامة، باب19، ح2.
[5] مستدرك الوسائل، المحدث النوري، ج4، ص25، أبواب الأذان والإقامة، باب7، ح2 .
[6] بحار الأنوار - ط مؤسسةالوفاء، العلامة المجلسي، ج84، ص119.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص425، أبواب الأذان والإقامة، باب21، ح4، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص424، أبواب الأذان والإقامة، باب21، ح2، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص425، أبواب الأذان والإقامة، باب21، ح5، ط آل البيت.
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص424، أبواب الأذان والإقامة، باب20، ح2، ط آل البيت.
[11] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص384، أبواب الأذان والإقامة، باب5، ح3، ط آل البيت.
[12] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص384، أبواب الأذان والإقامة، باب5، ح1، ط آل البيت.
[13] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص405، أبواب الأذان والإقامة، باب14، ح1، ط آل البيت.