الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/05/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأذان والإقامة (4)

قوله : (ويكره الترجيع ، وهو تكرار التكبير والشَّهادتين ، إلَّا للتنبيه ، وكذا يجوز تكرار باقي الفصول كذلك)

اِختلف الأعلام في معنى الترجيع ، وفي حكمه .

أمَّا بالنسبة لمعناه : فقال الشَّيخ رحمه الله في المبسوط : (إنَّه تكرار التكبير والشَّهادتين في أوَّل الأذان)[1] ، والعلَّامة رحمه الله في المنتهى : (أنَّه تكرار الشَّهادتين جهراً بعد إخفائهما) ، وحُكي عن بعضٍ : (أنَّه تكرار الشَّهادتين برفع الصَّوت بعد فعلهما مرتين بخفض الصَّوت) .

وعن بعض العامَّة : (أنَّه الجهر في كلماتِ الأذان مرَّةً ، والإخفات أخرى من دون زيادة) ، وعن بعض أهل اللغة : (أنَّه ترجيع الصَّوت وترديده) .

والإنصاف : أنَّه لا يهمّنا تعيين واحد من المعاني المذكورة ، لِعدم ذِكْر لفظ الترجيع في النصوص .

وأمَّا حكمه : فقدِ اختلف فيه أيضاً ، فعن الشَّيخ رحمه الله في المبسوط والخِلاف (أنَّه غير مسنون) ، وقال ابن إدريس وابن حمزة رحمهما الله : (أنَّه محرَّم) وهو ظاهر الشيخ في النهاية ، وذهب آخرون إلى الكراهة ، وقال العلَّامة رحمه الله في المنتهى (الترجيع مكروه ، ذهب إليه علماؤنا) .

أقول : إذا كان تكرار التكبير والشَّهادتين ، وكذا باقي الفصول بقصد الجزئيَّة ، فهو محرَّم لأنَّه تشريع .

وأمَّا إذا لم يكن بقصد الجزئيَّة فلا إشكال فيه ، بل ولا كراهة ، لا سيَّما إذا كان التكرار بقصد التنبيه والإعلام .

نعم ، يظهر من رواية أبي بصير ثبوت البأس بإعادة ما عدا الشَّهادتَيْن ، والحيعلتَيْن مطلقاً ، وبإعادة الشَّهادة والحيعلتين ، لغير الأعلام ، وذلك بمفهوم الشَّرط .

وهذه الرِّواية رواها أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : لو أنَّ مؤذِّناً أعاد في الشَّهادة ، أو في حيّ على الصَّلاة ، أو حيّ على الفلاح المرتين والثلاث ، وأكثر من ذلك إذا كان إماما يريد به جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس)[2] ، وفي بعض النسخ (إنَّما يريد) بدل (إماماً) ، ولكنَّها ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة البطائني .

وهناك رواية صحيحة تدلّ على التكرار في خصوص (حيَّ على الفلاح) ، وهي صحيحة زرارة (قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام - في حديث - : إن شِئت زدت على التثويب حيَّ على الفلاح مكان الصَّلاة خير من النوم) [3] ، وسيأتي معنى التثويب .

ثمَّ إنَّ الرِّواية صحيحة ، حيث لا خدشة فيها ، إلَّا من جهة عبد الله بن أبي نجران ، فإنَّه مجهول .

ولكنَّ الصحيح هو عبد الرَّحمان بن أبي نجران ، وإنَّ وجود عبد الله في السَّند اشتباه من النُسَّاخ .

والخلاصة : أنَّه لا إشكال في جواز تكرار جميع الفصول إذا لم يكن بقصد الجزئيَّة ، وهذا على طبق القاعدة ولو لم يوجد نصّ ، بل سيأتي إن شاء الله تعالى أنَّه يجوز التكلُّم بكلام الآدمي أثناء الأَذان ، وهو ليس مثل الصَّلاة .

وأمَّا إذا كان معنى الترجيع هو ترجيع الصَّوت وترديده فإنْ لم يكن على جهة الغناء فلا بأس به أيضاً ، والله العالم .

****

 

قوله : (والتثويب ، وهو قول : الصَّلاة خير من النَّوم في الصبح ، وفي النهاية : لا يجوز ، وفي الخِلاف : تثويب العشاء بدعة ، والجعفي وابن الجنيد : لا بأس ، ورواه البزنطي ، وهو شاذّ)

قال المصنِّف في الذكرى : (أجمعنا على ترك التثويب في الأذان ، سواء فُسِّر بالصَّلاة خير من النوم ، أو بما يقال : بين الأذان والإقامة من الحيعلتين مثنى في أذان الصُّبح ، أو غيرها ... )[4] .

أقول : المعروف بين الأعلام أنَّ التثويب عبارة عن قول : الصَّلاة خير من النوم ، وبذلك صرَّح الشَّيخ رحمه الله في المبسوط ، وغيره من الأعلام .

وقال العلَّامة رحمه الله في المنتهى : (التثويب في أذان الغداة وغيرها غير مشروع ، وهو قول الصَّلاة خير من النوم ، ذهب إليه علمائنا ، وهو قول الشافعي ، وأطبق أكثر الجمهور على استحبابه في الغَدَاة ، لكن عن أبي حنيفة روايتان في كيفيته ، فرواية : كما قلناه ، والأخرى : أنَّ التثويب عبارة عن قول المؤذِّن بين أذان الفجر ، وإقامته : حيَّ على الصَّلاة مرتين ، حي الفلاح مرتين)[5] .

ثمَّ قال رحمه الله في موضع آخر من المنتهى أيضاً : (يُكره أن يقول بين الأذان والإقامة حيَّ على الصَّلاة حيّ على الفلاح ، وبه قال الشَّافعي ، وقال محمَّد بن الحسن : كان التثويب الأوَّل الصَّلاة خير من النوم مرتين بين الأذان والإقامة ، ثمَّ أخذتِ النَّاس بالكوفة حيَّ على الصَّلاة ، حيَّ على الفلاح مرتين ، وهو حسن ... )[6] .

وقال الشَّيخ رحمه الله في النهاية : (التثويب تكرير الشَّهادتين والتكبيرات زائداً على العدد الموظّف شرعاً) ، وقال ابن إدريس : ( هو تكرير الشَّهادتين دفعتين ، لأنَّه مأخوذ من ثاب إذا رجع ... ) .

ثمَّ اعلم أنَّ محلَّه عند العامَّة العشاء والصُّبح ، بل عن المبسوط : نفي الخِلاف عندهم في ذلك ، بل عن قديم الشافعي : ثبوته في الصُّبح خاصَّة ، كما أنَّ في الخِلاف : (أن أحدا من العامَّة لم يقل باستحباب التثويب في العشاء إلَّا ابن حيّ) .

هذا ، وقال صاحب المدارك رحمه الله : (واختلف الأصحاب في حكم التثويب في الأذان الذي هو عبارة عن قول الصَّلاة خير من النوم بعدِ اتفاقهم على إباحته للتقيَّة ، فقال ابن إدريس وابن حمزة رحمهما الله : بالتحريم ، وهو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية سواء في ذلك أذان الصبح وغيره ، وقال الشَّيخ في المبسوط والمرتضى في الانتصار : بكراهته ، وقال ابن الجنيد : إنه لا بأس به في أذان الفجر خاصة ، وقال الجعفي : تقول في أذان صلاة الصُّبح بعد قولك حيَّ على خير العمل ، حي على خير العمل : الصَّلاة خير من النوم مرتين ، وليستا من أصل الأذان ، والمعتمد التحريم ... )[7] .

أقول : لا إشكال في الحرمة مع قصد المشروعيَّة ، بأن يقصد كون ذلك جزءاً من الأَذان بأيّ معنى فُسِّر التثويب ، لكونه تشريعاً محرَّماً .

وأمَّا مع عدم قصد المشروعيَّة فلا دليل على الحرمة لا سيَّما مع قصد التنبيه ، بل لا دليل على الكراهة .

وأمَّا ما ذهب إليه الجُعْفي من الأمر بذلك في أذان الصُّبح فقد يشهد له ما حكاه المحقّق في المعتبر ، نقلاً من كتاب أحمد بن محمَّد بن أبي نصر البزنطي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (أنَّه قال : الأَذان الله أكبر الله أكبر ، أشهد أنْ لا إله إلَّا الله ، أشهد أنْ لا إله إلَّا الله ، وقال في آخره : لا إله إلَّا الله مرةً - ثمَّ قال عليه السلام : - إذا كنتَ في أَذان الفجر فقل : الصَّلاة خَيْر من النوم بعد حيَّ على خير العمل ، ولا تَقُل في الإقامة : الصَّلاة خير من النوم إنَّما هذا في الأَذان) [8] [9] ، ولكنَّها مرسلة لِعدم ذِكْر المحقِّق رحمه الله طريقه إلى كتاب البزنطي .


[1] المبسوط، الشيخ الطوسي، ج1، ص95.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص428، أبواب الأذان والإقامة، باب23، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص426، أبواب الأذان والإقامة، باب22، ح2، ط آل البيت.
[4] الذكرى، الشهيد الأول، ج1، ص169.
[5] منتهى المطلب، العلامة الحلي، ج4، ص381، ط ق.
[6] منتهى المطلب، العلامة الحلي، ج4، ص383، ط ق.
[7] مدارك الأحكام، السيد محمد بن علي الموسوي العاملي، ج3، ص291.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص421، صَدْر الحديث في أبواب الأذان والإقامة، باب19، ح19، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص427، أبواب الأذان والإقامة، وذيله في باب22، ح5، ط آل البيت.