الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القبلة

 

ومن هنا ذكر جماعة من الأعلام أنّ هذا المقطع - والذي هو محلّ الشاهد - من كلام الشّيخ الصَّدوق رحمه الله نفسه ، مع معارضته بما في كثير من النصوص بأنّ الآية نزلت في النوافل .

أقول : قد ذكرنا سابقاً الرِّوايات الدَّالة على أنَّ الآية الشَّريفة نزلت في النوافل أو النوافل في السَّفر ، وقلنا : إنَّها ضعيفة السَّند ، فراجع.

والإنصاف : أنَّ احتمال أن يكون المقطع الأخير من كلام الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله وإن كان وارداً إلَّا أنَّ الاعتناء بمثل هذا الاحتمال في رفع اليد عن ظاهر الكلام في كونه من تتمَّة الرِّواية مشكل جدّاً.

لا سيَّما لا يوجد في الكلام ما يدلّ على انتهاء الرِّواية عند كلمة قِبلة من قوله : (انتهى) ، ونحو ذلك.

وأمَّا ما عن السَّيد ابن طاووس رحمه الله في أمان الأخطار من الرجوع إلى القرعة.

ففيه أوَّلاً : أنَّ مورد استعمال القرعة إنَّما هو الموضوعات الخارجيَّة التي لا يمكن معرفة حكمها باستعمال شيء من الأصول والقواعد المقررة في الشريعة الإسلامية ، التي منها قاعدة الاشتغال عند الشك في المكلَّف به ، والبراءة عند الشكِّ في التكليف.

ومن المعلوم أنَّ الشَّارع المقدَّس إنَّما جعل القرعة لكلِّ أمر مشكل ، أي : تلبَّس أمره في مرحلة الظَّاهر ، بحيث يتحيَّر فيه المكلَّف في مقام عمله ، لا مطلق ما كان مشتبهاً في الواقع ، وإلَّا فجلُّ الموضوعات الخارجية والأحكام الشرعية كذلك .

وثانياً : أنَّ عمل القرعة لازمه طرح الأخبار الواردة في المسألة من دون مجوِّز يعتدّ به ، والله العالم .

 

قوله : (أمَّا العاجز عن الاجتهاد ، وعن التعلُّم ، كالمكفوف ، فيقلِّد المسلم العَدْل العارِف بالأدلَّة ، وإن كان عبداً أو امرأةً ، وفي الفاسق الكافر عند التعذُّر ، وإفادة الظنّ وجه قوي بالجواز ، وقيل : يصلِّي إلى أربع ولو وجد مجتهدين قلَّد أعلمهما ، فإن تساويا تخيّر)[1]

المعروف بين الأعلام أنَّ الأعمى يعوَّل على غيره ، وفي الجواهر : (مخيِّراً - كان الغير - أو مجتهداً ، على المشهور بين الأصحاب في الأعمى ، نقلاً وتحصيلاً ، بل لا أجد فيه خلافاً صريحاً ، إلَّا من الشَّيخ في الخلاف ، فيصلِّي إلى أربع ... )[2] .

أقول : بناءً على ما ذكرناه سابقاً من أنَّ الظنَّ الحاصل له من قول غيره يصدق عليه التحرِّي يكون الأعمى حينئذٍ بعد حصول الظنّ له من قول غيره مجتهداً .

نعم ، أمارات الاجتهاد بالنسبة إليه منحصرة غالباً في الرِّجوع لغيره ، ولعلَّ المراد من التقليد في عبارة المصنِّف رحمه الله هنا ، وفي عبارات غيره من الأعلام هو هذا القسم من الاجتهاد ، لا أنَّه عندنا شيء ثالث غير العلم ، وما يقوم مقامه من الأمارات الشرعيَّة ، وغير الظنّ ، يسمَّى التقليد ، بل عندنا مرتبتان:

الأُولى : العلم ، وما يقوم مقامه.

والثانية : الظنّ ، والتي تسمَّى هذه المرتبة بالاجتهاد .

وعليه ، فيسقط البحث عن كثير من الأمور التي ذكرها المصنِّف رحمه الله ، وغيره ، كاعتبار العدالة في غيره وعدمه ، حتّى قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (فإنْ تعذَّر العَدْل فالمستور ، فإنْ تعذَّر ففي جواز الركون إلى الفاسق - مع ظنِّ صدقه - تردُّد ، من قوله تعالى : فتبيَّنوا ، ومن أصالة صحَّة أخبار المسلم .

أمَّا لو لم يجد سوى الكافر ففيه وجهان ، مُرتَّبَان - أي : على الوجهَيْن في الفاسق - ثمَّ قال : - وأَوْلى بالمنع ، لأنَّ قبول قوله ركون إليه ، وهو منهي عنه ، ويقوى فيهما الجواز ، إذ رُجْحان الظنِّ يقوم مقام العلم في العبادات ... )[3] .

وعن جماعة من الأعلام ، منهم الشَّيخ رحمه الله في المبسوط ، والعلَّامة رحمه الله في التذكرة ، والمحقِّق الثاني رحمه الله في جامع المقاصد ، والشهيد الثاني رحمه الله : إطلاق المنع من تقليد الكافر والفاسق.

لكن عن المبسوط : جواز تقليد الصبي ، مع اشتراطه العدالة.


[1] الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشهید الاول، ج1، ص159.
[2] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج7، ص397.
[3] الذكرى، الشهيد الأول، ص164.