الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/04/03
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : في السّجود ومواضعه
أقول : قد ذكرنا في أكثر من مناسبة أنّ كتاب الفِقه الرضوي لم يثبت أنّه للإمام الرّضا عليه السلام حتّى يكون ذلك روايةً ، بل لعلّ الثابت أنّه فتاوى لوالد الشيخ الصدوق رحمه الله .
نعم ، ما كان فيه بعنوان (رُوِي) يكون ذلك رواية مرسلة ، وكذا ما في المقنع ، فإنّها مرسلة .
وأمّا ما ذكره من وجوب التحرّز عن الضرر المظنون ، فهو في محلّه ، فيما لو كان منشأ خوفه أمراً عقلائيّاً .
قوله : (ولو خاف على بقية الأعضاء ، ولا وقاية جاز الإيماء ، وكذا في كل موضع يتعذر السّجود)
أمّا جواز الإيماء فيما لو خاف على بقيّة الأعضاء ، مع عدم الوقاية ، فلِما تقدّم من دفع الضرر المظنون .
وأمّا الإيماء في كلّ موضع يتعذّر فيه السّجود فللروايات الواردة في مناسبات متفرّقة ، ففي موثّقة عمّار المتقدّمة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : سألتُه عن الرّجل يؤمِئ في المكتوبة والنوافل إذا لم يجد ما يسجد عليه ، ولم يكن له موضع يسجد فيه ؟ فقال : إذا كان هكذا فليؤمّ في الصّلاة كلّها)[1] .
وكذا موثّقته الأخرى المتقدّمة أيضاً عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : سألتُه الرّجل يصيبه المطر ، وهو في موضع لا يقدر على أن يسجد فيه من الطين ، ولا يجد موضعاً جافّاً ، قال : يفتتح الصّلاة ، فإذا ركع فَلْيركع كما يركع إذا صلّى ، فإذا رفع رأسه من الرّكوع فليؤمّ بالسّجود إيماءً ، وهو قائم يفعل ذلك حتّى يفرغ من الصّلاة ، ويتشهد وهو قائم ، ويسلّم)[2] .
وكذا معتبرة أبي بصير (قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : مَنْ كان في مكان لا يقدر على الأرض فليؤمّ إيماءً)[3] ، وهذه الرّواية ليست ضعيفة ، لأنّ أحمد بن هلال العبرتائي الوارد في السّند ثقة على الأصحّ ، وكذا غيرها من الرّوايات .
قوله : (ويجب إدناء الجبهة إلى ما يمكن)
قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (والأقرب وجوب الإيماء إلى ما يقارب السّجود الحقيقي لأنّه أقرب إليه ... ) .
أقول : قد يُستدلّ لذلك بقاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور .
وفيها : ما ذكرناه في أكثر من مناسبة من أنّ الدليل الدال عليها ضعيف السّند .
ومن هنا فمقتضى الصناعة العلميّة عدم وجوب إدناء الجبهة إلى ما يمكن ، بل يكفي مطلق الإيماء ، والله العالم .
قوله : (والوحل والمطر يجوزان الإيماء)
لِمَا عرفت في موثّقة عمّار الثانية ، وكذا غيرها من الرّوايات .
قوله : (ولو سجد فيها جاز إذا تمكنت الجبهة)
لا إشكال في الجواز مع تمكّن الجبهة ، وإنّما الكلام في الوجوب ، إذ قد يُقال : بعدمه ، للتلطّخ بالوحل .
ولكنّ الإنصاف : هو الوجوب مع تمكّن الجبهة ، وإن تلطخ بالوحل ، إلّا إذا لزم الحرج فيرتفع الوجوب ، ويكتفي بالإيماء لأدلّة نفي الحرج مع معلوميّة سهولة الملّة ، والله العالم .
قوله : (ويستحب السجود على الأرض)
هذا هو المعروف بين الأعلام قديماً وحديثاً ، وفي جميع الأعصار والأمصار .
ويدلّ عليه جملة من الروايات :
منها : صحيحة هشام ابن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديث - (قال : السّجود على الأرض أفضل لأنّه أبلغ في التواضع والخضوع لله عزّوجل)[4] .
ومنها : رواية إسحاق بن الفُضيل (أنّه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن السّجود على الحُصر والبواري ، فقال : لا بأس ، وأن يسجد على الأرض أحبّ إليّ ، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يحبّ ذلك أن يمكّن جبهته من الأرض ، فأنّا أحبّ لك ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحبّه)[5] ، وهي ضعيفة ، لعدم وثاقة إسحاق بن الفُضيل ، وتوثيق الشّهيد الثاني رحمه الله له غير مفيد ، لأنّه من المتأخّرين ، وقد عرفت أنّ توثيقات المتأخّرين إذا لم توجب الوثوق والاطمئنان فلا اعتبار بها .
ومنها : مرسلة الشّيخ الصّدوق رحمه الله (قال : وقال الصّادق عليه السلام : السّجود على الأرض فريضة ، وعلى غير ذلك سنّة)[6] ، ولكنّها ضعيفة بالإرسال ، ورواها الشّيخ الصّدوق رحمه الله في العِلل مسنداً ، ولكنّها ضعيفة بالرفع .
وقيل في معناها بعض الوجوه :
الأوَّل : أنّ المراد أنّ السّجود على الأرض فيه ثواب الفريضة ، وعلى ما أنبتت ثواب النافلة .
الثاني : أنّ المستفاد من أمر الله تعالى بالسّجود إنّما هو وضع الجبهة على الأرض ، إذ هو غاية الخضوع والعبودية .
وأمّا جواز وضعها على غير الأرض فإنّما استفيد من فعل النبي (صلى الله عليه وآله) ، وقوله رخصة ورحمة ، والله العالم .
قوله : (وعلى التربة الحسينية)
لا ريب في أنّ أفضل الأرض هي تربة سيد الشهداء عليه السلام .
ويدلّ عليه جملة من الأخبار - بعد التسالم بين جميع الأعلام قديماً وحديثاً ، بل هو واضح عند كلّ الشّيعة حتّى الصبيان منهم يعرفون ذلك - :
منها : ما رواه الشّيخ في المصباح عن معاوية بن عمّار (قال : كان لأبي عبد الله عليه السلام خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله عليه السلام ، فكان إذا حضرته الصّلاة صبّه على سجادته وسجد عليه ، ثمّ قال عليه السلام : إنّ السّجود على تربة أبي عبد الله عليه السلام تخرق الحجب السّبع)[7] ، وهي ضعيفة بالإرسال .
لا يُقال : إنّ الشّيخ رحمه الله له طريق صحيح إلى معاوية بن عمّار .
فإنّه يُقال : هذا إذا كانت الرّواية موجودة في التهذيبين فإنّه التزم هناك أنّ مَنْ بدأ به السّند تكون الرّواية مأخوذة من كتابه وأصله ، وأمّا في غيرهما فلم يحرز أنّ الرّواية مأخوذة من أصل معاوية بن عماّر .
ومجرد أنّ روايها هو معاوية بن عمّار فلا يكفي لإحراز كونها من أصله .
ومنها : ما في إرشاد الدّيلمي (قال : كان الصّادق عليه السلام لا يسجد إلّا على تربة الحسين عليه السلام تذلّلاً لله واستكانة إليه)[8] ، وهي ضعيفة بالإرسال أيضاً .
ومنها : مرسلة الفقيه (قال : قال الصّادق عليه السلام : السّجود على طينِ قبر الحسين عليه السلام ينوّر إلى الأرضين السّبعة ، ومَنْ كانت معه سبحة من طين قبر الحسين عليه السلام كتب مسبّحاً وإن لم يسبّح بها )[9] ، ولكنّها ضعيفة بالإرسال أيضاً .