الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/03/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : في السّجود ومواضعه

 

هذا ، وظاهر عبارة المصنِّف رحمه الله في الذكرى في مبحث ما يسجد عليه كفاية المسمّى ، ولكن في مبحث السّجود عدل عنه ، حيث قال : والأقرب أن لا ينقص في الجبهة عن درهم لتصريح الخبر ، وكثير من الأصحاب به ، فيُحمل المطلق من الأخبار وكلام الأصحاب على المقيّد.[1]

وكذا ظاهر الصّدوق رحمه الله في الفقيه ، وكذا ظاهر المصنّف رحمه الله هنا ، حيث قال : وقدَّر ابن بابويه موضع الجبهة بدرهم ، وسكت ، ولم يعلّق عليه .

ثمّ إنّ المراد من الخبر في قوله رحمه الله في الذكرى : لتصريح الخبر هو حسنة زرارة المتقدّمة.

ويرد عليه : أنّ حسنة زرارة دالّة على خلاف ما ذكره ، لأنّها صرَّحت بالاكتفاء بطرف الأنملة ، وهو دون الدِّرهم ، بل في المستند أنّه دون الدِّرهم بكثيرٍ قطعاً .

كما أنّه يرد عليه من أنّ الكثير من الأصحاب إنّما قالوا : (بالمسمى) ، ولم ينقل القول (بمقدار) الدرهم إلَّا عن الشيخ الصدوق رحمه الله في الفقيه ، مع أنّه قد لا يكون ذلك قولاً له ، لأنّه روى في الفقيه بعض النصوص الظاهرة في المسمّى بعدما ذكر الدِّرهم بلا فصل معتدّ به .

مع أنّه ذكر في الديباجة أنّه لا يروي إلّا ما يعمل به ، ولذا نسب الأصحاب إليه العمل في مقامات كثيرة بمجرد روايته .

ثمّ إنّه قد يُستدلّ على عدم الاجتزاء بأقلّ من درهم بخبر دعائم الإسلام أقلّ ما يُجزئ أن يصيب الأرض من جبهتك قدر الدرهم[2] ، وهو وإن كان واضحاً جدّاً إلَّا أنّه ضعيف بالإرسال .

والخلاصة إلى هنا : أنّه يكفي المسمّى ، والله العالم .

وأمَّا الكفَّان : فالمعروف بين الأعلام أيضاً كفاية السّجود على الكفَّيْن بحصول المسمَّى كالجبهة ، فلا يعتبر فيهما الاستيعاب ، بل عن المقاصد العليّة : دعوى الإجماع على كفاية المسمّى .

وفي الحدائق : الظاهر من كلام الأصحاب من غير خلاف يُعرف أنّه يكفي في ما عدا الجبهة من هذه الأشياء المعدودة ما يصدق به الاسم ، ولا يجب الاستيعاب ، قال في المدارك : ولا نعرف فيه خلافاً ، وقال الذخيرة : ولم نجد قائلاً بخلاف ذلك - إلى أن قال : - والعجب أنَّ العلَّامة مع تصريحه في أكثر كتبه بهذا الحكم تردّد في المنتهى في الكفَّيْن ، فقال : هل يجب استيعاب جميع الكفّ بالسّجود ، عندي فيه تردد ، والحمل على الجبهة يحتاج إلى دليل ، لورود النصّ في خصوصيّة الجبهة ، والتعدّي بالإجزاء في البعض يحتاج إلى دليل .[3]

وحاصل دليل العلّامة رحمه الله هو دعوى ظهور الأدلّة في الاستيعاب فيرفع اليد عنه بالنسبة إلى الجبهة بواسطة النصّ .

وفيه : أنَّنا نمنع ظهور الأدلّة في الاستيعاب ، بل ظاهر الأدلّة تحقّق صدق وضع الكفّ والسّجود عليها بالبعض ، وأنّه ليس من الأفعال المقتضية للاستيعاب ، كالغُسل ونحوه .

وعليه ، فلا يحتاج إلى دليل بالخصوص .

وأمَّا الاستدلال لوجوب الاستيعاب بخبر أبي بصير عن أبي عبد الله ’ - في حديث - قال : إذا سجدت فابسط كفَّيْك على الأرض[4] .

ففيه أوَّلاً : أنّه ضعيف بعليّ بن أبي حمزة البطائني .

وأمّا طريق الشّيخ رحمه الله إليه في المشيخة فهو صحيح ، وليس ضعيفاً كما عن بعض الأعلام .

وثانياً : يحمل على الاستحباب لم تقدّم ، ولمخالفة ظاهره للمتّفق عليه بين الأعلام ، إذ لا يُشترط في الكفَّيْن وضعهما على الأرض ، بخلاف الجبهة .

هذا ، وقد يستدلّ لوجوب الاستيعاب بأنّ الإطلاقات منصرفة إلى ما هو المتعارف عند أهل الشّرع ، وهو الاستيعاب في الكفين .

وفيه : أنّ هذا الانصراف خارجيّ لا يضرّ بالإطلاق .

والخلاصة : أنّه يكفي المسمّى ولو بالأصابع فقط ، كما هو صريح المصنف رحمه الله في الذكرى ، والعلّامة رحمه الله في التذكرة ، لأنّها جُزء من الكفّ .

ولكن قد ينافيه الخبر المروي عن تفسير العيّاشي رحمه الله عن زرقان صاحب ابن أبي داود عن ابن أبي داود : أنّه رجع من عند المعتصم وهو مغتم - إلى أن قال : - فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه ، وقد أحضر محمّد بن علي ’ - إلى أن قال الإمام الجواد ’: - فإنَّ القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع ، فيترك الكف ، قال : لِمَ ، قال : لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : السّجود على سبعة أعضاء ، الوجه واليدين والركبتين والرِجْلين ، فإذا قطعت يده من الكرسوع ، أو المرفق ، لم يبقَ له يد يسجد عليها ، وقال الله - تبارك وتعالى - : وأنّ المساجد لله ، يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يُسجد عليها (فلا تدعوا مع الله أحداً) ، وما كان لله لم يقطع ، قال : فأعجب المعتصم ذلك ، فأمر بقطع يد السّارق من مفصل الأصابع ، دون الكفّ ... [5] .

ومقتضى هذا الحديث : أنّه لو سجد على الأصابع دون راحة الكفّ لم يجتزئ به ، ولكنّه ضعف بزرقان ، وابن أبي داود .

وعليه ، فيكفي وضع الأصابع دون الكفّ .

نعم ، لو سجد على رؤوس الأصابع لم يجتزئ به كما في المسالك ، لأنّها حدّ الباطن .

وأمَّا الركبتان : فأيضاً يجزي وضع المسمّى منهما ، ولا يجب الاستيعاب ، بل هو متعذّر غالباً ، وفي الجواهر : أنّهما بالنسبة إلى الرجلين كالمرفقين لليدين ، فينبغي حال السّجود وضع عينيهما ولو بالتمدّد في الجملة ، كما فعله الصّادق ’ في تعليم حمّاد كي يعلم حصول الامتثال ... [6] .

أقول : قد يفهم من كلامه أنّه خص الركبة بموضع العظم المستدير الواقع على الموصل ، وسُمّي هذا العظم عين الركبة ، مع أنّ عين الركبة على ما في القاموس : نقرة الركبة .

أقول : إذا كان الأمر كذلك فإنّه يتعسر جدّاً السّجود على النقرة ، مع أنّه سيأتي - إن شاء الله تعالى - في مبحث الركوع أنّ بعض الأخبار حضّت على تمكين الراحتين من الركبتين ، وتبليغ أطراف الأصابع عين الركبة ، ففي صحيحة زرارة وتمكّن راحتيك من ركبتيك ، وبلغ أطراف أصابعك عين الركبة - إلى أن قال : - وأَحبّ إليّ أن تمكّن كفَّيْك من ركبتيك ، فتجعل أصابعك في عين الركبة ... [7] .

ويظهر من هذه الصحيحة أنّ عين الركبة أسفل من ذلك العظم المستدير الذي هو بمنزلة المرفق من اليد ، فلا يحتاج وضعها على الأرض إلى التمدّد .

ثمّ إنّه لو سلّمنا أنّ عين الركبة هو ما ذكره صاحب الجواهر رحمه الله ، إلّا أنّه لا دلالة في صحيحة حمّاد بن عيسى[8] على وجوب وضع الكفّين على عين الركبتين ، بل ذلك مستحبّ ، كما هي دالّة على كثيرٍ من المستحبّات ، إذ من البعيد جدّاً أن لا يحسن حمّاد الصّلاة الواجبة ، وهو ابن ستين ، أو سبعين سنة.


[1] الذكرى، الشهيد الأول، ص201.
[2] مستدرك الوسائل، المحدث النوري، ج5، ح11، أبواب ما يسجد عليه، باب8، ح2.
[3] الحدائق الناضرة، الشيخ يوسف البحراني (صاحب الحدائق)، ج8، ص277.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص375، أبواب ما السجود، باب19، ح2، ط آل البیت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج28، ص252، أبواب حد السرقة، باب4، ح5، ط آل البیت.
[6] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج10، ص139.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص461، أبواب أفعال الصّلاة، باب1، ح3، ط آل البیت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص459، أبواب أفعال الصّلاة، باب1، ح1، ط آل البیت.