الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/03/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : في السجود ومواضعه

قوله : (درس 33)

(لا يجوز السجود بالجبهة إلا على الأرض ، أو ينبت منها مما لا يؤكل ، ولا يلبس)[1]

قال المصنّف رحمه الله في الذكرى : (أطبق الأصحاب على أنّه لا يجوز السّجود على ما ليس بأرض ، ولا ما ينبت فيها ، كالجلد ، والصّوف ، والشّعر ، والحرير ، وأجمع العامّة على جوازه ... ) .

والإنصاف : أنّ دعوى الإجماع إن لم تكن متواترة ، فهي مستفيضة جدّاً ، وقد حكى في مفتاح الكرامة دعواه عمَّا يزيد على ثلاثة عشر كتاباً للقدماء والمتأخّرين من أصحابنا ، وفي الجواهر : (إجماعاً محصلاً ، ومنقولاً ، ومستفيضاً ، بل متواتراً ، كالنصوص التي ستسمع في أثناء البحث جملة منها ، بل يمكن دعوى ضرورة المذهب عليه ... ) .

أقول : يدلّ على الحكم المزبور بعد التسالم بين جميع الأعلام قديماً وحديثاً ، وفي جميع الأعصار والأمصار ، عدّة من النصوص :

منها : صحيحة هشام بن الحكم (أنّه قال لأبي عبد الله عليه السلام : أخبرني عمّا يجوز السّجود عليه ، وعمّا لا يجوز ؟ قال : السّجود لا يجوز إلّا على الأرض ، أو على ما أنبتت الأرض إلّا ما أكل ، أو لبس ، فقال له : جعلت فداك ! ما العلّة في ذلك ؟ قال : لأنّ السّجود خضوع لله عزّوجل فلا ينبغي أن يكون على ما يُؤكل ، ويلبس ، لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ، ويلبسون ، والسّاجد في سجوده في عبادة الله عزّوجل فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذي اغترّوا بغرورها ... )[2] .

ومنها : صحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (أنّه قال : السّجود على ما أنبتت الأرض إلّا ما أكل ، أو لبس)[3] .

ومنها : ما في الخِصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمّد عليه السلام في حديث شرايع الدّين (قال : لا يسجد إلّا على الأرض ، أو ما أنبتت الأرض ، لا المأكول والقطن والكتاب)[4] ، ولكنّها ضعيفة ، لأنّ إسناد الصّدوق رحمه الله إلى الأعمش ضعيف بجهالة أكثر من شخص .

ومنها : ما في الخِصال أيضاً بإسناده عن عليّ عليه السلام في حديث الأربعمائة (قال : لا يسجد الرّجل على كدس الحنطة ، ولا شعر ، ولا على نون ممّا يُؤكل ، ولا على الخبز)[5] ، وهي ضعيفة أيضاً بالقاسم بن يحيى ، وجدّه الحسن بن راشد ، فإنّهما غير موثّقين ، وكذا غيرها من الرّوايات التي سيأتي بعضها إن شاء الله تعالى .

وقدِ اتّضح مما ذكرنا من النصوص عدم جواز السجود على ما يؤكل ، ويلبس مما أنبتت الأرض ، وأيضا هناك تسالم بين الأعلام على عدم الجواز .

نعم ، هناك كلام في القطن والكتان ، بل حكي عن السّيد المرتضى رحمه الله في المسائل المُوصلية كراهة السّجود على ثياب القطن ، والكتان ، وسيأتي الكلام عنهما قريباً إن شاء الله تعالى عند قول المصنّف رحمه الله : (ولو اضطرّ سجد على القطن ، والكتان ، إلّا اختياراً على الأصحّ)[6] .

ثمّ إنّه ما المراد من المأكول والملبوس ؟

الظاهر أنّ المراد منهما ما كان من شأنه أن يُؤكل وإن احتاج إلى علاج من طبخ ، أو شوي ، أو غيرهما ، وهكذا الملبوس ، فإنّ المراد منه ما كان من شأنه أن يُلبس وإن احتاج إلى غزل ، أو نسج ، أو خياطة .

وعليه ، فلا يُشترط في المأكول والملبوس كونهما بحيث ينتفع بهما بالفعل ، بل تكفي القوّة القريبة منهما ، فلو توقّف الأكل على طحن أو طبخ ، واللبس على غزل ، ونسج لم يخرجه ذلك عن صدق المأكول والملبوس عليه قبل تلك الحال . وليس هذا من إطلاق المشتق على المستقبل المعلوم مجازيّته ، بل إطلاق المأكول والملبوس على من أَكَل ولبس بالقوّة القريبة من الفعل ، قد صار حقيقة عرفاً ، وإلّا لم يجز في العرف إطلاق اسم المأكول على الخبز قبل المضغ ، والازدراد .

وممّا ذكرنا تعرف أنّه لا يصحّ السّجود على الحنطة المكسيّة بقشرها الأعلى ، ونحوها مما ليس بمأكول فعلاً ، فضلاً عن القِشر الملاصق لها ، فإنّه يصدق عليه عرفاً أنّه سجود على المأكول ، بل وكذلك يصدق ذلك لو سجد على اللوز ، والجوز ، ممّا لا يصلح للأكل إلّا لُبْه ، مع أنّه لا تقع السجدة إلّا على قشره ، فإنّ القشرعند اشتماله على اللبّ لا يلاحظ عند العرف بحياله فيكون السجود عليه بنظر العرف سجدة على المأكول .

نعم ، لو انفصل القِشر جاز السّجود عليه على الظاهر لأنّه من نبات الأرض وليس بمأكول ، وحكي عن العلّامة رحمه الله في التذكرة والمنتهى أنّه جوز السّجود على الحنطة والشعير قبل الطحن ، وعلّله في المنتهى : (بكونهما غير مأكولين عادةً)[7] ، وعلّله في التذكرة : (بأنّ القشر حائل بين المأكول والجبهة )[8] .


[1] الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشهید الاول، ج1، ص157.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص343، أبواب ما يسجد عليه، باب1، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص344، أبواب ما يسجد عليه، باب1، ح2، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص344، أبواب ما يسجد عليه، باب1، ح3، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص344، أبواب ما يسجد عليه، باب1، ح4، ط آل البيت.
[6] الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشهید الاول، ج1، ص157.
[7] الحدائق الناضرة، الشيخ يوسف البحراني (صاحب الحدائق)، ج7، ص257.
[8] الحدائق الناضرة، الشيخ يوسف البحراني (صاحب الحدائق)، ج7، ص257.