الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/02/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أحكام المساجد
قوله : (وكثرة الاختلاف إليها)
المعروف بين الأعلام استحباب كثرة الاختلاف إليها .
 يدلّ عليه جملة من الرّوايات :
 منها : معتبرة السّكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الاتّكاء في المسجد رهبانيّة العرب، إنّ المؤمن مجلسه مسجده، وصومعته بيته)[1].
 ومنها : معتبرة السّكوني أيضاً عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام (قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله) : من سمع النداء في المسجد فخرج من غير علّة فهو منافق، إلّا أن يريد الرّجوع إليه)[2].
 ومنها : رواية الأصبغ عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام (قال : كان يقول : منِ اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان : أخا مستفاداً في الله، أو علماً مستطرفاً، أو آيةً محكمةً، أو يسمع كلمةً تدلّ على هدًى، أو رحمةً منتظرةً، أو كلمةً تردّه عن ردًى، أو يترك ذنباً خشيةً، أو حياءً )[3]، ولكنّها ضعيفة بعدم وثاقة سعد الإسكاف، وجهالة زياد بن عيسى، إذ لم يحرز أنّه أبو عبيدة الحذَّاء .
 ورواه الصّدوق رحمه الله في الفقيه مرسلاً، ورواه في ثواب الأعمال والخِصال والمجالس مسنداً، إلّا أنّه ضعيف بما عرفت .
 ورواه البرقي في المحاسن مسنداً، إلّا أنّه ضعيف بجهالة يزيد بن هارون، والعلاء بن راشد، وعمير بن المأمون، وعدم وثاقة سعد بن ظريف .
 ورواه الحميري في قرب الإسناد مسنداً، إلّا أنّه ضعيف بمسعدة بن صدقة فإنّه غير موثّق .
 ومنها : معتبرة السّكوني عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليه السلام (قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله) : مَنْ كان القرآن حديثه، والمسجد بيته، بنى الله له بيتاً في الجنة)[4].

قوله : (وتعاهد النعل)
قدِ استُدلّ لذلك بمعتبرة عبد الله بن ميمون القدّاح عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليه السلام (قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله) : تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم، ونهى أن ينتعل الرجل، وهو قائم)[5]، وهي معتبرة لأنّ الحسن بن علي الكوفي الواقع في السند هو ابن عبد الله بن المغيرة الثقة، وأمّا جعفر بن محمّد الراوي عن عبد الله بن ميمون القداح، فهو جعفر بن محمّد بن إبراهيم الملقّب بالشريف الصالح، وهو جعفر بن محمد بن عبيد الله .
 وبالجملة، فهو ممدوح .
 وقد استُدلّ أيضاً : بما رواه الطبرسي في مكارم الأخلاق عن النبي (صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى : (خذوا زينتكم عند كل مسجد)، قال : (تعاهدوا نعالكم عند أبواب المسجد)[6]، ولكنّه ضعيف بالإرسال .
 ثمّّ إنّ المشهور بين الأعلام هو تفسير التعاهد باستعلام حالها عند الدخول، استظهاراً للطهارة، واحتمل بعض الأعلام أنّ المراد بتعاهد النعل أن يُودعه عند أمين، ونحوه، لئلا يشتغل قلبه في حال الصّلاة به، ولكنّه بعيد .
 هذا، وقال الجوهري : (التعهّد التحفُّظ بالشيء، وتجديد العهد به، وهو أفصح من قولك تعاهدت، لأنّ التعاهد إنّما يكون بين اثنين) .
 أقول : استعمال التعاهد بمعنى التعهّد كثير شائع، كما ورد في تعاهد الجيران، وتعاهد القرآن الكريم، وقولك : فلان يتعاهدنا، أي يراعينا، ويحنو علينا .
 وبالجملة، فالتعاهد وإن كان من حيث الأصل والحقيقة لا يستعمل إلّا بين اثنين، كما هو قاعدة باب التفاعل، إلّا أنّه يستعمل بمعنى التعهد مجازاً شائعاً .
قوله : (والدخول باليمين، والخروج باليسار)
قال صاحب المدارك : (علَّله في المعتبر بأنّ اليمين أشرف، فيدخل بها إلى الموضع الشريف، وبعكسه الخروج) .
 أقول : قدِ استُدلّ لذلك برواية يونس عنهم عليهم السلام (قال : الفضل في دخول المسجد أن تبدأ برجلك اليمين إذا دخلت، وباليسرى إذا خرجت)[7]، ولكنّها ضعيفة بجهالة صالح بن سعيد الراشدي .
قوله : (والدعاء فيهما)
 المعروف بين الأعلام استحباب الدعاء عند دخول المسجد وعند الخروج .
 وقدِ استُدلّ لذلك بعدَّةٍ من الرّوايات :
 منها : حسنة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : إذا دخلتَ المسجد فصلِّ على النبي (صلى الله عليه وآله) وإذا خرجت فافعل ذلك)[8].
 ومنها : موثّقة سماعة (قال : إذا دخلت المسجد فقل : بسم الله، والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وملائكته على محمد وآل محمد، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته، رب اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك، وإذا خرجت فقل : مثل ذلك)[9]، وقد عرفت أنّ مضمرات سماعة مقبولة .
 ومنها : رواية عبد الله بن الحسن (قال : إذا دخلتَ المسجد، فقل : اللهمّ اغفر لي، وافتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرجت فقل : اللهمّ اغفر لي، وافتح لي أبواب فضلك)[10]، ولكنّها ضعيفة بالإضمار، بوجهالة عبد الله بن الحسن .
 ومنها : رواية عبد الله بن الحسن عن أمّه فاطمة عن جدّته فاطمة عليهما السلام (قالت : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا دخل المسجد صلّى على النبي (صلى الله عليه وآله)، وقال : اللهمّ اغفر ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج من الباب صلى على النبي (صلى الله عليه وآله)، وقال : اللهمّ اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك)[11]، ولكنّها ضعيفة بجهالة أكثر من شخص، وبالإرسال، لأنّ فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السلام لم تكن موجودة عند شهادة جدّتها فاطمة الزهراء عليه السلام، وعبد الله بن الحسن في هذه الرّواية هو عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، وأمّه فاطمة بنت الحسين عليه السلام، وجدّته فاطمة الزهراء عليه السلام .
قوله : (وصلاة التحيّة، والدعاء عقيبها)
المعروف بين الأعلام استحباب تحيّة المسجد بالصّلاة ركعتين .
 ويدلّ على ذلك بعض الأخبار :
 منها : ما رواه الشّيخ الصدوق رحمه الله في معاني الأخبار، وفي الخِصال بسنده فيهما إلى أبي ذرٍّ رضوان الله عليه (قال : دخلتُ على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو في المسجد جالس، فقال لي : يا أبا ذرّ ! إنّ للمسجد تحيّةً، قلت : وما تحيته ؟ قال : ركعتان تركعهما، فقلت : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ! إنّك أمرتني بالصّلاة، فما الصّلاة، قال : خير موضوع، فمَنْ شاء أقلّ، ومن شاء أكثر ... )[12]، ولكنّها ضعيفة لجهالة أكثر من شخص في السند، مع ضعف بعضهم، ورواها الشّيخ رحمه الله في المجالس، والأخبار، بإسناده عن أبي ذرّ رضوان الله عليه في وصيّته له .
 ولكنّك عرفت أنّ إسناده إلى أبي ذرّ رضوان الله عليه في وصيته له ضعيف بأكثر من شخص، وبعضهم مجهول الحال .
 ومنها : حديث المناهي (قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا تجعلوا المساجد طرقاً حتى تصلُّوا فيها ركعتين )[13]، وقد عرفت أنّه ضعيف جدّاً .
 ومنها : ما رواه المصنِّف رحمه الله في الذكرى عن أبي قتادة عن النبي (صلى الله عليه وآله) (قال : إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتّى يركع ركعتين[14]، وليدعُ الله تعالى عقيبهما، وليُصلّ على النبي (صلى الله عليه وآله)، وإن لم يصل جلس مستقبل القبلة، وحمد الله، وصلّى على النبي، ودعا الله، وسأل حاجته)، ولا يخفى أنّ الرّواية وردت من طرق العامّة، ولم ترد من كتب أخبارنا، وهي ضعيفة جدّاً .
قوله : (والجلوس مستقبلاً، وحمد الله، والصلاة على النبي وآله، وسؤال حاجته)
كما عن المصنِّف رحمه الله في الذكرى، وقد نقلنا عبارته .
 ويدلّ على ذلك رواية العلاء بن الفضيل عمَّن رواه عن أبي جعفر عليه السلام (قال : إذا دخلتَ المسجد وأنت تريد أن تجلس فلا تدخله إلّا طاهراً، وإذا دخلته فاستقبل القبلة، ثمّ ادعُ الله، وسلّه، وسمّ حين تدخله، واحمد الله، وصلّ على النبي (صلى الله عليه وآله) )[15]، ولكنّها ضعيفة بمحمّد بن سنان، وبالإرسال .
قوله : (ويحرم تلويثها بالنجاسة)
 المعروف بين الأعلام أنّه لا يجوز إدخال النجاسة إلى المسجد إذا كانت مسرية، لا مطلقاً، كما أنّه لا يجوز إزالة النجاسة فيها إذا كانت موجبة للتلويث المسجد .
 وأمّا إذا فرض كون النجاسة غير ملوّثة، وكان إزالتها على وجه لا ينجس المسجد إمّا لطهارة الغُسالة - كما هو الصحيح - أو لكون المُزال به ماءً كثيراً، أو أزيلت في إناء جارٍ، بناءً على حرمة الملوّث من النجاسة خاصّة، ولم يجز بناء على الإطلاق، واحتمال حرمة الإزالة هنا تعبّداًَ، لما فيه من الامتنان، لا دليل عليه .
 هذا، ولو أصابته نجاسة وجبت إزالتها فوراً، سواء كان بفعله، أم بفعل غيره .
 ثمّ إنّه قد ذكرنا المسألة بالتفصيل في باب الطهارة في درس التاسع عشر عند قول الماتن : (ودخول المسجد مع التعدي )، وعند قوله : (والمساجد) فراجع، ولسنا بحاجة للإعادة .


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، . باب29 من أبواب أحكام المساجد ح1.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، . باب35 من أبواب أحكام المساجد ح1.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، . باب32 من أبواب أحكام المساجد ح1.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، . باب3 من أبواب أحكام المساجد ح2.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، . باب24 من أبواب أحكام المساجد ح1.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، . باب24 من أبواب أحكام المساجد ح3.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي،  .باب40 من أبواب أحكام المساجد ح1.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي،  .باب40 من أبواب أحكام المساجد ح1.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي،  .باب39 من أبواب أحكام المساجد ح4-5.
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي،  .باب39 من أبواب أحكام المساجد ح4-5.
[11] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي،  .باب41 من أبواب أحكام المساجد ح2.
[12] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، .باب42 من أبواب أحكام المساجد ح1.
[13] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، .باب67 من أبواب أحكام المساجد ح1 .
[14] صحيح مسلم : ج.5 / ص266 .
[15] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، .باب39 من أبواب أحكام المساجد ح2 .