الموضوع : أحكام المساجد
نعم، الإشكال من جهة الدَّلالة، إذ لم يثبت أنّ المراد بالصّلاة في الآية مواضعها التي هي المساجد، قال المحقّق
الهمداني ¬ في مصباح الفقيه : ©فعمدة ما يصحّ الاستناد إليه لإثبات كراهته - فيما
عدى المسجدين - هي الشّهرة، من باب المسامحة على إشكال ... ® .
أقول : لا
يخفى أنّ الشّهرة الفتوائيّة ليست بحجّة حتّى يصلح الاستناد إليها .
والإنصاف
: هو عدم الكراهة، إلّا في المسجدين، وذلك لصحيحة زرارة ©
قال : قلتُ لأبي جعفر ’ : ما تقول في النوم في المساجد ؟ فقال
: لا بأس به، إلَّا في المسجدين، مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) والمسجد
الحرام، قال : وكان يأخذ بيدي في بعض الليل فيتنحّى ناحيةً، ثمّ يجلسُ فيتحدّث
في المسجد الحرام، فربّما نامَ هو، ونمتُ، فقلت له : في ذلك، فقال : إنّما
يُكره أن ينام في المسجد الحرام الذي كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأمّا النوم في هذا الموضع فليس به بأس®
[1]،
وهي واضحة في عدم الكراهة في غير المسجدين، والكراهة فيهما .
نعم، يظهر من الذَّيل عدم تأكّد
الكراهة في الزيادة المستحدثة .
هذا، ويظهر من بعض الرّوايات أنّ
كراهته في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) أشدّ، كما في رواية علي بن جعفر عن
أخيه ’ ©
قال : سألته عن النوم في المسجد الحرام، قال :
لا بأس، وسألتُه عن النوم في مسجد الرَّسول، قال : لا يصلح®
[2]، ولكنّها ضعيفة بعبد الله بن الحسن، فإنّه مهمل .
ثمّ مع قطع النظر عن ضعف السّند فإنّ
مقتضى الجمع بينها وبين صحيحة زرارة المتقدّمة التي أثبت كراهة النوم في مسجد
الحرام : هو حمل نفي البأس في رواية عليّ بن جعفر ¬ على خفّة الكراهة .
وممَّا يشهد لكون الكراهة في مسجد
النبي (صلى الله عليه وآله) أشدّ، رواية محمّد بن حمران عن أبي عبد الله ’ - في
حديثٍ - ©
قال : وروى أصحابنا أنّ رسول الله (صلى الله
عليه وآله) قال : لا ينام في مسجدي أحد ... ®
[3]،
وهي ضعيفة أيضاً بجهالة محمّد بن حمران .
ويظهر من هذه الرّواية حرمة النوم في
مسجد النبي (صلى
الله عليه وآله)، ولكن مع غضّ النّظر عن ضعفها سنداً، فإن هناك
تسالماً بين الأعلام على عدم الحرمة ؛ مضافاً إلى الأخبار الدّالة على الجواز .
هذا، وقد يُستفاد من بعض الأخبار عدم
الكراهة في المسجدين في مثل نوم المساكين، ونحوهم، ممَّن لا مأوى لهم :
منها : صحيحة معاوية بن وهب ©
قال : سألتُ أبا عبد الله ’ عن النوم في المسجد الحرام،
ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله)، قال : نعم، فأين ينام الناس ؟! ®
[4]. ومنها : رواية أبي البُختري عن جعفر
بن محمّد عن أبيه ’ ©
أنّ المساكين كانوا يبيتون في
المسجد على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ... ®
[5]،
ولكنّها ضعيفة بأبي البختري .
ومنها : رواية إسماعيل بن عبد الخالق ©
قال : سألتُ أبا عبد الله ’ عن النوم في المسجد الحرام، فقال
: هل للنّاس بُدّ أن يناموا في المسجد الحرام ؟! لا بأس به، قلتُ : الريح تخرج من
الإنسان ! قال : لا بأس®
[6]، وهي ضعيفة أيضاً بعدم وثاقة محمّد بن خالد الطيالسي .
ومن هذه الرّوايات يتضح لك استثناء
المصنّف ¬ هنا، وفي الذكرى، النوم لضرورة من الكراهة، والله العالم .
قوله : (وترك رطانة
الأعاجم)هذا ما ذكره المصنّف ¬ في الذكرى، حيث
قال فيها : ©وترك
التكلّم بالعجمية، لرواية السّكوني عن الصّادق ’ بإسناده إلى رسول الله (صلى الله
عليه وآله) أنّه نهى عن رطانة الأعاجم في المساجد® .
وأغلب الأعلام ذكروا أنّه يُكره رطانة
الأعاجم، واستدلّوا بروايتين :
الأُولى :
معتبرة السّكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه ’ ©
قال : نهى
النبي (صلى الله عليه وآله) عن رطانة الأعاجم في المساجد®[7].
والثانية :
رواية مسمع أبي سيّار عن أبي عبد الله ’، وهي مثلها
[8]،
ولكنّها ضعيفة بسهل بن زياد، وبمحمّد بن الحسن بن شمون، وبعبد الله بن عبد
الرحمان الأصمّ المسمعي .
قال في القاموس : ©الرطانة - ويكسر -
: الكلام بالأعجمية، ورطن له، وراطنه : كلَّمه بها، وتراطنوا تكلّموا بها® .
قوله : (وعمل الصنائع)
قال المصنِّف ¬ في الذكرى : ©وترك
عمل الصنائع مطلقاً، قاله الأصحاب، وعليه نبَّه حديث بري النبل : إنّما بُني
لغير ذلك، وقول النبي (صلى الله عليه وآله) : إنّما
نصبتْ المساجد للقرآن ... ® .
أقول
: لم أعثر على روايةٍ بخصوص استحباب ترك عمل الصنايع، أو كراهة ذلك .
ومن هنا نسبه المصنّف في الذكرى إلى
الأصحاب .
نعم، قد يُشير إليه ما ورد في صحيحة
محمّد بن مسلم عن أحدهما • ©
قال : نهى رسول الله (صلى
الله عليه وآله) عن سلِّ السَّيف في المسجد، وعن بري النبل في المسجد، قال :
إنّما بُني لغير ذلك®[9]، حيث يُستفاد من هذا التعليل،
ومن قوله (صلى الله عليه وآله) في صحيحة جعفر بن إبراهيم المتقدّمة ©إنّما نصبت
المساجد للقرآن®
[10]
: هو كراهة عمل جميع الصّناعات .
قوله : (وترك أحاديث الدنيا)قدِ استُدلّ لذلك بما رواه ورَّام بن
أبي فارس في كتابه ©
قال : قال ’ : يأتي في
آخر الزمان قوم يأتون المساجد، فيقعدون حلقاً، ذكرهم الدنيا، وحبّ الدنيا، لا
تجالسوهم، فليس لله فيهم حاجة ®
[11]، ولكنّها ضعيفة بالإرسال .
قوله : (ورمي الحصى خذفاً)كما ذكره جماعة من الأعلام منهم
المصنّف ¬ في الذكرى، وعن جماعة أخرى : أنّ الرمي مكروه، لا أنّ تركه مستحب .
وقد استدلّ للكراهة بمعتبرة السكوني
عن جعفر عن آبائه ’ ©
أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) بصر رجلا يخذف بحصاه في
المسجد، فقال : ما زالت تلعن حتى وقعت، ثمّ قال : الخذف في النادي من أخلاق قوم
لوط، ثمّ تلا ’ : وتأتون في ناديكم المنكر، قال : هو الخذف®
[12]. وقد يستدلّ أيضاً بمعتبرة زياد بن
المنذر عن أبي جعفر ’ - في حديث الخذف بالحصى - ©
ومضغ
الكِندَر في المجالس، وعلى ظهر الطّريق، من عمل قوم لوط®
[13]، والاستدلال هنا بالإطلاق، إذ لم يذكر خصوص المسجد .
ثم إنّ الرواية معتبرة، لأنّ مالك بن
عطية المذكور في السّند هو الأحمسي البجلي الثقة .
نعم، هي بطريق الصّدوق ¬ ضعيفة لوجود
محمّد بن سنان في الطريق .