الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/02/18
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : أحكام المساجد
أبا جميلة ، وهو ضعيف .
ولكنّ الموجود بطريق الكليني رحمه الله : (أخرج وفي ثوبي حصاة )[1] ، أي حصاة داخلة في ثيابه حين يفرش ثيابه على الحصى لأجل الصّلاة ، وهذه لا يجب ردّها قطعاً إلى المسجد ، وذلك للسّيرة القطعية .
وبالجملة ، فإنّه حتّى لو قلنا : بحرمة الإخراج ، إلّا أنّ هذه الحصاة المتعلّقة بثوب المصلّي مستثناة من وجوب الردّ ، لِمَا جرت به السّيرة ، وعلم من طريقة الشّرع عدم حرمة إخراجها .
ويؤيِّد ذلك : التخيير بين ردّها وطرحها في مسجد آخر ، مع أنّ العادة قاضية بأن الحصاة التي تُطرح في مسجدٍ تُلحق بقُمامته التي يجوز إزالتها بالكنس .
والخلاصة إلى هنا : أنّ الرّوايات التي استُدلّ بها للقول بالحرمة ليست تامَّةًَ .
وقدِ استُدلّ أيضاً للحرمة : بأنّ الحصى جُزء من الأرض الموقوفة ، فلا يجوز إخراجه لمنافاته للوقفيَّة ، وممَّن قيَّد الحرمة بما إذا كانت جزءاً من المسجد المحقِّق والشّهيد الثانيان وصاحب المدارك (قدس الله أسرارهم) ، حيث قال الأخير : (إنَّما يحرم إخراج الحصى منها إذا كانت بحيث تُعدّ جزءاً من المسجد ، أو من آلاته ، أمَّا لو كانت قُمامةً كان إخراجها مستحبّاً ، كالتّراب ... )[2] .
وفي كشف اللثام : (لعلّ المحرم إخراج ما هي من أجزاء أرض المسجد التي جرت عليها المسجدية ، والمكروه إخراج ما خُصّ به المسجد بعد المسجدية ، فلا خلاف ؛ وأمَّا الحصى الخارجة عن القسمين فينبغي قَمّها ، وإخراجها مع القمامة ... )[3] .
أقول : إنَّ المخرَج من المسجد على قسمين :
الأوَّل : ما كان تابعاً للمصلّي ، كالطّين الملاصق لباطن النعل من أرض المسجد في أيام المطر ، أو التراب والرمل ، والحصاة التي تدخل في ثياب مَنْ يصلّي فيها ، كما هي مورد رواية زيد الشحام ، فهذه لا إشكال في جواز إخراجها ، وعدم اقتضاء الوقفيّة المنع من ذلك .
وبالجملة ، هذا الإخراج جائز تبعاً لسائر الانتفاعات السّائغة ، حيث لا تُلاحظ حينئذٍ الأجزاء على نحو الاستقلال ، لا التبعيّة لسائر الانتفاعات الجائزة ، كأخذ مقدار يسيرٍ من ترابِ الأرض الموقوفة للتبرُّك إذا كانت من المساجد ، أو للتيمّم به ، أو غير ذلك من المقاصد العقلائية ، أو عبثاً مثلاً .
والإنصاف : أنّ إخراج ذلك غيرُ منافٍ لِمَا قصده الواقف بتحبيسها ، فإنّ المتبادر من قول القائل : وقفت هذه الأرض مسجداً ، ليس إلّا إرادة حبس مسمّاها الذي لا يقدح فيه الاختلافات اليسيرة العارضة له ، فكلّ جُزء من أجزاء الوقف ممّا لا يعتدّ به عرفاً .
ولا يؤثِّر نقصه إخلالاً بما تعلّق به غرض الواقف ، وإنِ اندرج فيما تعلّق به الوقفيّة على سبيل الإجمال ، لكنّه غير ملحوظ بالوقفيّة ، كما هو الشأن في التعبيرات الجزئيّة اللاحقة لصورتها ، أو الحاصلة باختلاف أوضاعها ، كنقل بعض أجزائها من موضعٍ إلى موضع آخر ، فلا إشكال فيه حينئذٍ .
وممّا ذكرنا يندفع ما قاله صاحب الجواهر رحمه الله من (أنّ الحرمة هي مقتضى الأصل فيما كان جزءاً من المسجد ، إذ لا مدخلية لانفصالها وقلّتها ، واستغناء المسجد عنها في ذلك ، وإلَّا لجاز إفساد المسجد جميعه ، بأخذ القليل من أجزائه فالقليل ، وهو معلوم البطلان ، بل كذا ما جعل فراشاً فيها بعد المسجديَّة ، لصيرورته كسائر آلات المسجد ... )[4] .
وجه الاندفاع : ما عرفته من أنّ الحصاة وإنِ اندرجت فيما تعلّق به الوقفيّة على نحوِ الإجمال ، ولكنّها غير ملحوظة بالوقفيّة .
والخلاصة إلى هنا : أنّ الأقوى هو القول بالكراهة ، والله العالم بحقائق أحكامه .
قوله : (وترك البصاق)[5]
المعروف بين الأعلام كراهة التنخّم والبُصاق في المسجد ، وذكر المصنِّف رحمه الله استحباب ترك البُصاق ، ولم يذكر استحباب ترك التنخم .
أقول : أمَّا كراهة التنخّم ، أو استحباب تركه ، فيدلّ عليه جملة من الأخبار :
منها : حديث المناهي (قال : نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن التنخّع في المساجد)[6] ، والتنخّع هو التنخّم ، إذ النخاعة هي النخامة ، كما في المجمع ، وهي ضعيفة جدّاً ، كما تقدّم في أكثر من مناسبة .
ومنها : المرسلة المرويّة عن المجازات النبوية عنه عليه السلام (أنّه قال : إنّ المسجد لينزوي من النخامة ، كما تنزوي الجلدة من النار إذا انقبضت واجتمعت)[7] ، ولكنّها ضعيفة بالإرسال .
ومنها : المرسلة في مجمع البحرين (النخاعة في المسجد خطيئة)[8] [9] ، وهي ضعيفة جدّاً بالإرسال ، وبغيره ، بل هي ليست مرويةً من طرقنا .
وقد استدلّ أيضاً بالرّوايات الدّالة على استحباب ردّها إلى الجوف ، وصيانة المسجد عنها ، إزالتها عن المسجد :
منها : رواية عبد الله بن سنان (قال : سمعتُ أباعبد الله عليه السلام يقول : من تنخّع في المسجد ، ثمّ ردّها في جوفه لم يمرّ بداءً في جوفه إلّا أبرأته)[10] ، وهي ضعيفة بأبي إسحاق النهاوندي ، واسمه إبراهيم بن إسحاق الأحمري ، وراه الصّدوق رحمه الله مرسلاً ، إلّا أنّه قال : (من تنخّم) ،وهي ضعيفة بالإرسال ، رواها الصّدوق رحمه الله في ثواب الأعمال ، ولكنّه ضعيف أيضاً بجهالة كلّ من محمد بن حسان ، وأبيه .
ومنها : رواية إسماعيل بن مسلم الشّعيري عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام (قال : مَنْ وقّر بنخامته المسجد لقي الله يوم القيامة ضاحكاً ، قد أعطي كتابه بيمينه) ، وهذه الرّواية ضعيفة بطريق الشّيخ ، بجهالة موسى بن يسار وعليّ بن جعفر السّكوني ، ولكنّها معتبرة في المحاسن للبرقي .
ومنها : مرسلة الفقيه (قال : رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) نخامةً في المسجد ، فمشى إليها بعرجون من عراجين أرطابٍ فحكَّها ، ثمّ رجع القهقرى ، فبنى على صلاته)[11] ، هي ضعيفة بالإرسال .
وأمَّا البصاق : فيدلّ على كراهته عدّة روايات :
منها : معتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليهم السلام (أنَّ عليا عليه السلام قال : البُزاق في المسجد خطيئة ، وكفارته دفنه)[12] .
ومنها : رواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه (قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ردّ ريقه تعظيماً لحقِّ المسجد جعل الله ريقه صحةً في بدنه ، وعوفي من بلوى في جسده)[13] ، ولكنَّها ضعيفة لعدم وثاقة طلحة بن زيد .
ومنها : معتبرة السّكوني عن جعفر عن أبيه عليه السلام (قال : من ردّ ريقه تعظيماً لحقّ المسجد جعل الله ذلك قوةً في بدنه ، وكتب له بها حسنة ، وقطّ عنه بها سيئةً ، وقال : لا تمرّ بداء في جوفه إلّا أبرأته )[14] .
ولا ينافي الكراهة رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : قلتُ له : الرّجل يكون في المسجد في الصّلاة فيُريد أن يبزق ، فقال : عن يساره ، وإن كان في غير صلاة فلا يبزق حذاءَ القبلة ، ويبزق عن يمينه ويساره)[15] ، ولكنّها ضعيفة بجهالة محمّد بن مهران الكرخي .
ومع قطع النظر عن ضعف السّند فإنّها لا تدلّ إلّا على الجواز غير المنافي للكراهة .
نعم ، يستفاد منها - بناءً على صحتها - كراهة مطلق البُزاق على جهة القِبلة تعظيماً لها ، إذ النهي محمول عليها قطعاً ، لا على الحرمة ، كما أنّه لا ينافي الكراهة صُوَر البُزاق من الإمام عليه السلام ، كما في صحيحة عليّ بن مهزيار بطريق الشّيخ رحمه الله في التهذيب (رأيتُ أبا جعفر الثاني عليه السلام يتفل في المسجد الحرام فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود ، ولم يدفنه)[16] .
وكما في رواية عبيد بن زرارة (قال : سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول : كان أبو جعفر عليه السلام يصلّي في أيّ المسجد فيبصق أمامه وعن يمينه وعن شماله وخلفه على الحصى ، ولا يغطيه)[17] [18] ، ولكنّها ضعيفة بعدم وثاقة القاسم بن محمد ، وجهالة سليمان مولى طربال .
وجه عدم المنافاة : أنّ الإمام عليه السلام قد يفعل المكروه لبيان الجواز ، فيكون بالنسبة إليه مندوباً وإن كان مكروهاً في حدّ ذاته ، وبالنسبة إلى غيره .
قوله : (والوضوء من البول ، والغائط)
لم يذكر المصنِّف رحمه الله استحباب جعل الميضاة على أبواب المساجد ، أي القريبة منها ، وإنّما ذكر فقط استحباب ترك الوضوء في المساجد من البول والغائط .
قال صاحب المدارك رحمه الله : (وغيره من الأعلام أنّ المراد بالميضاة هنا المطهّرة ... ) .
أقول : المراد بالمطهّرة الموضع المعدّ للتخلّي والاستنجاء ، أي بيت الخلاء .
ويدلّ على استحباب كون الميضاة على أبوابها رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي إبراهيم عليه السلام (قال : قال رسول الله - في حديثٍ - واجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم)[19] ، ولكنّها ضعيفة بسهل بن زياد ، وبجهالة جعفر بن محمّد بن بشّار ، وعبد الله الدهقان .
وقالوا : ويؤيِّد جعلها على أبواب المساجد أنّ فيها مصلحة للمتردّدين ، مع التجنّب عن أذيّة رائحتها للمصلّين ، وعنِ احتمال سراية النجاسة إلى المسجد .
ثمّ إنّ قضية ذكر الأعلام استحباب خروج الميضاة جواز كونها في المساجد ، وهو كذلك مع سبقها على المسجديّة ، فيصير المسجد حينئذٍ ما عداها .