الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/02/03
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : مكانُ المصلِّي
قوله : (وكلّ موضع خُسِف به ، أو عذِّب أهله) [1]
كما عن جماعة ، منهم ابن إدريس والمحقّق والعلّامة والمصنِّف هنا وفي الذكرى (قدس الله أسرارهم جميعاً) ، ولا يوجد بالخصوص ، وإنّما استفيد ذلك من التعليل بالتعذيب ، كما في رواية جويريّة بن مسهّر (قال : أقبلنا مع أمير المؤمنين عليّ عليه السلام من قتال الخوارج ، حتّى إذا قطعنا في أرض بابل ، وحضرتْ صلاة العصر ، فنزل أمير المؤمنين عليه السلام ونزل النّاس ، فقال علي عليه السلام : أيّها النّاس ! إنّ هذه الأرض ملعونة قد عُذِّبت في الدّهر ثلاث مرات)[2] .
وفي خبر آخر (مرتين ، وهي تتوقع الثالثة ، وهي إحدى المؤتفكات ، وهي أوّل أرض عُبِد فيها وثن ، وأنّه لا يحلّ لنبي (صلى الله عليه وآله) ، ولا لوصيّ نبيّ أن يصلّي فيها ... )[3] .
أمّا الأُولى : فضعيفة لوجود عدّة من المجاهيل في طريق الصّدوق رحمه الله إلى جويريّة بن مسهّر .
والثانية : ضعيفة بالإرسال .
وعليه ، فلا يمكن الاعتماد على هذه الاستفادة .
وقيل أيضاً : استفيدتِ الكراهة من التعليل بالخسف ، كما عن عِلل محمّد بن علي بن إبراهيم بن هاشم (من أنّ العلّة في السّبخة أنّها أرض مخسوف بها)[4] .
وفيه : أنّ هذا استنباط من محمّد بن علي بن إبراهيم ، وهو غير حجّة على غيره من الأعلام .
قوله : (وفي المزبلة والمجزرة)
ذكر ذلك جماعة من الأعلام منهم المصنّف رحمه الله ، وأبو الصّلاح رحمه الله ، ولا يوجد على ذلك دليل معتبر ، والموجود بعض الاعتبارات التي لا تصلح أن تكون دليلاً شرعيّاً .
قوله : (والتوجّه إلى السِّلاحِ المتواري ، والسِّيف المشهور ، أشدّ كراهية)
هذا ما ذكره بعض الأعلام ، منهم أبو الصّلاح الحلبي رحمه الله .
ويدلّ على ذلك في خصوص السّيف : رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام (قال : لا تخرجوا بالسّيوف إلى الحرم ، ولا يصلّي أحدكم وبين يديه سيف ، فإنّ القبلة أمن)[5] ، ورواه الشّيخ الصّدوق رحمه الله أيضاً في الخِصال ، ولكنّها ضعيفة بالقاسم بن يحيى ، وجدّه الحسن بن راشد ، فإنّهما غير موثّقين ، كما أنّها ضعيفة بالخِصال ، لِما عرفت في أكثر من مناسبة من ضعف حديث الأربعمائة بالقاسم بن يحيى ، وجدّه الحسن بن راشد ، فإنّهما غير موثّقين ، كما قلنا.
ثمّ لا يخفى أنّ الرّواية مطلقة ، سواء أكان السّيف مشهوراً ، أم موضوعاً في الغمد ، فلا خصوصيّة لكونه مشهوراً.
قوله : (وإلى المرأة النائمة)
كما عن أبي الصّلاح الحلبي رحمه الله ، حيث قال : (ويُكره التوجّه إلى الطّريق ، والحديد ، والسّلاح المواري ، والمرأة النائمة ، أشد كراهيّة) .
قال المصنّف رحمه الله في الذكرى : (وكأنّه نظرَ إلى أنّ ذلك نقصاً في أعمال الصّلاة)[6] .
أقول : هذه الاعتبارات لا تصلح مدركاً للحكم الشرعي ، فكان تركها أولى ، والله العالم .
قوله : (وإلى حائط ينزّ من بالوعةِ البول ، أو القذر)
كما هو المعروف بين الأعلام ، واقتصر بعضهم على بالوعة البول ، ولكنّ المصنّف رحمه الله قال: (أو القذر) ، والمراد منه سائر النجاسات ، لا خصوص الغائط ، وعن المحقّق والشهيد الثانيين : (بالوعة بول ، أو غائط) .
ومهما يكن ، فهناك عدّة رواياتٍ استُفيد منها الكراهة :
منها : مرسلة البزنطي عمَّن سأل أبا عبد الله عليه السلام ( المسجد ينزّ حائط ، قِبلته من بالوعة يُبال فيها ، فقال : إن كان نزّه من البالوعة ، فلا تصلّ فيه ، وإن كان نزّه من غير ذلك فلا بأس)[7] ، بناءً على إلغاء خصوصيّة المسجد فيه ، وإرادة ما كان في قبلة المصلّي من الحائط فيه .
وجعل اللام للعهد في البالوعة ، وإلّا كان المراد مطلق البالوعة ، لا بالوعة البول فقط .
والذي يهوِّن الخطب أنّ الرّواية ضعيفة بالإرسال ، وبسهل بن زياد .
ومنها : رواية محمّد بن أبي حمزة عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام (قال : إذا ظهر النزّ من خلف الكنيف ، وهو في القِبلة يستره بشيء ... )[8] ولكنّها ضعيفة لعدم ذكر الشّيخ الصّدوق رحمه الله طريقه إلى محمّد بن أبي حمزة . أضف إلى ذلك : أنّ الموجود فيها الأمر بالسّتر ؛ اللهمّ إلّا أن يُراد منه حصول الكراهة مع عدم امتثاله .
ومنها : ما في كتاب الحسين بن عثمان بن شريك عن أبي الحسن عليه السلام (قال : إذا ظهر النزّ إليك من خلف الحائط من كنيف في القِبلة سترتَه بشيءٍ)[9] ، وهي ضعيفة أيضاً ، لجهالة طريق صاحب المستدرك رحمه الله إلى الكتاب المزبور ، أو ضعفه ، والله العالم .
نقله عنه المصنّف رحمه الله في الذكرى أيضاً ، ولم أظفر له بدليل ، وهو أعلم بما قال .
قوله : (ونهى عن الصّلاة على كدس الحنطة المطيّن وإن كان مسطحاً)
كما في خبر محمّد بن مضارب عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : سألتُه عن كدس حنطة مطيّن ، أصلّي فوقه ؟ فقال : لا تصلّ فوقه ، قلتُ : فإنّه مثل السّطح مستوٍ ! فقال : لا تصلّ عليه)[10] ، ولكنّه ضعيف بعدم وثاقة محمّد بن مضارب .
ثمّ إنّه مع قطع النّظر عن ضعف السّند حمل النّهي فيه على الكراهة جمعاً بينه وبين خبر عمّر بن حنظلة (قال : قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام : يكون الكدس من الطعام مثل السّطح ؟ قال : صلّ عليه)[11] ، ولكنه أيضاً ضعيف السّند بعدم وثاقة عمر بن حنظلة .
والخلاصة : أنّه لم تثبت الكراهة ، لضعف الخبر .
ثمّ إنّ الكدس : جمع أكداس - مثل قفل وأقفال - ما يجمع من الطعام .
قوله : (ورُوي : كراهة الصّلاة في المساجد المصوّرة ، إلّا في زمان غيبة الإمام عليه السلام)
يدلّ على ذلك رواية عمرو بن جميع (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الصّلاة في المساجد المصوّرة ، فقال : أكره ذلك ، ولكن لا يضرّكم ذلك اليوم ، ولو قد قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك ؟ )[12] ، ولكنّها ضعيفة لوجود عدّة من المجاهيل فيها .
وقوله : (لا يضرّكم ذلك اليوم ) كالصّريح في عدم المنع قبل قيام الحجة عليه السلام .
قوله : (وتُستحبّ السُّترة ، فلْيقرب من حائط المكان ، وفي الصحراء يجعل شاخصاً بين يده ، ولو عنزة ، أو حجراً ، أو سهماً ، أو كومة من تراب ، أو خطّاً في الأرض)
في الحدائق : (الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في استحباب السُّترة - بضم السّين - للمصلّي في قِبلته ، ونقل عليه في المنتهي الإجماع عن كافة أهل العلم)[13] .
وفي الجواهر : (نعم ، هي مستحبة بلا خلاف ، بل عليه الإجماع منقولاً في جملة من كتب الأساطين ، إن لم يكن محصّلاً ، بل في التذكرة يستحبّ أن يصلّي إلى سُترة ، فإن كان في مسجد أو بيت صلّى إلى حائط ، أو سارية ، فإن صلّى إلى فضاء ، أو طريق ، صلّى إلى شيءٍ شاخصٍ بين يديه ، أو نصب بين يديه عصاً ، أو عنزة ، أو رَحْلاً ، أو بعيراً معقولاً ، بلا خلاف بين العلماء في ذلك ... )[14]
أقول : المسألة متسالم عليها بين جميع الأعلام قديماً وحديثاً ، وقد خرجت عن الإجماع المصطلح عليه .
ويدلّ على ذلك أيضاً : عدّة من الأخبار بلغت حدّ الاستفاضة :
منها : صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجعل العنزة بين يديه إذا صلّى)[15] .
قال في الحدائق : ( والعنزة - بفتح العين المهملة وتحريك النون وبعدها زاي - : عصاً في أسفلها حربة) .
ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : كان طول رحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذراعاً ، فإذا كان صلّ وضعه بين يده يستتر به ممّن يمرّ بين يديه)[16] ، ولكنّها ضعيفة لأنّ ابن سنان الوارد في السّند هو محمّد الضعيف .
ومنها : رواية محمّد بن إسماعيل عن الرّضا عليه السلام ( في الرّجل يصلّي قال : يكون بين يديه كومة من تراب ، أو يخطّ بين يديه بخطّ)[17] ، ولكنّها ضعيفة ، لأنّ موسى بن عمر الوارد في السند إن لم يكن هو ابن يزيد الصيقل المجهول فلا أقل أنّه مشترك بينه وبين غيره .
ومنها : معتبرة السّكوني عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه ﭺ (قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا صلّى أحدكم بأرض فلاة فَلْيجعل بين يديه مثل مؤخّرة الرّجل ، فإن لم يجد فحجراً ، فإن لم يجد فسهماً ، فإن لم يجد فَلْيَخطّ في الأرض بين يديه)[18] ، قال في الوافي : (مثل مؤخّرة الرّجل) ، يعني بتلك المماثلة ارتفاعه من الأرض .
ومنها : معتبرة غياث عن أبي عبد الله عليه السلام (أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) وضع قلنسوة وصلّى إليها )[19] .
ومنها : معتبرة إسماعيل بن إسماعيل - السّكوني - عن الصّادق عن أبيه عليهما السلام (قال : كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عنزة ، في أصلها عكّاز يتوكّأ عليها ، ويخرجها في العيدين ، يصلّي إليها) [20] .
ومنها : صحيحة علي بن جعفر - في حديث - (أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السلام عن الرّجل يصلّي وأمامه حمار واقف ، قال : يضع بينه وبينه قصبة ، أو عُوداً ، أو شيئاً يقيمه بينهما ، ويصلّي فلا بأس )[21] ، وهي صحيحة ، لأنّ إسناد الصّدوق رحمه الله إلى عليّ بن جعفر صحيح .