الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/12/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مكان المصلَّي

 

ومنها : صحيحة بن مسلم عن أحدهما ( قال : سألته عن المرأة تزامل الرّجل في المحمل ، يصلّيان جميعاً ؟ قال : لا ، ولكن يصلّي الرّجل ، فإذا فرغ صلّت المرأة)[1] .

ومنها : رواية عبد الرحمان بن أبي عبد الله (قال : سألتُ أبا عبد الله ’ عن الرّجل يصلّي ، والمرأة بحذاه عن يمينه ، أو عن يساره ، فقال : لا بأس به إذا كانت لا تصلّي) [2] ، ولكنّها ضعيفة بمعلّى بن محمّد ، فإنّه غير موثّق.

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر ’ (قال : سألتُه عن المرأة تصلّي عند الرّجل ؟ فقال : لا تصلي المرأة بحيال الرّجل ، إلّا أن يكون قد أمَّها ، ولو بصدره) [3] .

ومنها : موثّقة عمّار عن أبي عبد الله ’ - في حديث - (أنّه سُئِل عن الرّجل يستقيم له أن يصلّي وبين يديه امرأة تصلي ؟ قال : إن كانت تصلّي خلفه فلا بأس ، وإن كانت تصيب ثوبه) [4] .

ومنها : صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى ’ (قال : سألتُه عن إمامٍ كان في الظّهر ، فقامت امرأته بحياله تصلّي ، وهي تحسب أنّها العصر ، هل يفسد ذلك على القوم ، وما حال المرأة في صلاتها معهم ، وقد كانت صلّت الظّهر ؟ قال : لا يفسد ذلك على القوم ، وتعيد المرأة) [5] ، ولكنّ هذه الصحيحة لا تخلو من إجمال ، إذ يحتمل أن يكون الموجب للإعادة هو عدم تقدّم الإمام عليها الذي هو شرط في صحة الائتمام ، حيث يُشترط التأخّر عنه في الجملة إمّا مطلقاً ، أو في حقّ النّساء عند اقتدائهن بالرّجال ، كما أنّه يحتمل أن يكون الموجب للإعادة هو عدم جواز الائتمام في العصر بالظّهر ، كما هو المحكي عن والد الصّدوق ، إلى غير ذلك من المحتملات.

ومنها : صحيحة عبد الله بن أبي يعفور (قال : قلتُ لأبي عبد الله ’ : أصلّي والمرأة جنبي ، وهي تصلّي ؟ قال : لا ، إلَّا أن تقدّم هي ، أو أنت ، ولا بأس أن تصلّي وهي بحذاك جالسةً ، أو قائمةً) [6] ، بناءً على أن يكون المراد بالتقدّم من أحدهما أن تصلي أوَّلاً ، ثمّ يصلّي الآخر ، لا التقدّم في المكان ، وإلا فهي على خلاف المطلوب أدلّ.

ومنها : موثّقة عمار عن أبي عبد الله ’ (أنّه سُئِل عن الرّجل يستقيم له أن يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي ؟ قال : لا يصلّي حتّى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع ، وإن كانت عن يمينه ، وعن يساره ، جعل بينه وبينها مثل ذلك ، فإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس ، وإن كانت تصيب ثوبه ، وإن كانت المرأة قاعدةً أو نائمةً أو قائمةً في غير صلاة فلا بأس حيث كانت) [7] .

لا يقال : إنّ هذه الموثّقة غير معمولٍ بها ، لما فيها من اعتبار الأكثر من عشرة أذرع ، وهو مخالف فتاوى الأعلام.

فإنَّه يُقال : إنّ المراد منه العشرة فما زاد ، نظير قوله تعالى : (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) ، وكذا غيرها من الرّوايات.

وأمَّا القول الثاني : فقدِ استُدل له بعدّة من الرّوايات ، وهي مستفيضة جدّاً ، بل هي أكثر عدداً ، وأصحّ سنداً من الرّوايات القول الأوّل :

منها : صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله ’ (أنه قال : لا بأس أن تصلّي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلّي ، فإنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يصلّي وعائشة مضطجعة بين يديه ، وهي حائض ، وكان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها ، فرجعت رجليها حتّى يسجد) [8] .

وقد استُشكل في هذه الصحيحة باشتمالها على علّة غير مناسبة ، إذ لا كلام في جواز أن يصلّي الرّجل وبين يديه امرأة قائمة ، أو نائمة ، إذ استفاضت النصوص بالتفصيل بين كون المرأة مصلّية وعدمه في المانعيّة في الأول ، وعدمها في الثاني ، فيغلب على الظنّ حينئذٍ وقوع التصحيف في الصحيحة ، بأن كانت هكذا : ( لا بأس أن تضطجع المرأة بحذاء الرّجل ... ).

وفيه : أنّ العلّة غير منافية للاستدلال بها ، لإمكان عدم الفصل واقعاً بين حالتي الصّلاة وعدمها في المانعيّة عند النّاس ، فإنّ الفصل بينهما وإن كان واضحاً عندنا بواسطة الأخبار الواردة في المقام ، إلّا أنّ وضوحه في الرّوايات لا يستلزم وضوحه لدى المخاطبين بهذا الكلام ، فلعلّهم لم يكونوا يتوهمون المنع عن أن يصلّي الرّجل ، وتصلّي المرأة بحذائه ، إلّا من حيث كونها شاغلةً لقلبه ، أو غير ذلك من الجهات التي لو كانت مقتضية للمنع لكان اقتضائها له حين اضطجاعها بين يديه ، وغمزه لها أشدّ.

ومنها : رواية الحسن بن علي بن فضّال عمّن أخذه عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله ’ (في الرّجل يصلّي والمرأة بحذاه ، قال : لا بأس) [9] ، ولكنّها ضعيفة بالإرسال.

قال السّيد محسن الحكيم (قدس سره) في المستمسك : (والإرسال غير قادحٍ في الحجيّة بعد الانجبار بالعمل ، فتأمّل ، ولا سيّما كون الرّواية من روايات بني فضال اللذين قال العسكري ’ في كتبهم : خذوا ما رَوَوا ، وذَروا ما رأَوا ... )[10] [11] .

وفي الجواهر : (وإرساله - بعد انجباره بالعمل ممّن عرفت ، خصوصاً وفيهم مَنْ لا يعمل إلّا بالقطعيّات كالسّيد وابن إدريس - غير قادح ، على أنّ المظنون اتّحاد هذا الخبر مع الصحيح السابق ، وإنِ اختلف في التأدية للنقل بالمعنى فيه ، فلا بأس حينئذٍ بالإرسال فيه بعد روايته بطريق صحيح في الفقيه ... )[12] .

أقول : قد عرفت في أكثر من مناسبة أنّ عمل مشهور المتقدّمين لا يجبر الرّواية ، هذا إن سلمنا ثبوت الصغرى.

وأمَّا الظنّ باتحاد هذا الخبر مع صحيحة جميل المتقدّمة : فإنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً ، فيبقى الإرسال مضرّاً.

وأمّا كون الرّواية من روايات بني فضال فلا يفيد شيئاً أيضاً :

أمّا أوّلاً : فلِكون الرّواية المرويّة عن أبي الحسن العسكري ضعيفةً سنداً ، حيث إنّها مروية عن عبد الله الكوفي خادم الحسين بن روح (قال : سُئِل الشيخ - يعني أبا القاسم - عن كتب ابن أبي العزاقر - أي الشلمغاني - بعدما ذُمّ ، وخرجت فيه اللعنة ، فقيل له : فكيف نعمل بكتبه ، وبيوتنا منها ملاء ؟! فقال : أقول فيها ما قال أبو محمّد الحسن بن علي ’ ، وقد سُئِل عن كتب بني فضال ، فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء ؟ فقال ’ : خذوا منها بما روَوا ، وذروا ما رأَوا )[13] [14] ، وهي ضعيفة بعبد الله الكوفي ، فإنّه مهمل.

وثانياً - مع قطع النظر عن ضعف السّند - : فإنّها لا تفيد تصحيح كلّ خبر كانوا في طريقه ، حتّى لو روَوه مرسلاً عن مجهول ، بل غاية ما تدلّ عليه هذه الرّواية هو توثيق بني فضال بأنفسهم ، وأنّ انحرافهم عن العقيدة الصحيحة لا يضر بوثاقتهم كما كانوا عليه حال الاستقامة.

وبالجملة ، هم ليسوا أحسن حالاً من مثل زرارة ومحمّد بن مسلم ، وغيرهما من الأعلام الأجلاء الذين لا يُعمل بمراسليهم ، فكيف يُعمل بمراسيل بني فضال المنحرفين عن العقيدة ؟!


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص124، أبواب مكان المصلي، باب5، ح1، ط آل البیت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص122، أبواب مكان المصلي، باب4، ح2، ط آل البیت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص127، أبواب مكان المصلي، باب6، ح2، ط آل البیت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص127، أبواب مكان المصلي، باب6، ح4، ط آل البیت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص131، أبواب مكان المصلي، باب9، ح1، ط آل البیت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص124، أبواب مكان المصلي، باب5، ح5، ط آل البیت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص128، أبواب مكان المصلي، باب7، ح1، ط آل البیت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص122، أبواب مكان المصلي، باب4، ح4، ط آل البیت.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص127، أبواب مكان المصلي، باب5، ح6، ط آل البیت.
[10] مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الطباطبائي الحكيم، ج5، ص470.
[11] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، أبواب مكان القضاء، باب11، ح14، ط آل البیت.
[12] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج8، ص305.
[13] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، أبواب صفات القاضي، باب6، ح79، ط آل البیت.
[14] موسوعة الامام الخوئي، السيد أبوالقاسم الخوئي، ج13، ص107.