الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/12/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مكان المصلَّي

قوله : (وتبطل الطّهارة في المكان المغصوب ، خلافاً للمعتبر)[1]

ذهب جماعة من الأعلام منهم المحقّق & في المعتبر ، والعلّامة & في المنتهى ، والسّيد السّند & في المدارك ، والشيخ البهائي & في الحبل المتين ، إلى صحّة الطّهارة من الوضوء والغسل في المكان المغصوب ، باعتبار أنّ الغصب - وهو الكون في الأرض المغصوبة - من مقولة الأَيْن ، وليس جُزْءاً من الطّهارة ، ولا شرطاً فيها ، فلا يؤثِّر تعلّق النهي به في فسادها .

وبالمقابل ذهب جماعة أخرى من الأعلام إلى البطلان منهم صاحب نهاية الأحكام ، والمصنِّف & هنا ، وفي الذكرى وصاحب الموجز الحاوي ، وكشف الالتباس ، والروض والمقاصد العليّة ، ومجمع البرهان .

أمّا في الوضوء : فلِأنّ من أجزائه المسح ، وهو إمرار الماسح على الممسوح الذي هو عين الحركة ، وهي غصب ، فيكون منهيّاً عنه ، والنهي عنه يوجب بطلانه .

نعم ، لو فرض إيقاع المسح في خارج المغصوب لصح حينئذٍ ، وكذا حركات اليد في الغسل ، فإنّها غصب ، والنهي عنها يوجب البطلان .

إن قلت : إنّ حركات اليد ، وإن كانت اليد محرّمةً ، إلّا أنّه لا يستلزم ذلك بطلان الوضوء ، لأنّها ليست أجزاءً ، بل هي مقدّمة للغسل الذي هو عبارة عن انتقالِ الماء من جُزْء إلى آخر ، فالنهي حينئذٍ عن أمر خارجي ، لا مدخليّة له في العبادة .

قلت : إنّ الغسل جريان الماء على المغسول ، وانتقال الماء من جُزْء إلى آخر ، وكلّ منهما حركة توليديّة من المكلَّف في المغصوب ، فهي محرمة لا يصحّ تعلّق الأمر بها ، فتبطل.[2]

ويؤيِّد ذلك : أنّ أهل العرف لا يتوقّفون في صدق التصرّف عرفاً في المكان المغصوب بنفس الوضوء ، والغسل ، والانتفاع ، بل لو كان مسقط الماء مغصوباً كان كافياً في الصدق المزبور ، فضلاً عن نفس الوضوء فيه .

وبالجملة ، فلو لم يكن بطلان الطهارة في المكان المغصوب هو الأقوى ، فلا أقل أنّ الأحوط وجوباً ذلك ، والله العالم .

 

قوله : (وكذا أداء الزكاة ، والخمس فيه)

وقد حكى البطلان أيضاً فيهما ، وفي الكفارة عن الروض والمقاصد العليّة ، ويمكن أن يكون السرّ فيه هو أنّ الدفع نفسه هو الإيتاء المشروط بنية القربة .

ولكنَّ الأقرب : أنّ المراد منه الوصول ، وأمّا الدفع فهو مقدمة .

ومن هنا جاز التوكيل في إيصال الزّكاة والخمس ، ويكون متولِّي النيّة هو الموكِّل ، لأنّ الذي أوصل الزكاة بمنزلة الآلة ، بل لو وضع الزكاة على الدابة ، وأوصلتها الدّابة إلى الفقير لكفى إذا نوى المالك ، وكانت نيّته مستمرةً إلى وصول الزّكاة إلى الفقير .

قوله : (وقراءة المنذور فيه)

وحكي البطلان أيضاً عن نهاية الأحكام ، والموجز الحاوي ، والروض ، والمقاصد العليّة ، وذكر بعضهم أنّ الوجه في البطلان هو أنّ القراءة في التحقيق تصرّف في الفراغ ، لأنّ حركات الفمّ تقوّمه الألفاظ التي هي عبارة عن الأصوات المقطَّعة ، فيكون منهيّاً عنها ، والنهي عن العبادة يوجب الفساد .

وفيه : أنّ القراءة من قبيل الكيفيّات القائمة بالصوت ، تحدث بواسطة حركات اللسان ، والكيفيّة ليست من التصرّف في المغصوب حتّى تحرم ، ولو سلّم أنّها عين حركات اللسان ، إلّا أنّ شمول ما دلّ على حرمة التصرّف في المغصوب لمثلها محلّ إشكال ، بل هو ممنوع ، كما لا يخفى.

قوله : (أما الصّوم فلا)

لأنّ الصوم من العبادات الذي لا تصرف في شيءٍ منه فيه ، والانتفاع به حاله لا يقتضي البطلان قطعاً ، ولذا جزم بصحة - مضافاً للمصنّف & - جماعة كثيرة من الأعلام .

وأمّا قضاء الدّين فليس من العبادات فلا إشكال في صحّته في المغصوب ، وكذا أقسام المعاملات والإيقاعات فعليّة ، وقوليّة ، إذ نحو هذه الحرمة فيها لا تستلزم البطلان ، والله العالم بحقائق أحكامه .

قوله : (ويُشترطُ طهارة موضع الجبهة مطلقاً ، أمّا مساقِط الأعضاء فلا ، إلّا أنْ تتعدّى النجاسة إلى المصلّي ، أو ثوبه ، واعتبر طهارتها أبو الصّلاح ، واعتبر المرتضى طهارة جميع المصلّي)[3]

أقول : يقع الكلام في أمرين :

الأول : في اشتراط طهارة موضع الجبهة .

الثاني : عدمِ اشتراط الطّهارة فيما عدى موضع الجبهة ممّا يصلّي عليه .

أمّا الأمر الأوّل : فالعمدة في اشتراط طهارة موضع الجبهة هو الإجماع المحكي عن جماعة كثيرة ، وفي الجواهر : الإجماع المحكي مستفيضاً ، بل متواتراً ، إذ ربما زادت حكايته على اثني عشر كتاباً في المقام ، وفي كتاب الطهارة ، وفي بحث ما يُسجد عليه ، بل في التذكرة منها أنّه إجماعُ كلِّ من يحفظ عنه العلم ، بل يمكن دعوى تحصيله ...[4] .

وفي المدارك : لنا على طهارة موضع السّجود اتّفاق العلماء ، فإنّ كلّ مَنِ اعتبر الطّهارة في الصّلاة اعتبر طهارة موضع السّجود ، وإنِ اختلفوا فيما عداه ، حكى ذلك المصنّف في المعتبر ، فإن تمّ فهو الحجّة ، وإلّا أمكن المناقشة في هذا الحكم لعدم الظفر بدليله ...[5] .

ولا ينافيه ما حكى عن المحقّق & في المعتبر من أنّه نقل عن الرّاوندي ، وصاحب الوسيلة (رحمهما الله) القول : بأنّ الأرض والبواري ، والحصر ، إذا أصابها البول ، وجفَّفتها الشّمس ، لا تطهر بذلك ، لكن يجوز السّجود عليها ، واستجوده[6] .

وفيه : أن رأي المحقّق وابن حمزة (رحمهما الله) ليس كما حكى عنهما ، بل ربّما يظهر ممّا نقله عنه في المعتبر أنّه فَهِم منه استثناء السّجود ، فإنّه بعد أن نقل استدلال الشيخ & على الطّهارة بالروايات قال : وفي استدلال الشّيخ إشكال ، لأنّ غايتها الدّلالة على جواز الصّلاة عليها ، ونحن لا نشترط طهارة موضع الصّلاة ، بل نكتفي باشتراط طهارة موضع الجبهة[7] .

ويمكن أن يُقال : الإذن في الصّلاة عليها مطلقاً دليل جواز السّجود عليها ، والسّجود يُشترط فيه طهارة محلّه ، فإنّ كلامه & صريح في اعتبار مسجد الجبهة ، وأنّ ما نقله ، واستجوده أوّلاً ، هو جواز الصّلاة على الموضع في الجملة ، لا جواز السّجود .

ثمّ لو فرضنا أنّ المحقق & في المعتبر مخالِف ، إلّا أنّ خلافه إنما هو في خصوص تجفيف الشّمس ، ومرجعه إلى أنّها يحصل بها العفو عن السّجود دون باقي ما يُشترط فيه الطّهارة ، فهو في الحقيقة موافق على اشتراط الطّهارة فيه ، إلّا أنّه مخالِف في كيفيّة تأثير الشّمس ، بل لعلّ هذا العفو من الطّهارة عنده ، فيرجع إلى أنّها تفيد الطّهارة بالنسبة إلى شيءٍ دون آخر ، إذ هي عند التأمّل ليست من الأحكام الشرعية .

والإنصاف : أنّ المسألة متسالم عليها بين الأعلام ، بحيث خرجت عن الإجماع المصطلح عليه .

أضف إلى ذلك : أنّ الإجماع المدّعى من قبل الأعلام منقول بالتواتر ، وهو حجّة ، وأمّا مخالفة من خالف على فرض وجوده فهي لا تضّر ، لا بالتسالم ، ولا بغيره .

بل يدلّ أيضاً على اشتراط طهارة موضع الجبهة بعض الأخبار التي سنذكها - إن شاء الله تعالى - المشتملة على اشتراط الصّلاة على البارية أو السّطح بتجفيف الشّمس ، بناءً على إرادة ما يشمل السّجود عليها من الصّلاة فيها ، ضرورةَ كونِ المفهوم حينئذٍ عدم جواز السّجود عليها إذا لم تجفّفها الشّمس ، وإن جفّت بغيرها ، بل قد يُستفاد من صحيح ابن محبوب عن الرضا ’ كون الحكم مفروغاً منه .

 


[1] الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشهید الاول، ج1، ص153.
[2] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج2، ص200.
[3] الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشهید الاول، ج1، ص153.
[4] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج8، ص331.
[5] مدارك الأحكام، السيد محمد بن علي الموسوي العاملي، ج3، ص225.
[6] الحدائق الناضرة، الشيخ يوسف البحراني (صاحب الحدائق)، ج5، ص437.
[7] مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الطباطبائي الحكيم، ج6، ص359.