الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/12/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مكان المصلَّي

قوله : (ولو أَذِن بالصّلاة ، أو الكون ، ثمّ نهى قبلها ترك) [1]

الكلام تارةً في حكم الصّلاة ، وأخرى من حيث وجوب الخروج .

أمّا من الجهة الأُولى : فقد عرفت أنّ صلاته إن كانت مشتملةً على السّجود فهي باطلة ، إذ لا يعقل أن يكون المحرم مصداقاً للواجب .

وأمّا لو كان حكمه الصّلاة إيماءً فهي صحيحة ، كما تقدّم بشكل مفصَّل ، فراجع إن شئت .

وأمّا من جهة وجوب الخروج : فقد ذكرنا المسألة بالتفصيل في آخر مبحث اجتماع الأمر والنهي ، فيما لو لو دخل الدّار المغصوبة ، وأراد الخروج .

وقلنا هناك : إنَّ الأعلام اختلفوا في وجوب الخروج على أقوال أربعة معروفة :

الأوَّل : ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري ره ، وتبعه عليه الميرزا النائيني ره ، وهو أنّ الخروج ليس منهيّاً عنه فعلاً ، ولا يجري عليه حكم المعصية ، وإنّما هو واجب شرعاً .

الثاني : ما ذهب إليه صاحب الفصول ره ، وهو أنّ الخروج واجب شرعاً ، ومنهيّاً عنه بالنهي السّابق ، ويجري عليه حكم المعصية .

الثالث : ما ذهب إليه أبو هاشم المعتزلي ، وصاحب القوانين المحقّق القمي ره ، وهو أنّ الخروج واجب شرعاً ، ومحرم كذلك .

الرابع : ما ذهب إليه صاحب الكفاية ره ، وهو أنّ الخروج ليس واجباً شرعاً ، ولا محرّماً كذلك ، وإنّما هو واجب عقلاً من باب ارتكاب أقلّ القبيحين ، إذ البقاء في الدّار المغصوبة قبيح ، ولكن الخروج منها أقلّ قبحاً ، فيجب عقلاً من هذه الجهة ، ويجري عليه حكم المعصية .

وقد ذكرنا هذه الأقوال وأدلّتها ، وما ورد من المناقشة فيها ، بشكل مفصّل هناك ، وقلنا : إنّ الأقوى ما ذكره صاحب الكفاية ره من عدم كون الخروج واجباً شرعيّاً ، لا بالوجوب النفسي ، ولا بالوجوب الغيري ، وإنّما هو واجب عقلاً ، من جهة كونه أقلّ المحذورين ، ، كما أنّه ليس منهيّاً عنه ، لسقوط النهي السّابق بالاضطرار ، وإنّما يجري عليه حكم المعصية فقط ، أي يُعاقب على خروجه ، هذا كلّه إذا دخل الدّار المغصوبة اختياراً ، وأراد الخروج .

وأمَّا لو أَذِن له المالك بالصّلاة أو الكون ، ثمّ رجع عن إذنه قبل الشّروع في الّصلاة ، وقد عرفت حكم الخروج ، وأنَّ الأقوى ما ذهب صاحب الكفاية ره ، من كون الخروج واجباً عقلاً ، من جهة كونه أقلّ المحذورين ، كما عرفت حكم الصّلاة في الدّار المغصوبة ، فلا حاجة للإعادة .

 

قوله : (فلو ضاق الوقتُ صلَّى خارجاً)

قد عرفت حكم الصّلاة في الدار المغصوبة في سِعة الوقت ، وأمّا إذا ضاق الوقت ، بحيث لا يسع الخروج وأداء الصّلاة بعده ، ولو إيماءً فمقتضى القاعدة سقوط الصّلاة ، إذ الفرض أنّها مبغوضة للمولى ، فلا يمكن أن تكون مصداقاً للمحبوب الذي يتقرّب به إليه .

ولكن بما أنّ الصّلاة لا تسقط بحال ، ولا تجتمع مع المبغوضية ، فيسقط النهي ، وترتفع المبغوضيّة عن هذا المقدار من الخروج ، وهو طرف الصّلاة إيماءً حال الخروج فيمكن التقرّب بالصّلاة حينئذٍ ، وتقع صحيحة .

وأمّا إذا وسع الوقت للصّلاة إيماءً خارج الدّار المغصوبة فالمعروف عند الأعلام أنّه يصلّي خارجها ، لأنّ الصّلاة في الداخل منهيّ عنها ، ومبغوضة للمولى ، لفرض تغليب جانب النهي ، فلا يمكن حينئذٍ التقرّب بما هو مبغوض للمولى .

ولكن على مبنانا من أنّ الصّلاة إيماءً داخل الدّار المغصوبة لا يصدق عليها التصرّف في مال الآخر ، فلا فرق حينئذٍ بين الصّلاة في الدّار ، والصّلاة خارجها .

والخلاصة : أنّه يصلّي في هذه الصّورة حال الخروج إيماءً وصلاته صحيحة ، ولا قضاء عليه ، إذ موضوعه الفوت ، وهو غير متحقّق في المقام ، إذ لم تفته طبيعة الصّلاة ولو الاضطراريّة .

ولكن حكى صاحب الجواهر ره عن ابن سعيد أنّه نسب صحّة هذه الصّلاة إلى القِيل ، مشعِراً بنوعِ توقفٍ فيها ، ومثله العلّامة الطباطبائي ره في منظومته ، ولعلّه لعدم ما يدلّ على صحتها ، بل قد يُدّعى وجود الدّليل على العدم ، باعتبار معلومية اعتبار الاستقرار ، والرّكوع ، والسّجود ، ونحو ذلك ، ولم يُعلم سقوطها هنا .

والأمر بالخروج بعد الإذن في الكون ، وضيق الوقت ، وتحقّق الخطاب بالصّلاة غير مُجدٍ ، فهو كما لو أذن له في الصّلاة ، وقد شرع فيها ، وكان الوقت ضيقاً ، ممّا ستعرف عدم الإشكال في إتمام صلاته ، فالمتّجه حينئذٍ عدم الالتفات إلى أمره بعد فرض كونه عند ضيق الوقت الذي هو محلّ الأمر بصلاة المختار المرجّح على أمر المالك بسبق التعلق ، فلا جهة للجمع بينهما بما سمعت ، بل يصلّي صلاة المختار مقتصراً فيها على الواجب مبادراً في أدائها على حسب التمكّن ، لكن لم أجد قائلاً بذلك ، بل ولا أحداً احتمله ممّن تعرّض للمسألة كالشيخ والفاضلين والشهيدين ، وغيرهم ...[2] .

أقول : قدِ اختار هذا القول صريحاً النراقي ره في مستنده ، وذكر أنّه لا دليل على حرمة هذا النحو من التصرّفات في ملك غيره ، من غير رضا صاحبه ، عدى الإجماع ، وبعض الأخبار القاصرة من حيث السند المحتاجة إلى الجابر ، وشيء منهما لا ينهض لإثبات الحرمة في المقام ، لأنّ الإجماع بالنسبة إليه غير محقّق ، وضعف الأخبار غير مجبور .

وفيه : أنّ كلام صاحب المستند ره واضح بطلانه ، لمنافاة ما ذكره ره للقاعدة المسلّمة بين جميع الأعلام ، وهي سلطنة الناس على أموالهم ، ولا إشكال أنّ السّجود تصرّف في مال غيره بدون إذنه .

وأمّا ما ذكره صاحب الجواهر ره وجهاً لهذا القول ، من سَبْق تعلّق الأمر بصلاة المختار على أمر المالك .

فيرد عليه : أنّ دليل النهي عن التصرّف بغير إذن المالك مقدَّم على دليل الإجزاء والشرائط عند التزاحم ، وذلك لأنّ القدرة المأخوذة في أجزاء الصّلاة وشرائطها هي قدرة شرعيّة ، بدليل وجود البَدَل ، وهو الرّكوع إيماءً ، وكذا السّجود ، بخلاف القدرة المعتبرة في حرمة الغصب ، فهي عقليّة من جهةِ حكمِ العقلِ بقبحِ تكليفِ العاجز .

والترجيح في حال التزاحم إنّما هو مع التكليف المعتبر فيه القدرة عقلاً ، وإن كان بحسب الوجود متأخِّراًَ ، وذاك متقدِّماً زماناً ، وذلك لأنّ التكليف المشترط فيه القدرة عقلاً مطلق غير معلّق على شيءٍ ، بخلاف التكليف الآخر ، فإنّه مشروط بالقدرة الشرعيّة ، ووجود التكليف المطلق يسلب القدرة عن التكليف الآخر ، ويمنع من فعليته فيكون رافعاً لموضوعه ، فلا موقع للتزاحم حينئذٍ ، وهذا هو السرّ في تقدّم حرمة الغصب على دليل الأجزاء والشرائط ، وليس ذلك من باب ترجيح أمر المالك على الأمر بصلاة المختار ليرجح العكس بسبق التعلق .

وأمّا قياس المقام على ما لو رجع في أثناء الصّلاة - مع أنّه قياس مع الفارق - فلا يجدي نفعاً للمنع في المقيس عليه ، كما سيأتي - إن شاء الله تعالى - .

إن قلت : لم لا تفصّل بين ما لو كان مأذوناً في الصّلاة في آخر الوقت ، أو في البقاء إلى آخر الوقت المستلزم للرخصة في إيقاع صلاته في ملكه ، بحيث يكون أمره بالخروج رجوعاً إذنه السابق ، وبين ما إذا لم يكن كذلك ، فيحرم البقاء بعد أمره بالخروج في الثاني ، دون الأوّل ، وذلك لأنّ رجوعه عن إذنه عند ضيق الوقت ضرر على المأذون حيث يفوته مصلحة الصّلاة .. تابع


[1] الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشهید الاول، ج1، ص153.
[2] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج8، ص296.