الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
36/11/17
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : مكان المصلَّي
قوله : (أو بشاهد الحال كالصحاري ما لم ينه عنها المالك ، أو يتوجّه عليه ضرر بذلك)[1] .
يقع الكلام في أربعة أمور :
الأوَّل : فيما إذا كان ملكاً لغيره ، هل يشترط في جواز الصّلاة فيه الإذن من المالك ، أم يكفي الرضا النفسي ؟
الثاني : إذا قلنا بكفاية الرضا النفسي هل يكفي الرضا التقديري ، أم يشترط الرّضا الفعلي ؟
الثالث : هل يعتبر في إحراز رضاه العلمُ به حقيقةً ، أو حكماً ، كما إذا كان مستنداً إلى أمارة معتبرة ، كظواهر الألفاظ ، وخبر الواحد الثقة ، أم يكفي الظنّ مطلقاً ، أو في الجملة .
الرابع : في كيفيّة إحراز رضا المالك من الإذن ، أو الفحوى ، أو شاهد الحال .
أمَّا الأمر الأوَّل : فالمعروف بين الأعلام هو كفاية الرضا النفسي ، فلو علم برضاه مع عدم إنشاء الإذن من المالك لجاز التصرف - وإن لم يكفِ ذلك في المعاملات ، إذ يُعتبر فيها زيادة على الرضا النفسي إنشاء المعاملة بالقول أو بالفعل - ولو أذن المالك بالتصرّف ، وعلمنا بعدم رضاه ، لم يجزِ التّصرف .
وممّا يدلّ على كفاية الرضا النفسي موثّقة سماعة عن أبي عبد الله ’ - في حديث - أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وآله -قال : مَنْ كانت عنده أمانة فَلْيؤدِّها إلى مَنِ ائتمنه عليها ، فإنّه لا يحلّ دمُ امرءٍ مسلمٍ ، ولا مالِه ، إلَّا بطيبةِ نفسٍ منه[2] .
ويؤيِّده : ما في تحف العقول عن رسول الله - صلى الله عليه وآله -أنّه قال في خطبة الوداع : أيّها النّاس إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ، ولا يحلّ لمؤمنٍ مالُ أخيه إلَّا عن طيبِ نفسٍ منه[3] .
وإنَّما جعلناه مؤيِّداً لأنّه ضعيف بالإرسال ، ولا فرق بين المسلم والمؤمن ، وغيرهما ممَّا هو محقون الدم والمال ، كالذميّ بلا خلاف ، فتخصيص المسلم أو المؤمن بالذِّكر في الروايتَيْن لعلَّه لجريه مجرى الغالب في مقام الابتلاء .
لا يقال : إنّ متعلق عدم الحلّ في موثّقة سماعة غير معلوم ، لاحتمال أن يكون المقصود به خصوص التصرّفات المتلِفة ، وأمَّا التصرفات غير المتلِفة لمالِ غيرِه ، كالصَّلاة في المكان ، فلا تكون مشمولة للموثَّقة .
فإنَّه يُقال : إنَّ الموثَّقة مطلقة تشمل كِلا الأمرَيْن ، كما هو واضح .
إن قلت : إنّ التوقيع عن صاحب الزمان - عجل الله فرجه الشريف - المروي في إكمال الدّين للشيخ الصّدوق & ، والاحتجاج للطبرسي & ، يدل على اشتراط الإذن ، وعدم الاكتفاء بالرضا الباطني ، حيث ورد فيه : وأمَّا ما سألتَ عنه من أمر الضّياع التي لناحيتنا ، هل يجوز القيام بعمارتها ، وأداء الخراج منها ، وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية ، احتساباً للأجر ، وتقرّباً إليكم ؟ فلا يحلّ لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه ، فكيف يحلّ ذلك في مالنا ؟! ... [4] [5] .
قلتُ أوَّلاً : هو ضعيف السّند بجهالة أكثر من شخص ، وفي الاحتجاج بالإرسال .
وثانياً : لا يُفهم منه أنّ للإذن موضوعيّة في المقام ، بل الظاهر أنّ أخذ الإذن في الرّواية إنّما هو على سبيل الطريقيّة ، باعتبار أنّ الإذن كاشف عن الرضا النفساني الذي هو المناط في جواز التصرّف .
وأمَّا الأمر الثاني : هناك تسالم بين الأعلام على كفاية الرضا التقديري ، بمعنى أنّه لو علم به رضي به ، ولا يشترط الرضا الفعلي .
ويشهد لذلك : استقرار سيرة العُقلاء قاطبةً على الاكتفاء بالرضا التقديري في استباحة التصرّف في مال غيره .
ومن هنا يصحّ تصرّف الصديق في مال صديقه ، مع القطع برضاه لو التفت ، مع أنّه فعلاً نائم ، أو غافل ، أو غائب ، ولا يحتاج في التصرّف إلى رضاه الفعلي .
إن قلتَ : إنّ موثّقة سماعة ظاهرة في اعتبار الرضا الفعلي ، لأنّ الموضوعات المأخوذة في لسان الأدلّة يتبادر منها المعنى الفعلي ، لا التقديري .
قلتُ : هذا الأمر ، وإن كان صحيحاً ومتيناً ، إلّا أنّه هنا لا بدّ من تعميمه على وجهٍ يشمل الرِّضا التقديري ، وذلك للسيرة العقلائيّة القطعيّة الممضاة من الشارع المقدّس .
وممّا يشير إلى كفاية الرضا التقديري خبر سعيد بن الحسن قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ’ : أيَجِيءُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيه ، فَيُدْخِلُ يَدَه فِي كِيسِه ، فَيَأْخُذُ حَاجَتَه ، فَلَا يَدْفَعُه ؟ قُلْتُ : مَا أَعْرِفُ ذَلِكَ فِينَا ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ’ : فَلَا شَيْءَ إِذاً ، قُلْتُ : فَالْهَلَاكُ إِذاً ، فَقَالَ : إِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يُعْطَوْا أَحْلَامَهُمْ بَعْدُ[6] ، وهو ضعيف بجهالة سعيد بن الحسن .
وخبر بريد العجلي قال : قيل لأبي جعفر ’ : إنّ أصحابنا بالكوفة لَجماعة كثيرة ، فلو أمرتهم لأطاعوك واتبعوك ، قال : يجيءُ أحدُكم إلى كيسِ أخيه ، فيأخذ منه حاجته ؟ فقلت : لا ، فقال : بدمائهم أبخل ، ثمَّ قال : إنَّ الناسَ في هدنةٍ تناكحهم وتوارثهم (نناكحهم ونوارثهم ) حتّى إذا قام القائم جاءت المزايلة ، وأتى الرّجل إلى كيسِ أخيه ، فيأخذ حاجته ، فلا يمنعه [7] ، وهو ضعيف بالإرسال .
وتنزيلهما على إرادة خصوص ما لو علم به المالك حين أخذ الفلوس من كيسه ممَّا لا داعي إليه ، بل المقصود بالاستفهام بحسب الظاهر هو الاستعلام عن وصولهم في مقام الأخوّة ، والصداقة إلى حدٍّ طابت نفوسهم ، بأن يتصرّف كلّ منهم في ملك صاحبه بما يحتاج ، من غير احتياج إلى استئذان منه .
والخلاصة إلى هنا : أنّه يكفي الرضا التقديري ، وعدم العبرة بالكراهة الفعليّة فيما إذا كانت الكراهة ناشئة من الجهل بخصوص الشخص ، كما لو رأى شبحاً من بعيد ، فنهاه عن الدخول في داره ، وكان ذلك الشخص ممَّن لا يقصده بالنهي على تقدير معرفته بشخصه ، كما لو كان ابنه ، أو صديقه الذي يرضى بدخوله.