الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/08/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :حكم الذهب للرّجل .

وبالجملة، فالحركة الركوعيّة مثلاً كما أنّه يصدق عليها عنوان الرّكوع كذلك يصدق عليها أنّها نقل للمغصوب من مكان إلى مكان، فيتصادق على الفعل الشخصيّ الخارجي عنوان الغصب والركوع، وحيث إنّ الغصب محرّم على الإطلاق، فيمتنع أن يصير مصداقه عبادة فيفسد الركوع، وهكذا الحال في السّجود والقيام، ونحوها، وهذا لا يختلف فيه الحال بين السّاتر وغيره، فالمسألة جميعا من وادٍ واحد .
 وفيه : أنّ الإنصاف عدم اتّحاد اللبس مع شيءٍ من أجزاء الصّلاة، إذ ليس الرّكوع والسّجود والقيام أفراداً له، بل هي أفعال تقارنه .
 وإن شئت فقل : إنّ الركوع والسّجود، ونحوهما، هي حركات للبدن، وتصرّف فيه من غير توقف على حركات اللباس .
 نعم، تحريكه مقارن لها، ضرورة كون المتحرّك أمرين متغايرين، هما البدن واللباس، والفرق بينه وبين المكان المغصوب واضح بمعلوميّة ضروريّة الجسم للمكان، بخلاف اللباس المعلوم كونه ليس من ضرورياته .
 بل قد يقال : إنّ الركوع والسجود والقيام ليسوا من قبيل الحركات، إذ المفهوم منها عرفاً أنّها من قبيل الهيئة القائمة بالجسم، فتكون من مقولة الوضع .
 نعم الغصب من قبيل الحركة، فيكون من مقولة الفعل، ومن المعلوم أنَّ المقولات أجناس عاليات، فلا تنطبق مقولة على الأخرى، وإذا كان الأمر كذلك فلا اتّحاد حينئذٍ في الخارج بين الغصب والصَّلاة، ومن المعلوم أنّ القول : بالامتناع مبني على الاتّحاد .
 ثمّ لو تنزّلنا عن ذلك، وقولنا : إنَّ الركوع والسّجود والقيام من قبيل الحركة، كما قلنا سابقاً : لا من قبيل الهيئة، لتكون من مقولة الوضع، ومع ذلك فإنّ الحركتين مختلفتان، حركة الركوع، والسّجود شيء، وحركة اللباس شيء آخر بالحركة الصلاتية، كالركوع والسجود، قائمة بالبدن، والحركة الغصبية قائمة بالمغصوب، فتكون إحداهما غير الأخرى في الخارج، وهما وإن تقارنا من حيث الزمان إلَّا أنّ حركة البدن الصلاتيّة علّة الحركة المغصوب، والتصرّف فهي نظير حركة اليد التي هي علّة لحركة المفتاح .
 والخلاصة : أنَّ هذا الدليل ليس بتام .
 ومنها روايتان :
 الأُولى : رواية إسماعيل بن جابر الجعفي عن أبي عبد الله ×قال : لو أنّ النّاس أخذوا ما أمرهم الله، فأنفقوا فيما نهاهم عنه ما قبله منهم، ولو أخذوا ما نهاهم عنه، فأنفقوه فيما أمرهم الله به ما قبله منهم حتّى يأخذوه من حقّ، وينفقوه في حقّ[1].
 وفيه أوَّلاً : أنّه ضعيف بمحمّد بن سنان، ورواه الشّيخ الصّدوق & في الفقيه، إلّا أنّه ضعيف أيضاً بالإرسال .
 وأمّا ما ذكره صاحب الجواهر & من أنَّ الصّدوق & أرسله في الفقيه على سبيل الجزم، ممَّا يشعر بوصوله إليه بطريق صحيح، خصوصاً بعد التزامه أنَّه لا يُورِد فيه إلَّا ما هو حجّة فيما بينه وبين ربّه .
 ففيه - ما ذكرناه في أكثر من مناسبة - : أنَّه لا فرق في عدم العمل بالمراسيل بين أن تكون الرّواية بعنوان رُوي، أو بعنوان قال، لأنّ إسناد القول للإمام ×، وإن كان يدلّ على اعتقاده بصدوره منه ×، إلّا أنّه لم يذكر لنا القرائن التي جعلته يعتقد بصدور الحديث، فلعلها لو وصلت إلينا لا تفيدنا إلّا الظنّ .
 وثانياً : أنّ الانفاق فيها ظاهر في غير ما نحن فيه، فإنّ اتّفاق المنهي عنه في المأمور به لا يتناول مثل لُبْس المغصوب في الصّلاة، فإنّه لا يطلق عليه اسم الإنفاق .
 وبالجملة، فإنّ الإنفاق في المحرم، أو بالمحرم، بأن يصرف ماله الحلال في المعاصي، أو المال الحرام في طاعة  الله من تعمير المشاهد، والمساجد، وصلة الرحم، ونحوها، لا تقع عبادة فلا تعم مثل ما نحن فيه .
 وثالثاً : أنّ عدم القبول أعمّ من الفساد فيحتاج إلى قرينة على إرادة عدم الإجزاء من عدم القبول، وهي منتفية .
 الرواية الثانية : رواية تحف العقول عن أمير المؤمنين × في وصيته لكُمَيل قال : يا كُمَيل ! اُنظر في ما تصلّي، وعلى ما تصلّي إن لم يكن من وجهه، وحلّه فلا قبول[2].
 وفيها أوّلاً : أنّها ضعيفة بالإرسال، ورواه الطبرسي & في بشارة المصطفى بسند أغلب رجاله مجهولو الحال .
 وثانياً : أنّ عدم قبول أعمّ من الفساد، كما عرفت .
والخلاصة إلى هنا : أنّ مقتضى الصناعة العلميّة عدم اشتراط الإباحة في اللباس .
 نعم، الأحوط وجوباً اعتبارها في السّاتر للعورة، وأمّا في غير السّاتر فالأحوط استحباباً اعتبارها، والله العالم بحقائق أحكامه .
قوله : (وإن جُهِل الحكم، والأقرب : إعادة الناسي في الوقت خاصَّة)[3]
قد عرفت سابقاً أنّ مقتضى الصناعة العلميّة صحّة الصّلاة في المغصوب مع العلم بالغصب، وحرمته .
 نعم، احتطنا وجوباً في اعتبار الإباحة في السّاتر للعورة .
 وعليه، فالجاهل والناسي للحكم والموضوع يصبح حكمهما واضحاً، إلّا أنّه لو فرضنا بطلان الصّلاة، مع العلم بالغصبية والحرمة، فما هو الحكم في الجاهل والناسي ؟
 فنقول : أمّا الجاهل فتارةً يكون جاهلاً للحكم، وأخرى للموضوع، فإنّ كان جاهلاً للحكم فظاهر جماعة من الأعلام الصحّة، منهم المحقّق الكركي في جامع المقاصد، والشهيد الثاني في الرّوض، وصاحب المدارك، وصاحب مجمع البرهان، وذلك لامتناع تكليف الغافل .
 وفي المقابل ذهب جماعة إلى البطلان، منهنم المصنِّف & هنا، والعلّامة & في جملة من كتبه، ومقتضى إطلاقهم الصحّة، والبطلان عدم الفرق بين القاصر والمقصر .
 والإنصاف : أنّ الجاهل المقصّر فحكمه حكم العالم بالحكم والغصبيّة، لأنّه غير معذور في جهله فيكون الفعل الصادر منه مبغوضاً، ومع كونه مبغوضاً لا يمكن التقرّب به، كما أنّه لا يمكن تصحيح عمله بحديث لا تعاد الصّلاة إلّا من خمسة، لأنّه لا يشمل الجاهل المقصّر، كما أوضحناه في محلّه .
 وأمَّا الجاهل القاصر فالمفروض صحّة صلاته لكونه معذوراً في علّله، ومع العذر لا يكون صدور الفعل مبغوضاً منه، فيمكن التقرّب به إلى الله سبحانه وتعالى .
 أضف إلى ذلك : يكون مشمولاً لحديث لا تعاد، لِمَا قلناه من أنّ الحديث لا يختصّ بالناسي، كما أنّ الشّيخ النائيني &، بل يشمل الجاهل القاصر، هذا بالنسبة للجاهل بالحكم .
 وأمّا الجاهل بالموضوع، أي الغصبيّة، فالمعروف بين الأعلام هو الصحّة، وهو كذلك، لعدم صدور الفعل منه على صفة المبغوضيّة، ومعه لا مانع من التقرّب به حينئذٍ .


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص119، أبواب مكان المصلي، باب2، ح1، ط آل البیت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص119، أبواب مكان المصلي، باب2، ح2، ط آل البیت.
[3] الينابيع الفقهية، علي أصغر مرواريد، ج28، ص596.