الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/07/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :حكم الذهب للرّجل
أقول : يدل على البطلان بعض الأخبار :
 منها : موثّقة عمّار بن موسى، وهي العمدة في الاستدلال للبطلان عن أبي عبد الله ’ - في حديث - قال : لا يلبس الرّجل، ولا يصلّي فيه، لأنّه من لباس أهل الجنة [1].
 وقد يناقش في دلالتها على الحرمة، حيث إنّ ما فيها من التعليل ربما يُوهِن ظهورها في ذلك، ولكنّ الظاهر أنّ هذه المناقشة غير واردة، لأنّ المراد من الذيل - والله العالم - أنّ الله سبحانه وتعالى لَمَّا خصّ لباس الرجال إياه في الجنّة فحرم عليهم لُبْسه في الدنيا .
 ومنها : رواية موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد الله ’ في الحديد أنَّه حلية أهل النار، والذهب أنه حلية أهل الجنة، وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء، فحرم على الرجال لُبْسه، والصّلاة فيه [2]، ولكنّها ضعيفة بالإرسال .
 ومنها : رواية جابر الجعفي قال : سمعت أبا جعفر ’ يقول : ليس على النساء أذان - إلى أن قال : - ويجوز للمرأة لُبْس الديباج والحرير في غير صلاة وإحرام، وحرّم ذلك على الرّجال إلّا في الجهاد، ويجوز أن تتختّم بالذهب، وتصلّي فيه، وحرم ذلك على الّرجال إلّا في الجهاد [3]، وهي ضعيفة بجهالة كلّ من أحمد بن الحسن القطان، والحسن بن علي العسكري، وجعفر بن محمد بن عمارة، وأبيه .
 قال المحقّق الهمداني ¬ في مصباح الفقيه  والخدشة في سند الروايات في مثل هذا الفرع الذي لم يوجد مصرّح بالخلاف ممّا لا ينبغي الالتفات إليها.
أقول : هذه الروايات الضعيفة تكون مؤيِّدة للمطلب، وكون المسألة متسالم عليها فيما تتمّ به الصلاة، لا يجبر ضعفها، إلّا إذا أحرزنا استناد كلّ العلماء المتقدّمين إليها، والمشهور فقط، وإحراز اسثتناء الجميع إليها يحتاج إلى دعوى علم الغيب .
 وقد يُستدلّ للبطلان أيضاً بأنّ الصّلاة في الذهب استعمال له، فلا تصحّ، لأنّ النهي عن العبادة يدلّ على الفساد .
 وفيه : أنّ المنهي عنه في الروايات إنّما هو لُبْسه، لا مطلق استعماله، ومن المعوم أنّ اللُبْس أمر مغاير لأفعال الصّلاة، فلا يصدق على القيام والقعود والركوع، وغيرها من أجزاء الصّلاة عنوان اللبس، وإذا لم تكن أجزاء الصّلاة عين اللُبْس فلم يتحقق نهي عنها حتّى يدلّ على الفساد .
 نعم، قد يُقال : بالبطلان فيما إذا حصل ستر العورة بلُبْسه للذهب لعدم تحقق الستر المأمور به، لأنّ المحرّم لا يكون مصداقاً للواجب، ومن المعلوم أنّ الحاصل منه الخارج فرداً للُبْس المحرم، فكيف يتحقق المأمور به ؟! .
 وقد أجيب عن ذلك : بأنّ التستّر الصلاتي ليس عبادة حتّى يكون النهي عنه مانعاً عن عباديته .
 وإن شئت قلت : إنّ التستّر شرط للصّلاة، والشرط خارج عن ذات الصّلاة، وإنّما المعتبر تقيّدها بالستر، فالتقيّد داخل والشرط خارج، وكون الشرط حراماً لا تسري حرمته إلى التقيّد .
 ومن هنا يحصل التقيّد بالطهارة من الخبث، وإن حصل التطهير بالغسل بالماء المغصوب .
 ثمّ لا فرق في حرمة لُبْس الذّهب تكليفاً ووضعاً بين ما تتمّ به الصّلاة - كما هو المتّفق عليه - وبين ما لا تتمّ به، كالخاتم، ونحوه، كما هو المشهور، فإنّ موثّقة عمّار المتقدّمة التي هي العمدة في الاستدلال تشمله، لصدق اللبس حقيقة على لُبْس ما لا تتمّ به الصّلاة، بل لعلّ النهي عن لُبْس الذهب منصرف في حدّ نفسه إلى مثل الخاتم، ونحوه، ممّا لا تتمّ به الصّلاة، وإذا لم ندع الانصراف فلا أقلّ يكون من الأفراد المتيقنة التي يشملها الإطلاق .
 ومنه قدِ اتضح لك عدم صحّة ما ذهب إليه المحقّق ¬ في المعتبر، حيث قال فيه : لو صلّى، وفي يده خاتم من ذهب، ففي فساد الصّلاة تردّد، وأقربه أنّها لا تبطل، لما قلناه في الخاتم المغصوب، ومنشأ التردّد رواية موسى بن أكيل .. [4].
 وفيه : أنّ دليل البطلان لا يختص بخبر موسى بن أكيل المتقدّم، كي يُقال : إنّه ضعيف السند، بل العمدة في البطلان موثّقة عمار، وهي بإطلاقها تشمله، بل نصّ على تحريمه في خبر جابر الجعفي المتقدّم، لكنّك عرفت أنّه ضعيف السند .

قوله : (ولو مموَّهاً به، وقول أبي الصلاح : بكراهة المذهَّب، ضعيف)[5]
المعروف بين جماعة من الأعلام - لا سيَّما المتقدّمين منهم - عدم إلحاق المذهّب تمويهاً، وغيره، بالذهب، فعن الغنية : تُكره الصَّلاة في المذهّب، والملحّم بالذهب، بدليل الإجماع عليه، وعن الوسيلة : والمموَّه من الخاتم، والمجرى فيه الذهب، والمصوغ من النقدين على وجه لا يتميّز، والمدروس من الطراز، مع بقاء أثره حلّ للرّجال [6]، وعن الحلبي : وتُكره الصّلاة في المصبوغ، وأشده كراهيّة الأسود، ثمّ الأحمر المشبّع، والمذهّب، والموشّح، والملحّم بالحرير، والذهب .[7]


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص413، أبواب لباس المصلّي، باب30، ح4، ط آل البیت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي،  ج4، ص414، أبواب لباس المصلّي، باب30، ح5، ط آل البیت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص380، أبواب لباس المصلّي، باب16، ح6، ط آل البیت.
[4] المعتبر، المحقق الحلي، ج2، ص92.
[5] الينابيع الفقهية، علي أصغر مرواريد، ج28، ص596.
[6] الوسيلة، ابن حمزة الطوسي، ج1، ص368.
[7] الكافي للحلبي، أبو الصلاح الحلبي، ج1، ص140.