الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/07/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :حكم لبس الحرير المحض للرجل في الصلاة وغيرها .
فقه الصَّلاة / درس 30 – لبس الحرير/
والخلاصة : أنّه مع عدم الاستهلاك لا فرق بين تساوي الخليط وأقليته وأكثريته عندنا، خلافاً للشافعي، وأبي حنيفة، فيحرم إذا كان الحرير أكثر، ولو تساويا فللشافعي قولان .
 وفيه : ما عرفت أنّ العبرة في التحريم هو صدق الحرير المحض .
 ثمّ إنّه ينبغي أنْ يعلم أنّه يُكتفى بالمزج بكلّ محلل تجوز الصلاة فيه من غير فرق بين القطن والكتان، وغيرهما، كما هو مقتضى كلّ من أطلق الامتزاج، أو ذكر القطن والكتان بكاف التشبيه، ونحوه، ممَّا يُشعِر بإرادة المثال .
 والإنصاف : أنّه لا ريب في إرادة المثال ممّا يُوهِم الاختصاص بالقطن والكتان في خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله ’ قال : لا بأس بلباس القزّ إذا كان سَداه، أو لحمته، من قطن أو كتان [1]، وخبر الاحتجاج عن صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف، حيث ورد فيه فأجاب ’ : لا تجوز الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن، أو كتان [2]، مضافاً إلى ضعف الخبر الأول بعدم وثاقة القاسم بن عروة، والثاني بالإرسال، أو يُوهِم الاختصاص بهما مع الخزّ في صحيحة زرارة المتقدمة قال : سمعت أبا جعفر ’ ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء، إلَّا ما كان من حرير مخلوط بخزّ، لحمته أو سداه خزّ أو، كتان، أو قطن، وإنّما يُكره الحرير المحض للرجال والنساء [3]، بل قوله في الذيل : إنَّما يكره الحرير المحض  صريح في إرادة المثال من ذكر هذه الأمور الثلاثة، وقد عرفت سابقاً أنّ المراد من الكراهة في هذه الصحيحة مطلق المرجوحيّة الجامع بين الحرمة والكراهة المصطلحة، فتحمل على الحرمة للرجال، وعلى الكراهة المصطلحة للنساء، وذلك لمعلوميّة جواز لبس الحرير للنساء .
 قوله : (وأمَّا الحشو به فالأقرب المنع، وفي مكاتبة العسكري ’ جوازه)[4]
 ذهب جماعة كثيرة من الأعلام إلى المنع من اللباس المحشو بالإبْرَيسم أو القزّ، منهم المصنف ¬ هنا، والشيخ الصدوق ¬ في الفقيه، والعلامة ¬ في التذكرة، والمحقق الثاني ¬ في جامع المقاصد، والشهيد الثاني ¬ في المسالك، وكذا غيرهم من الأعلام، وبالمقابل لم يستبعد الجواز المصنف ¬ في الذكرى، وفي المفاتيح قطع بالجواز، واحتمله صاحب المدارك ¬، ومال إليه الشيخ المجلسي ¬، ونقله عن شيخه الفاضل الشوشتري ¬ .
 وقد يستدل لمن ذهب إلى المنع : بعموم النهي عن لبس الحرير، وذلك لصدق المحض والمُصْمَتِ  عليه، ولأنه بتلبّده يصدق عليه اللبس وإن لم يكن منسوجاً، ونقل المصنف ¬ في الذكرى عن المحقق ¬ الاستدلال للمنع : بأنّه سرف، منهي عنه .
وفيه : أنّه لو سلمنا أنّه سرف إلّا أنّه لا يقتضي حرمة اللبس بعد التحشية .
 والإنصاف : أنّه وإن صدق عليه اللباس بتلبّده إلّا أنّك عرفت أنّ المانع من صحّة الصلاة هو ما صدق عليه الثوب، أي الممنوع هو الصلاة في الثوب الحرير المحض .
 ولو قطعنا النظر عن الثوب، وقلنا : إنّه يكفي في المنع مطلق اللبس وإن لم يكن ثوباً، ومع ذلك نقول : بالجواز، وذلك لصحيحة الحسين بن سعيد قال : قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى الرضا ’ يسأله عن الصلاة في ثوب حشوه قزّ، فكتب إليه : وقرأته لا بأس بالصلاة فيه [5]، وأوَّله ابن بابويه ¬ بقزّ الماعز، أي شعر الماعز .
 وفيه : أنه خلاف الظاهر جدّاً .
 وأشكل المحقّق ¬ على سند الرواية بأنّ الراوي - أي الحسين بن سعيد - لم يسمعه من محدث، وإنّما وجده في كتاب .
 وفيه : أنّ الراوي أخبر بصيغة الجزم، والمكاتبة المجزوم بها في قوّة المشافهة .
 نعم، قد يشكل أنّ موردها القز، وعدم الفصل بينه وبين الإبْرَيسم غير ثابت، والرواية الدّالة على مساواتهما ضعيفة .
 وعليه، فالتعدي إلى الإبريسم غي رظاهر .
 أقول : أما الرواية الدالة على مساواتهما فهي رواية العباس بن موسى عن أبيه قال : سألته عن الإبْرَيسم، والقزّ، قال : هما سواء[6]، وهي ضعيفة بالإضمار، وبجهالة والد العباس .
 نعم، ذكر الشيخ الحرّ ¬ في الوسائل بعد قوله : عن أبيه كلمة عليه السلام، الدّالة على المراد به هو العباس بن موسى بن جعفر ’، ولكنّ الصدر خالٍ عن هذه الكلمة، أضف إلى ذلك أن عباس بن الإمام ’ لم يرد فيه توثيق بالخصوص، إلا ما حكي عن بعض نسخ رجال الشيخ ¬، ولكن يشكُل الاعتماد على هذه النسخة لأنّ ابن داود ¬ لم ينقل توثيقه عن الشيخ ¬ مع وجود النسخة عنه، بل ذكر في بعض الموارد من كتابه أنّه رأى نسخة رجال الشيخ بخطه الشريف .
 ولكنّ الإنصاف - مع قطع النظر عن ضعف الرواية - : أنّ التعبير بالقزّ في الصحيحة باعتبار أنّه الغالب في الحشو، لأنّه مادة يعمل منه الإبْرَيسم .
 ومن هنا قال بعض اللغويين - ومنهم الفيومي في مصباحه، والنصّ له - : القزّ معرّب، قال الليث : هو ما يعلم منه الإبْرَيسم، ولهذا قال بعضهم : القزّ والإبْرَيسم مثل الحنطة والدقيق، وبناءً على ما تقدم تكون صحيحة الحسين بن سعيد مخصِّصة للعمومات الناهية عن لُبْس الحرير، فالأقوى الجواز حينئذٍ .
 ومثل صحيحة الحسين بن سعيد رواية سفيان بن السمط - في حديث - قال : قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى أبي الحسن ’ يسأله عن ثوب حشوه قزّ يصلّي فيه ؟ فكتب : لا بأس به [7]، ولكنّها ضعيفة بأحمد بن عبديل، فإنَّكه مهمل، وبعدم وثاقة سفيان بن السمط، كما أن ابن سنان لم يعلم أنه عبد الله الثقة .


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص374، أبواب لباس المصلّي، باب13، ح2، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص374، أبواب لباس المصلّي، باب13، ح8، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص374، أبواب لباس المصلّي، باب13، ح5، ط آل البيت.
[4] الينابيع الفقهية، علي أصغر مرواريد، ج28، ص595.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص444، أبواب لباس المصلّي، باب47، ح1، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص374، أبواب لباس المصلّي، باب11، ح4، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص444، أبواب لباس المصلّي، باب47، ح3، ط آل البيت.