الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/07/22

بسم الله الرحمن الرحیم


الموضوع :حكم لبس الحرير المحض للرجل في الصلاة وغيرها .
فقه الصَّلاة / درس 30 – لبس الحرير/
إلى عكس نقيض القضية، فلا يحكم بحجيته فيه، بل يُرجع إلى أصالة عدم الحجية .
 ومن جملة الأمور التي استدل بها على عدم جواز صلاتهنّ في الحرير هي ما دل على أنَّه لا تجوز في الحرير للرجال بضميمة قاعدة الاشتراك في التكليف .
 وفيه : أنّ قاعدة الاشتراك إنَّما تتمّ إذا لم يحتمل الخصوصيّة للرجل، ومعِ احتمال الخصوصية لا يصحّ الاستدلال بها، لأنَّ الدليل عليها هو الإجماع، وهو دليل لبِّي لا إطلاق فيه، واحتمال الخصوصيّة موجود، وهو حرمة لبس الحرير المحض للرجل تكليفاً، وعدمها بالنسبة للمرأة، ومع هذا الفارق بينهما فيبقى احتمال الخصوصية للرجل موجوداً، فلا يمكن التمسّك بالقاعدة .
 والخلاصة إلى هنا : أنَّه لا يوجد ما يدل على المنع من لبسهنّ الحرير في الصَّلاة وضعاً، ومقتضى الأصل جواز الصَّلاة لهنّ فيه فيُحكم بالصحة .
 ومع ذلك فقدِ استدل بعض الأعلام لجواز على الصَّلاة لهنّ فيه بروايتين :
 الأُولى : مرسلة ابن بكير عن أبي عبد الله ’ قال النساء يلبس (يلبسن خ ل ) الحرير والديباج، إلَّا في الإحرام [1]، فإنَّ استثناء الإحرام قرينة على إرادة الأعمّ من التكليف والوضع في المستثنى منه، وهذا يكشف عن جواز اللبس حال الصَّلاة وعدم مانعيته لها .
 والإنصاف : أنَّ هذا الاستدلال في محله إلا أنَّ الرواية ضعيفة بالإرسال، وكون المرسل - وهو عبد الله بن بكير - من أصحاب الإجماع لا ينفع في المقام، لِمَا عرفت أنَّ أصحاب الإجماع مثلهم مثل غيرهم من هذه الجهة .
 إن قلت : إنّ المشهور عمل بهذه الرواية، وعملهم جابر لضعف السند .
 قلت : قد تقدّم في أكثر من مناسبة أنّ عمل المشهور لا يجبر ضعف السند .
 أضف إلى ذلك : أنّ الصغرى غير مُحْرَزة، إذ لم يثبت استنادهم في الفتوى إلى هذه الرواية، ومجرد ذكرها في كتبهم لا يلازم الاستناد إليها .
 الثانية : موثّقة سماعة عن أبي عبد الله ’ قال : لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة، فأمَّا في الحرّ والبرد فلا بأس [2].
 ولكن الإنصاف : أنّ هذه الموثّقة لا يستفاد منها إلّا كراهة لُبْس الحرير وهي محرمة، فإنَّ كلمة لا ينبغي  كما ذكرنا سابقاً ظاهرة في الكراهة .
 والخلاصة إلى هنا : أنّ الأقوى جواز الصَّلاة لهن فيه .
 وممّا يؤيِّد ذلك : ما تقدم من رواية ليث فاقسمها بين نسائك، إذ لو لم تجز صلاتهنّ فيه لكان التنبيه عليه لازماً في مثل هذه الأخبار بعد قضاء العادة بأنّ مَنْ يلبسه لم يزل يصلّي فيه عند حضور وقت الصَّلاة .
وعليه، فأمر النبي صلى الله عليه وآله بتقسيمه بين نسائه، وعدم بيان بطلان صلاتهن فيه، مع كونه في صدر الشريعة، بحيث لا يحتمل في حقهنّ الاستغناء عن البيان بمعروفيته لديهن، من أقوى الشواهد على الجواز، لولا ضعف الرواية، كما تقدّم، والله العالم .
قوله : (ويجوز الممتزج للرّجل ولو قلّ الخليط، إلّا مع صدق الحرير عليه)[3]
إذا خلط الحرير بشيء ممّا تجوز الصَّلاة كالقطن والكتان وغيرهما، بأن جعل أحدهما سدًى والآخر لحمة حتى خرج عن كونه حريرا محضاً جاز لبسه والصَّلاة فيه، سواء كان أكثر من الحرير أو أقل منه .
 وفي الجواهر :  بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسمَيْه عليه، بل الثاني منهما مستفيض، كالنصوص، أو متواتر ....  .
 أقول : قد عرفت أنّ الوارد في النصوص هو المنع عن الحرير المحض، كما في صحيحتي محمّد بن عبد الجبار المتقدمتين وغيرهما، فإذا لم يصدق عنوان المحوضة عليه، فلا تشمله أخبار المنع، هذا أوَّلا .
 وثانياً : قد يستدل للجواز - مضافاً للتسالم بين الأعلام - عدّة من الأخبار :
 منها : صحيحة البزنطي قال : سأل الحسين بن قياما أبا الحسن ’ عن الثوب الملحم بالقزّ والقطن، والقز أكثر من النصف، أيُصلّي فيه ؟ قال : لا بأس، قد كان لأبي الحسن ’ منه جبات[4].
 ومنها : موثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله ’ ف يالثوب يكون فيه الحرير فقال : إن كان فيه خلط، فلا بأس [5]، والرواية، وإن كانت مرسلة، إلّا أنّ الإرسال هنا من غير واحد، ويطمئنّ بوجود الثقة فيهم .
 ومنها : رواية أبي الحسن الأحمسي عن أبي عبد الله ’ قال : سأله أبو سعيد عن الخميصة - وأنا عنده - سداه إبريسم، أيلبسها - وكان وجد البرد - ؟ فأمره أن يلبسها [6]، وفي المجمع : خميصة : ثوب خزّ أو صوف، مربَّع معلَّم، قيل : ولا تسمّى خميصة إلا أنْ تكون سوداء معلَّمة، وفي الجواهر : الخميصة كساء أسود مربع، له علمان .
 ثمّ إنّ الرواية ضعيفة، لعدم وثاقة صالح بن السندي، ولكون أبي الحسن الأحمسي مهملاً .
 لا يُقال : إنّ صالح بن السندي، روى عن جعفر بن بشير وجعفر بن بشير، روى أيضاً عن الأحمسي، فتكون الرواية معتبرة، لأنّ النجاشي ¬ قال في حق جعفر بن بشير : روى عن الثقات، وروى عنه الثقات  .
 قلت : هذه العبارة لا تفيد توثيق كل من روى عن جعفر بن بشير، وروى عنه جعفر، فراجع ما ذكرناه في علم الرجال، وكذا غيرها من الروايات .
 ثمّ يظهر من بعض الروايات المتقدّمة، أي المناط هو عدم صدق محض الحريريّة، فيكفي مطلق الامتزاج ولو كان الخليط أقلّ من العشر .
 وعليه، فلا يكفي الخليط المستهلك الذي لا يرفع صدق كونه لباس حيري محض حقيقة


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص374، أبواب لباس المصلّي، باب16، ح3، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص374، أبواب لباس المصلّي، باب16، ح4، ط آل البيت.
[3] الينابيع الفقهية، علي أصغر مرواريد، ج28، ص595.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص374، أبواب لباس المصلّي، باب13، ح1، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص374، أبواب لباس المصلّي، باب13، ح4، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص374، أبواب لباس المصلّي، باب13، ح3، ط آل البيت.