الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/06/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الصَّلاة في جلد الميتة  /فقه الصَّلاة / الصَّلاة في جلد الميتة  /

والوبر، والمجاز في الروث وأشباهه، لاستلزامه استعمال اللفظ في المعنيين .
 ولكن قد يُعارِض ذلك صحيح محمَّد بن عبد الجبَّار (قال : كتبتُ إلى أبي محمَّدٍ × أسأله، هل يصلّي في قلنسوة عليها وبر ما لا يُؤكَل لحمه، أو تكّة حرير محض، أو تكّة من وبر الأرانب، فكتب : لا تحلّ الصّلاة في الحرير المحض، وإن كان الوبر ذكيّاً حلّت الصَّلاة فيه، إن شاء الله)[1]، ولكن متن هذه الصحيحة لا يخلو من اضطراب، لأنّه إن أُريد من الذكيّ المقيّد به الوبر هو الطاهر في مقابل النجس، فلا ريب في عدم اعتبار الطهارة فيما لا تتمّ به الصّلاة .
 وإن أريد به ما يقابل الميتة فمن الواضح جواز الصّلاة في أجزائها التي لا تحلّها الحياة، كالوبر، ونحوه، ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله × (قال : لا بأس بالصَّلاة فيما كان من صوف الميتة، إن الصوف ليس فيه روح)[2]، وكذا غيرها .
 ويحتمل قريباً أن يكون المراد من قوله : (وإن كان الوبر ذكيّاً حلّت الصّلاة فيه) هو ما كان في محلّل الأكل .
 كما يؤيّده : ما في رواية عليّ بن أبي حمزة (قلت : أوليس الذكيّ ممّا ذُكيّ بالحديد، فقال × : بلى، ذا كان ممَّا يُؤَكل لحمه)[3]، وهي ضعيفة كما تقدَّم .
 لا يُقال : هذا الاحتمال متوقّف على كون الأرانب قسمَيْن محلَّل الأكل ومحرّمه، وهي ليست كذلك .
 فإنَّه يُقال : إنّ هذا مبني على كون المراد من الوبر الذكي هو خصوص وبر الأرانب، ولكن لا مُلزِم لهذه التخصيص، بل المراد فيه مطلق الوبر، سواء كان من الأرانب، أم غيرها .
 وهذا الاحتمال وإن كان مخالفاً لظهور الصحيحة، إلَّا أنّه متعيّن، إن لم تحمل هذه الصحيحة على التقية .
 ومن هنا ذكر جماعة أنّ الأقوى حَمْل هذه الصحيحة على التقيّة، لاستقرار بعض مذاهب المخالفين على جواز الصَّلاة في أجزاء ما لا يُؤكل لحمه مع التذكية، إذ من المعلوم أنّ أحمد بن حنبل المعاصر للإمام الرضا × كان يحكم بعدم جواز الصَّلاة في الحرير المحض، وباشتراط كون الشَّعر والوبر مأخوذاً من حيّ أو مذكّى، وقدِ اشتهر مذهبه، ومذهب الشافعي في زمن أبي محمّد العسكري ×، ولذا اشتدت التقية فيه .
 والخلاصة : أنَّ الموثّقة ظاهرة جدّاً في مطلق التلبّس الصّادق على مثل الشعرات الملقاة على الثوب، وكذا صحيحة أو حسنة أبي علي بن راشد .
 وعليه، فما ذهب إليه الأكثر من عموم المنع هو الأقوى، حتّى لو كانت شعرة واحدة على الثوب، أو البدن، والله العالم .
[1] يقع الكلام في أمرين :
 الأوَّل : في وبر الخزّ .
 الثاني : في جلده .
 أمَّا الأمر الأوَّل : فقد تسالم الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأمصار والأعصار على جواز الصَّلاة في وبر الخز الخالص من وبر الأرانب، والثعالب، ونحوها .
 قال المصنِّف + في الذكرى : (أجمع الأصحاب على جواز الصَّلاة في وبر الخز الخالص)، وفي المدارك : (وقد أجمع علماؤنا على جواز الصَّلاة في وبر حكاه في المعتبر ... )، وفي الجواهر : (بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به غير واحد، بل الإجماع بقسمَيْه عليه، بل المحكي منه متواتر كالنصوص ... ) .
 أقول : هذه المسألة أصبحت من البديهيَّات، فإن نقل الإجماع فيها متواتر، كما أنّ الأخبار الدَّالة على جواز الصَّلاة فيه إن لم تكن متواترة فهي مستفيضة جدّاً .
 مضافاً إلى أنَّها سليمة عن المعارض، إذ قلَّما تجد مسألة في الأبواب الفقهية سليمة عن المعارض، كمثل هذه المسألة .
 ومن جملة الأخبار الدَّالة على جواز الصَّلاة فيه صحيحة سليمان بن جعفر الجعفري (أنَّه قال : رأيت الرضا × يصلّي في جبّة خزّ)[4].
 ومنها : صحيحة عليّ بن مهزيار (قال : رأيت أبا جعفر الثاني × يصلّي الفريضة، وغيرها، في جبَّة خزّ طاروي، وكساني جبّة خزّ، وذكر لبسها على بدنه، وصلّى فيها، وأمرني بالصّلاة فيها)[5].
ومنها : حسنة زرارة (قال : خرج أبو جعفر × يصلّي على بعض أطفالهم، وعليه جبّة خزّ صفراء ومطرف خزّ أصفر)[6].
 ومنها : موثَّقة معمر بن خلاد (قال : سألتُ أبا الحسن الرضا × عن الصَّلاة في الخزّ، فقال : صلّ فيه )[7].
 ومنها : صحيحة الحلبي (قال : سألته عن لبس الخز، فقال : لا بأس به، إنَّ عليّ بن الحسين × كان يلبس الكساء الخزّ في الشتاء، فإذا جاء الصيف باعه، وتصدق بثمنه، وكان يقول : إنّي لأستحي من ربي أن آكل ثمن ثوب قد عبدت الله فيه)[8]، وهي واضحة الدّلالة في شمول لُبْسه لحال الصَّلاة، لقوله × (قد عبدت الله فيه)، وكذا غيرها من الأخبار الكثيرة .
 الأمر الثاني : المشهور بين الأعلام جواز الصَّلاة في جلد الخزّ، وفي البحار : نسبته إلى المشهور بين المتأخرين، ولكن حُكِي عن ابن إدريس + : القول بالمنع، ونفى عنه الخلاف، وعن العلَّامة + في المنتهى : متابعته .
 ويدلّ على جواز الصَّلاة فيه عدَّة من الأخبار :
 منها : رواية ابن أبي يعفور (قال : كنتُ عند أبي عبد الله × إذ دخل عليه رجل من الخزّازين، فقال له : جعلت فداك ! ما تقول في الصَّلاة في الخزّ، فقال : لا بأس فيه، فقال له الرّجل : جعلتُ فداك ! إنَّه ميت، وهو علاجي، وأنا أعرفه، فقال له أبو عبد الله × : أنا أعرف به منك، فقال له الرجل : إنَّه علاجي، وليس أحد أعرف به مني، فتبسم أبو عبد الله ×، ثم قال له : أتقول : إنَّه دابّة تخرج من الماء، أو تصاد من الماء، فتخرج، فإذا فُقِد الماء ماتت، فقال الرجل : صدقت، جعلت فداك ! هكذا هو، فقال له أبو عبد الله × : فإنَّك تقول إنَّه دابة تمشي على أربع، وليس هو في حدّ الحيتان، فتكون ذكاته خروجه من الماء، فقال له الرجل : إي، والله، هكذا أقول، فقال له أبو عبد الله × : فإنَّ الله تعالى أحلَّه، وجعل ذكاته موته، كما أحلّ الحيتان، وجعل ذكاتها موتها)[9].
 ودلالتها واضحة جدّاً، حيث عُلِّل فيها الحلّ بتحقق التذكية، وهو صريح في أنّ موضوع السّؤال هو الجلد، فإنّه الذي يعتبر في جواز الصّلاة فيه التذكية، دون الوبر، إذ لا يعتبر فيه التذكية، لأنّه ليس ممّا تحلّه الحياة .
 ولكنّها ضعيفة السند جدّاً، إذ فيها عدّة من المجاهيل، منهم عبد الله بن إسحاق العلوي، ومحمّد بن سليمان الديلمي، وقريب الراوي عن أبي يعفور .


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص377، أبواب لباس المصلّي، باب14، ح4، ط آل البیت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج3، ص513، أبواب لباس المصلّي، باب68، ح1، ط آل البیت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص348، أبواب لباس المصلّي، باب3، ح3، ط آل البیت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص359، أبواب لباس المصلّي، باب8، ح1 و 2 و 3، ط آل البیت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص359، أبواب لباس المصلّي، باب8، ح2، ط آل البیت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص359، أبواب لباس المصلّي، باب8، ح3، ط آل البیت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص360، أبواب لباس المصلّي، باب8، ح5، ط آل البیت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، أبواب لباس المصلّي، باب10، ح13، ط آل البیت.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص360، أبواب لباس المصلّي، باب8، ح4، ط آل البیت.