الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/05/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :الصَّلاة في جلد الميتة  /فقه الصَّلاة / الصَّلاة في جلد الميتة

بقي في المقام شيء، وهو أنّه لو كانت يد المسلم مسبوقة بيد الكافر، فقد يُقال : بعدم شمول المطلقات لهذه الصورة، للانصراف .
 وفيه : أنّ دعوى الانصراف في غير محلّها، بل الإطلاقات المتقدّمة تشمل هذه الصّورة، فيُحكم على المأخوذ من يد المسلم في هذه الصّورة بالتذكية، سواء كان المسلم ممّن يبالي أو لا يبالي، ولا معنًى  لتخصيص البعض الحكم بالتذكية في مبالاة المسلم فقط، إذ لا فرق بين غير المبالي، وبين المستحلّ للميتة بالدبغ، فكما أنّه هناك قلنا بالإطلاق، فهنا أيضاً  كذلك .
 وأمَّا ما ذكره السّيد الخوئي + من عدم الحكم بالتذكية في المأخوذ من يد المسلم غير المبالي المسبوق بيد الكافر، حيث قال : وبالجملة لا تنفع يد المسلم المسبوقة قبل ساعةٍ مثلاً بيد الكافر المحكومة آنذاك بعدم التذكية، فإنّ ذلك بمنزلة ما لو أخذه من الكافر ابتداءً ومباشرة من دون توسيط يد المسلم، فلا ينبغي الشكّ في خروج هذه الصّورة عن منصرف الإطلاقات ...[1].
 ففيه : أنّه لا موجب للانصراف، وقد عرفت سابقاً أنّ يد الكافر ليست أمارة على عدم التذكية، وإنّما الموجود في يده المحكوم عليه بعد التذكية للأصل، وهذا الأصل ينقطع إذا صارت بيد المسلم، وأنّه مع وجودها لا يلتفت إلى غيرها .
 وأمَّا قوله : بمنزلة ما لو أخذه من الكافر ابتداءً ومباشرةً من دون توسط يد المسلم .
 ففيه : ما لا يخفى، بل ما كنت أتوقع صدوره منه (رفع الله في الخلد درجته) .
 ومثله في الفساد ما ذكره صاحب الجواهر + من تقديم يد الكافر على سوق المسلم وأرضه، قال : أمَّا يد الكافر على سوق المسلم، وأرضه، فلا ريب في رجحانها عليهما، لإطلاق النصّ والفتوى، بل يمكن دعوى ترجيح استصحاب حكمها عليهما، فضلاً عنها على إشكال ...[2].
 وفيه : ما عرفته سابقاً من أنّ سوق المسلمين وأرضهم ليستا أمارتَيْن مستقلتَيْن، مقابل يد المسلم، بل إنّما اعتبرناهما لكونهما طريقين للحجّة، لا لكونهما بنفسهما حجّة، بل هما أمارتان يُستكشف بهما كون البايع مسلماً، فالعبرة أوّلاً وبالذات إنّما هي بيد المسلم .
 وعليه ، فلا وجه لتقديم يد الكافر عليهما، لا سيّما إذا قلنا -كما هو الصحيح - : إنّ يده ليست أمارة، وإنّما يحكم بعدم تذكية ما في يده للأصل، والله العالم بحقائق أحكامه .
قوله : (ولا تجوز في جلد ما لا يُؤكل لحمه، وإن ذكّي ودبغ) .
في المدارك : وأمّا عدم جواز استعماله في الصّلاة فهو إجماعي أيضاً، على ما نقله جماعة، وفي الجواهر : بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسمَيْه عليه، بل لعلّ المحكيّ منه متواتر، أو مستفيض قريب منه، مضافاً إلى النصوص، والإجماعات المستفيضة، أو المتواترة في خصوص السِّباع منه، مع التتميم بعدم القول بالفصل ...  .
 أقول : لا إشكال في استفاضة نقل الإجماع، بل قد يظهر للمتأمّل في النصوص أنّ ذلك كان في الزّمان القديم من ضروريات مذهب الإمامية، خصوصاً بعد ملاحظة اتّفاق فتاوى الأصحاب الحافظين للأحكام .
ويدلّ عليه الأخبار الكثيرة، أهمها موثّقة عبد الله بن بكير قال : سأل زرارة أبا عبد الله × عن الصّلاة في الثعالب والفنك والسنجاب، وغيره من الوبر، فأخرج كتاباً - زعم أنه إملاء رسول الله ‘ - : أنَّ الصّلاة في وبر كلّ شيءٍ حرام أكله، فالصّلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه كلّ شيءٍ منه فاسد، لا تقبل تلك الصّلاة حتّى يصلّي في غيره ممّا أحلّ الله أكله، ثمّ قال : يا زرارة ! هذا عن رسول الله ‘، فاحفظ ذلك، يا زرارة ! فإنْ كان ممّا يُؤكل لحمه فالصّلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه، وكلّ شيءٍ منه، جائز إذا علمت أنّه ذكي، وقد ذكّاه الذابح، وإن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله، وحرّم عليك أكله، فالصّلاة في كلّ شيءٍ منه فاسد، ذكّاه الذابح، أو لم يذكه[3].


[1] موسوعة الامام الخوئي، السيد أبوالقاسم الخوئي، ج12، ص164.
[2] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج8، ص55.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص345، أبواب لباس المصلّي، باب2، ح1، ط آل البیت.